القضايا التى تواجه السياسيين التونسيين
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 1 فبراير 2020 - 11:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» تحدثت فيه عن عدم اتفاق الأطراف التونسية على عدو واحد مشترك فيما بينهم لمواجهته سويا فكل طرف يركز على قضية مختلفة وعدو مختلف وستبوء محاولاتهم بالفشل لأنهم يهتمون بمصالحهم الذاتية.. نعرض منه ما يلى.
كيف يمكن لنا أن نتحدّث عن «حكومة جديدة» تبعث الأمل فى نفوس التونسيين والتونسيات وتؤسس لإدارة مختلفة للقضايا الشائكة التى تهدّد مسار التحوّل والخلاف قائم بين السياسيين حول الاصطلاحات: حكومة الرئيس، حكومة الشعب، حكومة الوحدة الوطنيّة...؟ ثمّ ما هى أولويات الفاعلين السياسيين: مناقشة النعوت وأسس البلاغة أم مضمون البرنامج الّذى يعرضه المكلّف بتشكيل الحكومة؟
وليس ترتيب الأولويات، فى نظرنا، إلاّ حجّة على عدم خروج القيادات السياسية من نسق كلاسيكى فى التفكير يولى أهميّة للشكل، ويهدر الوقت فى اختيار النعوت على حساب مناقشة المضمون وما يُعرض من مقترحات؟
كيف يمكن للأحزاب أن تدعو إلى تأسيس حكومة «وفاق وطنى» والعدوّ ليس مشتركا؟ فمن الأحزاب من تعتبر الإرهاب العدوّ الرئيس، ومن النوّاب من يرى أنّ على الحكومة أن تشنّ الحرب على مظاهر الكفر والانحلال الأخلاقى، ومن الكتل الحزبية من تذهب إلى أنّ البطالة هى العدوّ الأساسيّ...؟
كيف يمكن للقيادات السياسية أن تقترح «حكومة إنقاذ» ونحن نختلف حول هويّة المسئول عن الدمار، ولم نقدّر حجم الخراب، ولم نحاسب بعدُ من عبث بمؤسسات الدولة وخرّب البُنيان، بل إننا لا نملك وسائل الإنقاذ؟
كيف يمكن لنا أن نطالب بإنشاء «حكومة وحدة وطنيّة» وولاءات البعض عابرة للقوميات؟ ومن المسئولين من يؤدى زيارة للسلطان التركى....؟
وهل يمكن أن نتخطّى الأزمات ونسرّع فى وتيرة مناقشة القوانين المعروضة على مجلس الشعب، ونعوّل على حسن أداء النوّاب والحال أنّ ثقافة البعض محدودة جدّا، وهمّ أغلبهم تصفية الحسابات والخلافات وتحقيق المكاسب والمصالح؟
وعندما يعيش مجلس الشعب على وقع «الحروب الداخلية» (الدساترة ضدّ النهضة، أصحاب رءوس الأموال والمصالح الخاصّة ضدّ المطالبين بالعدالة الاجتماعية، الجهويات، الطبقات، الأجيال....)، ويصبح منتجا لخطابات الكره والتكفير والنبذ وكلّ أشكال العنف فلا تستغرب ارتفاع منسوب العنف فى المجتمع، ولا تتعجبنّ من استشراء ظاهرة الهجرة وشيوع مشاعر الإحباط.
وطالما أنّنا لم نتفق حول العدوّ المشترك: الفساد، الجهل، الفقر، البطالة، التلوّث البيئى، انهيار القيم، الرياء، الهشاشة،... فإنّنا سنعيش على وقع ما سينتجه الإخوة الأعداء من استراتيجيات لإبادة الآخر، وعلى المؤامرات التى تصدرها «النيران الصديقة» وسنواصل اجترار المشاكل المتراكمة منذ سنوات، وإعادة إنتاج صراعات الهوية، وغيرها.
وطالما أنّ الفاعلين السياسيين، والّذين قذفت بهم الأقدار إلى عالم السياسة لا يدركون مدى تعقّد الواقع، ويجهلون الرهانات الأساسيّة، ويعجزون عن ترتيب الأولويات فإنّ الحكومة القادمة لن يكون بإمكانها إلاّ التعايش مع «الموجود» ومحاولة الصمود أمام أنصار السير عكس التيّار الإصلاحى لأنّها ببساطة لا تملك استراتيجيات المقاومة.
وطالما أنّ السياسيين لم يعتبروا من أخطاء ارتكبت فى الماضى ولم يغيّروا اتجاه البوصلة ولم يستأنسوا بتجارب الأمم، ولم يفارقوا طرق التفكير القديمة فإنّ قدر تونس أن تكون مختبرا يتعلّم فيه الفاعلون أصول القيادة وطرق بناء الزعامة، ولكنّها تظلّ تجارب فاشلة مادامت الهمّة قد تعلّقت بتحقيق المصالح الذاتية، وقصرت عن ترسيخ دروس فى الإيثار وحبّ الوطنّ.
لا تهمّ النعوت التى يطلقها البعض على هذه الحكومة التى لا تزال فى طور الجنين الّذى يحتاج إلى غذاء ورعاية حتى ينمو الأهمّ من كلّ ذلك الوعى بأنّ السياق لم يعد سياق التدرّب على إدارة الأزمات: إنّه سياق يؤذن بقدوم الأسوأ.
المغرب ــ تونس