الفن هو الحل
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 1 مارس 2018 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «تغريد الطاسان» جاء فيه: من الأشياء التى تقاس بها المجتمعات والحضارات تعاملها مع الفنون بشكل عام، فالفن عبارة عن رسالة ملهمة تصنع الكثير، وتختصر الفكر والبيان فى قالب فنى بديع، من خلال لوحة، أو على خشبة مسرح، أو من خلف شاشة تلفاز أو سينما.
ولا تزال خطواتنا نحو الفن، تتم على استحياء وبوجل وبخطوة للأمام وعشر للوراء!
وهذا بسبب عدم وجود موقف واضح من الجهات الرسمية والجهات المشرعة لإقامة الفاعليات الفنية، فكثيرا ما نرى إعلان عن فاعلية فنية، وما إن ينتقد أحد إقامتها، حتى تبادر الجهات المسئولة إلى إلغائها، والإعلان أنها تمت من دون ترخيص، وتحيل أصحابها للتحقيق، ولا أظن أن شيئا من هذا حدث، فقط مجرد سحب غضب معين، والابتعاد عن الخوض فى معارك اجتماعية لا داعى لها.
وما إن تقام الفاعلية، حتى نرى التضييق عليها، وكثرة الإشاعات حولها، وبيانا هنا وبيانا هناك، ولجانا تشكل وقرارات تصدر، إما بسبب مشاركة طفلة، أو بسبب حضور نساء.. إلخ!
كلنا شاهد أخيرا ما حدث لـ«الجدارية الفنية» بالرياض، التى رسمها عدد من الفنانين والفنانات بتكليف من إمارة وأمانة مدينة الرياض، وفى العلن وأمام الناس، يقومون برسم لوحة وطنية تخبر عن رسالة الفن تجاه قضايا الوطن، وما إن تكتمل اللوحة ويفرح بها صانعوها، ويرون فيها كسرا لقوالب شوارعنا الكئيبة التى ليس للفن فيها حضور لافت، يفاجئون بأنها أزيلت وطمست فى لمح البصر، من دون علم منهم ولا حوار معهم، وكأننا هنا لسنا فى دولة واحدة ومرجعية واحدة!
مثل هذه الأمور، عندما تخرج فى مواقع «التواصل»، ستترك انطباعا ليس بالجيد عنا وعن التحولات التى نعيشها أخيرا.
لا بد من حكمة واضحة وجلية فى التعامل مع مختلف قضايانا الداخلية، وبخاصة التى تحتمل الرأى والرأى الآخر، ولا بد من حسم الأمور المتعلقة بالفن وأنواعه، وتحديد معالم طريق التعامل معها، لأننا مقبلون على حراك فنى كبير، قد نخسر الكثير من مكاسبنا، بسبب عدم وضوح التوجه والموقف.
ماذا سنفعل حيال فيلم سينمائى، وكيف سنتقبل نصا مسرحيا، وما مدى تفاعلنا مع عرض أزياء أو مهرجان جمال، وكيف سنتعايش مع مساحة وجود للمرأة أكبر حضورا أو على المنصات، وهل الأوبرا كارثة أم أنها تفاعل حضارى يحتاجه المجتمع؟
نحن نشهد تحولات كبرى فى مجتمعنا، ووجود الشباب كفئة كبيرة تجعل من الأمور أكثر تسارعا، وتجعلنا نعيد قراءة المشهد ألف مرة، ونبتعد عن الخوف غير المبرر، وعن التقليدية فى رؤيتنا وتعاملنا مع الفن وأهله.
لا نريد شيئا فى الظلام، ولا نريد مفاجآت تحدث وتشق الصف المجتمعى وتسمح بمناوشات نحن فى غنى عنها، لا بد من بيئة قانونية تحفظ حقوق الكل، المتفقين والمختلفين، وتسمح بالتعددية والمضى قدما بما يرضى الله ثم ولاة أمرنا، من دون الخوض فى تأويلات وغيبيات، والركن لنصوص لا تمتُّ لثقافتنا وفكرنا بصلة.
لا بد لرجال الدين من وقفة هنا، لأن لكلمتهم هيبة، ويطمئن لها الكثيرون ويرون فيها بركة وفوزا ونجاحا ممتدا، ولابد للمسئول أيا كان مكانه ألا يهرب من المواجهة مبكرا، وألا يوافق على شيء ثم يتنصل منه، ويجعل الأمور تتفاقم بسبب تصرفه اللا مسئول هذا.
يجب أن نؤمن، أفراد ومجتمعات وهيئات، أن الفن متنفس لكثير من الكبت، ومساحة جميلة للتعبير عن الرأى واختصار الفكرة فى قالب جذاب، وأننا من خلاله نعيد تشكيل كثير من جنبات حياتنا، ونلونها بالبديع والمبدع، ونفوز بالمشهد الحضارى الأجمل، فبالفن نصل للكثيرين هنا وهناك، بلغة عصرية عالمية تمنحنا الرقى وتجعل العالم ينظر إلينا بنظرة إيجابية، يرى فيها من نحن ويطلع على ما نحن عليه، من خلال فنوننا وتراثنا وهويتنا الممتدة عبر الزمان والمكان.
الحياة ــ لندن