ثمن الحرية
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 1 مارس 2019 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
لا يزال الاحتفال بثورة 1919 مستمرا، ومن المهم أن نتكلم مجددا عن واحد من الأفلام المصرية الموجودة على اليوتيوب ونتعرف على صورة هذه الثورة كما رآها آباؤنا، إنه فيلم «ثمن الحرية» الذى أخرجه نور الدمرداش عام 1965، وهو الفيلم الذى أكد على تلاحم عنصرى الأمة فى بث الروح فى هذه الثورة، ورأينا العلاقة القوية بين الطرفين.
الفيلم أول بطولة سينمائية لعبدالله غيث فى دور الضابط المصرى الذى يحمل أمانة الكلمة ويمتنع عن ذكر اسم زعيم الفدائيين والذى جسده كمال ياسين وجسدت كريمة مختار دور الأم، وهى التى تزوجت من المخرج فى تلك الحقبة، أما الحكمدار البريطانى فقد جسده محمود مرسى، شارك فى البطولة أيضا محمد توفيق وصلاح منصور، وصبرى عبدالعزيز، وقد كتب نجيب محفوظ السيناريو عن مسرحية كتبها الأديب الفرنسى المولود فى الجزائر ايمانويل روبليس باسم «مونتسيرات» وترجمت المسرحية بعنوان «ثمن الحرية» الى اللغة العربية، وتم تمثيلها على خشبة المسرح قبل سنوات قليلة من إخراج الفيلم بنفس اسمها حسب الترجمة العربية، وأحداث المسرحية الأصلية تدور أحداثها فى أمريكا اللاتينية التى لم تتوقف فيها الحركات الثورية طوال قرن ونصف القرن من الزمان.
ليست هناك إشارة مكتوبة إلى أن فيلم «ثمن الحرية» تدور أحداثه أثناء ثورة 1919، لكن الحكمدار الانجليزى الذى يجمع ضباطه حوله فى مكتبه، يعبر عن غضبه من الثورة التى يقوم بها الثوار، بقيادة الثائر أحمد عبدالحفيظ، وفى وقت آخر من الفيلم فإن الحكمدار ينتبه إلى وجود الراهبة تيريز وسط الستة أفراد فيسألها عن اسمها وسنها، ويعرف أنها فى الثامنة عشرة، ويردد: «إزاى الشبان المصريين منشغلين بالثورة، ومش ملتفتين للجمال ده». تيريز بنت مصرية قبطية جاءت للتعرض لخطر القتل، لو لم يتكلم محمد المصرى ويبوح بمكان الثائر الذى يخطط للتخلص من قادة الاحتلال، منهم اثنان من الضباط المصريين أحدهما كمال، ثم محمد المصرى، وهو أيضا واحد من التنظيم السرى الذى يبلغ أحمد عبدالحفيظ بالأخبار الجديدة الخاصة بالقبض على الثوار، يعلم الحكمدار أن الملازم محمد درويش المصرى هو من يعرف الطريق إلى الفدائى أحمد عبدالحفيظ. وسرعان ما يتم القبض على المصرى أفندى ويساق إلى سجن القلعة، وأمام رفض المصرى بعدم البوح بما يعرفه عن الفدائى المطلوب، يأمر الحكمدار رجاله بإحضار اول ستة أشخاص عابرين فى ميدان القلعة، ويمنح المصرى ساعة واحدة للاعتراف بمكان الفدائى، وتكون الراهبة تيريز واحدة من الأبرياء الستة الذين أوقعهم حظهم السيئ فى طريق عساكر الانجليز، وتبدو تيريز شخصية جادة بالغة الشجاعة، فهى الوحيدة من ضمن الأشخاص الستة التى لا تتوسل إلى الحكمدار أن يبقى على حياتها، بينما الجميع لديه الاغراءات التى تجعله يطلب الحياة، فالأم تركت ولديها الصغيرين فى انتظار أن تحضر لهما الطعام، والتاجر الذى تزوج حديثا يبغى العودة إلى زوجته الجديدة، بينما الحوذى يريد الرجوع إلى الحصان، والطالب يتوسل كى يعود إلى أمه التى ليس لها غيره، والمطرب يخاف من الموت المجانى، وهو الذى يغنى أغنية سيد درويش «أنا المصرى كريم العنصرين»، أما تيريز فإن الحكمدار يختارها كى تمتعه، وهى التى تعامله بكل ازدراء، وبعدما يتم اطلاق الرصاص على أول ثلاث ضحايا، فإن تيريز تقدم نفسها كى تكون القربان القادم، بكل ثبات وشجاعة، وهذا الدور قامت به ممثلة موهوبة جميلة هى فايزة فؤاد، التى كانوا يشبهونها بشادية فى تلك الآونة، وكانت فى قمة تألقها فى فيلم «حرامى الورقة» اخراج على رضا 1970، واختفت عن الانظار بدون سبب، وتيريز تنتابها حالة من البكاء وهى ترى الأبرياء يموتون وسط حالة من الدم البارد، سواء من الحكمدار أو الضابط الثائر، فالراهبة تبكى بعد اطلاق الرصاص على الشاب الطالب. والراهبة هى التى تقف ضد الضابط عندما يهم بنطق العنوان الذى يوجد فيه أحمد عبدالحفيظ، أى إنها أكثرهم ثباتا كما صورها الفيلم، وهى التى تم اغتصابها وقتلها لتكون إلى جوار جميع الضحايا.
وكما رأينا فإن موضوع التكاتف بين المسلمين والأقباط تم بدون افتعال فى هذا الفيلم، وفى اعمال اخرى مثل «بين القصرين»، كى تبقى ثورة 1919، رمزا للتوحد بين المصريين فى الحياة والواقع، لتصير تلك الصورة أبدية دوما بعد قرن من الزمان رغم جميع التغييرات الحادة التى عاشها المصريون وعبرت عنها السينما.