سقوط نظرية العصفورة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الجمعة 1 أبريل 2016 - 9:43 م
بتوقيت القاهرة
لو كان الأمر بيدى لقررت وضع مادة فى المناهج الدراسية من الحضانة إلى الجامعة وربما الدراسات العليا عنوانها «فى نقد نظرية المؤامرة».
السبب أن معظمنا حكومة ومعارضة توسع فى تخيل وجود هذه النظرية، لدرجة أنها صارت الاستثناء، وصارت شماعة لنعلق عليها كل أخطائنا وخطايانا وخيباتنا وفشلنا.
أحد الأبناء الطبيعيين لنظرية المؤامرة هى «نظرية العصفورة»، وخلاصتها أن كل الحوادث والوقائع التى نراها يوميا ليست طبيعية، بل هى للتغطية على حدث أكبر آخر، وهكذا ينتهى الأمر إلى أن كل ما نعيشه هو مفتعل بالمطلق.
عندما تم اختطاف الطائرة المصرية إلى قبرص على يد شخص أغلب الظن أنه مختل نفسيا، سارع البعض للقول إن الحكومة وأجهزتها دبرته لينسى الناس حكاية القرار الجمهورى قبلها بساعات بعزل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات. وبهذا المنطق وجب علينا أن نسأل، وما هو الحدث الاخر الذى أرادت الحكومة التغطية عليه عندما عزلت جنينة؟!!.
أصحاب نظرية: «انظر أو بص أين العصفورة» يقولون إن هذا القرار جاء للتغطية على حدث أكبر هو بيان الحكومة الأخير، وهذا البيان جاء للتغطية على التشكيل الحكومى الأخير، أما الأحداث الماضية بأكملها فقد جاءت للتغطية على ارتفاع سعر الدولار بكل العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى بنسبة ١٤%؟.
هذا المنطق جنون مطلق وعيش فى عالم كامل من الغيبوبة كى نريح عقولنا من التفكير العقلانى البسيط والهادئ والمنظم والبديهى.
للموضوعية فإن «نظرية العصفورة» ليست وليدة اليوم، هى قديمة جدا، لكن أشهر تجلياتها كانت عقب الانتفاضة الشعبية ضد قرارات الرئيس الأسبق أنور السادات فى ١٧ و١٨ يناير ١٩٧٧ بزيادة بعض أسعار السلع الأساسية. وعندما خرج آلاف المواطنين احتجاجا على هذه القرارات، تفتق ذهن أجهزة الحكومة عن إذاعة مسرحية مدرسة المشاغبين فى تليفزيون الدولة.
ربما تكون الحكومة يومها هدفت فعلا إلى إلهاء الناس وصرفهم عن التفكير فى المظاهرات التى كانت الأكبر من نوعها والأخطر ضد حكومات وسياسات السادات التى انحازت للمصالحة مع إسرائيل وجماعات الإسلام السياسى ورجال الأعمال الجدد فى هذا الوقت.
ما كان صحيحا فى السبعينيات وحتى الثمانينيات من تطبيق لنظرية العصفورة يستحيل تكراره الآن.
فى السبعينيات كانت هناك على ما أظن القناة الأولى فقط والصحف الثلاث الرسمية، ولم يكن هناك أى إعلام معارض أو مستقل. وبالتالى كان يمكن ضمان التلاعب بعقول الناس كيفما تشاء الحكومة.
الان وحتى لو أرادت الحكومة سواء فى مصر أو فى أى مكان إعادة إنتاج نظرية «العصفورة» فلن تفلح لأنها لو أذاعت مسرحية مدرسة المشاغبين وكل المسرحيات القديمة والجديدة، ومعها كل أفلام إسماعيل ياسين وعبدالفتاح القصرى وعادل إمام ومحمد سعد ومحمد هنيدى وسائر نجوم الكوميديا والدراما، فلن تنجح، لسبب بسيط أن هناك مئات القنوات الأخرى ستظل تطرح القضايا الأساسية التى تهم الناس.
قد تستطيع أى حكومة تخدير بعض المواطنين لبعض الوقت لكنها لا تضمن ذلك لكل الناس كل الوقت، وبالتالى على السادة المهووسين والمسكونين بنظرية المؤامرة والعصفورة وأمثالها أن يكفوا عن هذه «الهلوسة التى تعشعش فى أدمغتهم».
لو أن الحكومة بهذه المهارة فى تخدير المواطنين، فلماذا هى فاشلة وعاجزة فى ملفات أخرى كثيرة؟!. ثم إن بعض الحوادث مثل ريجينى وخطف الطائرة يضر بالحكومة كثيرا جدا، فكيف يمكن إدراجها تحت نطاق «العصفورة»؟!. غالبية الناس صارت تعرف قضاياها الرئيسية والفرعية، وبالتالى فإن ملايين «العصافير» لا يمكنها أن تلهيهم عنها..!.
وختاما فإن هذه النظرية لا تنطلى الا على السذج... وأظن ان غالبية الشعب المصرى اثبتت فى الشهور الاخيرة انها ليست كذلك.