زيادة الأجور والقطاع الخاص
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 1 أبريل 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
لا أحد ينكر أن قرارات رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة إلى 2000 جنيه، ورفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 900 جنيه، والتى أعلن عنها الرئيس السيسى خلال تكريم عدد من الأمهات المثاليات، استقبلت بترحاب كبير لما لها من تأثير إيجابى على بيوت نحو 6 ملايين عامل وموظف، غير أن التخوف من زيادة أسعار السلع التى يسارع التجار تلقائيا إلى رفعها مع كل زيادة فى الأجور تظل الرهان الأكبر.
فتحريك أسعار السلع والخدمات بأى نسبة فى الوقت المنظور أو عقب التطبيق الفعلى لقرارات زيادة الأجور والمعاشات المقرر فى شهر يوليو المقبل، سيكون بمثابة ضربة قاصمة لمحاولة تخفيف الأعباء عن المواطنين، وربما يكون الخوف الأكبر لدى العاملين فى القطاع الخاص، هؤلاء الذين يربو عددهم على نحو 20 مليون عامل وموظف لا ينتمون إلى العاملين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية ولا غير المخاطبين به.
وإذا كانت قرارات زيادة الأجور قد نزلت بردا وسلاما على المعنيين بها بأجهزة الدولة المختلفة، فإن لسان حال العاملين بالقطاع الخاص يتساءل: وماذا عنا؟، طبعا بعض المستثمرين تحدث عن أن الحد الأدنى للأجور الذى قرره الرئيس بـ 2000 جنيه، مطبق بالفعل فى العديد من المنشآت الخاصة، وبالتالى فلا داعى للتساؤل عن نصيب هؤلاء من قرارات الرئيس.
هذا الرد من بعض كبار المستثمرين قد يكون صحيحا فى مجمله، غير أننا وفى ظل غياب البيانات الدقيقة التى تحدد لنا عدد العاملين بالقطاع الخاص ممن يتجاوز الحد الأدنى لمرتباتهم 2000 جنيه، لا بد وأن يجعلنا نتساءل عن مدى دقة تصريحات هؤلاء المستثمرين عن أن الواقع لا يستدعى الحديث عن أى زيادة، رغم أن قرارات الرئيس لم تقتصر على رفع الحد الأدنى للأجر، ولكنها اشتملت أيضا على علاوات وترقيات رفعت مرتبات جميع العاملين بالدولة بنسبة محددة.
كما أن الواقع المعاش والتجارب الحياتية اليومية ربما تحمل الكثير من المؤشرات التى قد تعطينا بعضا من الصورة المنقوصة. فالعاملون فى المنشآت الصغيرة والورش والمطاعم والمحال التجارية ربما لا يتقاضى غالبيتهم الحد الأدنى الذى قررته الحكومة عام 2013 عند 1200 جنيه، ولعلنا نتذكر الاجتماعات التى جرت بين وزارة القوى العاملة وممثلى القطاع الخاص ولم ينتج عنها سوى وعود بالتطبيق لم تخرج فى مجملها إلى النور.
بعض الجهات، وبينها نقابة الصحفيين، قررت وقتها اللجوء إلى العقد الموحد الذى لا يقل عن 1200 جنيه عند التعاقدات الجديدة، بما ألزم الصحف برفع القيمة التعاقدية فى حدها الأدنى عند ذلك الرقم، فهل ستلجأ هذه المرة إلى الإجراء ذاته؟، هذا هو الجدل القائم حاليا، ومنذ إعلان الرئيس عن رفع أجور العاملين بالدولة.
العاملون المصريون، قطاع عام وخاص، جميعا فى قارب اجتماعى واحد، وزيادة الأسعار التى يعانى منها الجميع فى الفترة الراهنة لا تفرق بين عام وخاص، وأقصد بالخاص العاملين بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتلك التى تغيب عيون الرقابة عنها، حتى أن بعضها لا يلتزم بالتأمين الاجتماعى إلا لعدد محدود من العاملين لديه ويتهرب من تطبيق القانون الذى يلزمه بذا الإجراء على باقى موظفيه.
ومع ترحيبنا بأى تحسن يمكن أن يجعل قطاعا من المصريين يصمد أمام غائلة ارتفاع الأسعار فى السلع والخدمات، التى تكوى الجيوب، فإن الأمر يحتاج إلى نظرة أيضا إلى قطاع آخر من المصريين الذين يعملون فى ظروف صعبة ولا يتقاضون إلا الفتات، ناهيك عن تأخر رواتب البعض ممن لا يصل صوتهم إلى وسائل الإعلام عادة.
اتحاد العمال عليه دور، ورجال الأعمال عليهم مسئولية وطنية، والدولة مطالبة بالتدخل من أجل أن تعبر السفينة الأمواج العاتية التى قد تعترى ابحارها وسط العواصف، فالمساواة فى الأجور وتقاسم الأعباء بين العامل ورب العمل قمة العدل الاجتماعى المطلوب، وحتى لا يشعر قطاع من المصريين بالتمييز.