حال الجامعات في هذا العالم
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 1 أبريل 2023 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
قد يشعر القارئ بالدهشة من عنوان هذا المقال، أولا لأن العنوان لم يحدد إذا كنا نتكلم عن الجامعات فى الدول المتقدمة أم فى الدول النامية، وثانيا لأنه لم يعط انطباعا إذا كنا نقصد حالا سيئا أم حسنا. هذا «الغموض» مقصود لأننا سنتكلم فى هذا المقال عن الجامعات بشكل عام والتغير الذى حدث فيها فى القرن الحادى والعشرين، فى ثنايا الحديث سنذكر بعض الاختلافات بين الجامعات فى الدول المتقدمة وتلك التى فى الدول النامية. الموضوع يحتاج مقالات عدة لكننا اليوم سنركز على أربع نقاط توضح حال الجامعات فى أيامنا هذه.
النقطة الأولى هى دور الجامعات، فى البداية كان دور الجامعات الأساسى هو التعليم فقط، إذ كان هناك من بحث علمى فإنه كان يقام بمجهود فردى وليس مؤسسيا. ثم تطور دور الجامعات ليقوم بالتعليم والبحث العلمى. ثم تطور هذا الدور مرة أخرى لتضاف ريادة الأعمال إلى دور الجامعات، هناك فى أمريكا مثلا جامعات كبرى تشجع الأساتذة، بل والطلاب على استخدام اكتشافاتهم العلمية لإنشاء شركات، وتساعدهم الجامعات فى ذلك لأنها ستستفيد، الجامعة تساعد الأستاذ ببعض التمويل والمساعدات القانونية إلخ فى مقابل نسبة ليست بالصغيرة من الأرباح. لهذا عندما سُئل السيناتور الديموقراطى (Daniel Patrick Moynihan) كيف نبنى مدينة عظيمة كان رده «ابنِ فيها جامعة عظيمة وانتظر 200 سنة». طبعا الموضوع ليس بهذه السهولة لأن جامعة عظيمة تحتاج عدة شروط تكلمنا عنها فى مقال سابق وتحتاج أيضا نظاما للصناعة يتعاون مع الجامعة ويستفيد من اكتشافاتها، ناهيك عن سوق عمل مناسب للطلبة ويستفيد من طالب خريج جامعة عظيمة. عدد فرص العمل ليس هو المعيار، ولكن نوعية هذه الفرص هى ما تحدد تأثير الجامعة العظيمة على البيئة المحيطة.
النقطة الثانية هى عكس ما تكلمنا عنه فى النقطة السابقة فيما يتعلق بالعظمة، هناك العديد من الجامعات فى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء أصبحت لا تهتم بالتعليم بالقدر الذى تهتم فيه بالبيزنس، أى تهتم بالمصروفات التى يدفعها الطلاب وتهتم بأن يكون هؤلاء الطلاب مسرورين عن طريق اعطائهم كما قليلا من المادة العلمية ودرجات أعلى مما يستحقون، الأهم أن يدفعوا المصروفات. هناك بعض الإحصاءات التى تشير إلى أن الجيل الحالى من طلبة البكالوريوس فى أمريكا يدفع مصاريف أعلى ويدرس أقل ويحصل على درجات أعلى مقارنة بجيلين سابقين، وهذا شىء مؤسف. بعض الجامعات الكبرى وقعت فى هذا الفخ فى الدول المتقدمة لكن مرحلة الدراسات العليا والأبحاث القوية والتمويل الكبير لتلك الأبحاث يغطى على ما يحدث فى مرحلة البكالوريوس. لكن هناك جامعات عندها هذا الوضع المؤسف فى مرحلة البكالوريوس، ولكن بدون مصدر القوة فى الدراسات العليا، والكثير من تلك الجامعات توجد فى الدول النامية.
النقطة الثالثة متعلقة بتصنيف الجامعات وهو فى رأيى نوع من البيزنس وعندى من الأسباب ما يبرر هذا القول، أولا طلاب البكالوريوس فى الدول المتقدمة تحاول الالتحاق بالجامعات ذات التصنيف المتقدم حتى يحصلوا على تعليم ممتاز، لكن أغلب العوامل وليس كلها التى تعتمد عليها تلك التصانيف متعلقة بالبحث العلمى ولا تعنى إطلاقا أن التعليم فى تلك الجامعات جيد، ثانيا التصنيف العام لا يعنى شيئا على الإطلاق، إذا كنت تريد أن تدرس الهندسة الكهربائية مثلا فيجب عليك أن تنظر فى تصنيف الجامعات فى هذا التخصص فقط وليس فى التصنيف العام، فقد تكون هناك جامعة مصنفة الأولى عالميا فى التصنيف العام لكن فى الهندسة الكهربائية ليس فى مكان متقدم، جامعة أكسفورد وجامعة هارفارد مثلا لا يمكن مقارنتهما بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا فالأخير أقوى بمراحل فى جميع تخصصات الهندسة، ثالثا الكثير من الدول تستخدم تلك التصانيف كنوع من القوة الناعمة لكن كان الأولى بها أن تهتم بالتعليم ولا تهتم بالتصنيف لمدة جيل على الأقل كما تحدثنا فى مقال سابق.
النقطة الرابعة وتستوى فيها الدول المتقدمة والنامية وهى التنافس بين الجامعات لاجتذاب الطلاب، اليوم تجد فى مواقع الجامعات على شبكة الانترنت وعلى مواقع التواصل إعلانات عن الجامعات أشبه بإعلانات «الكمباوندات»، تحاول الجامعات اجتذاب الطلاب بكثرة الملاعب والحفلات والرحلات أكثر من جودة التعليم والمعامل، هذا معناه أيضا أن الجيل الجديد أصبح يهتم بالشكل أكثر من الجوهر وبالشهادة أكثر من التعليم.
الجامعات أحد أعمدة القوة لأى دولة وكى تقوم الجامعة بعملها من المهم أن يكون هناك تفاعل بين الجامعة وبيئتها المحيطة من شركات ومعامل أبحاث وتحدد أولوياتها: هل هو التعليم ثم البحث العلمى ثم الشركات الناشئة؟ أم هو البحث العلمى ثم الشركات الناشئة ثم التعليم؟ أم ترتيب آخر؟