محض أوهام..
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 1 مايو 2016 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
كلما انحدرنا إلى قاع القاع نكتشف أن هناك لا تزال مساحة متبقية للسقوط بها، وكلما ازدادت سرعة وحجم السقوط كثرت الأوهام وكثر بائعيها المتنوعين وكثيرا منهم كما البائعين المتجولين قادرين على تفصيل أنماط ونماذج للأوهام يبيعونها مرة عبر الإعلام ومرات عبر المراكز البحثية وأحيانا كثيرة عبر وسائل التواصل المتنوعة.
***
الوهم الأول:
إننا فقط ضحايا للمؤامرات المتعددة ولسنا جزءا من الأسباب للوضع المزرى الذى نحن فيه، فكلما ازداد حجم السقوط عاد البعض للكتب الصفراء يُنَبِشُوا صفحاتها لتكرار الخطاب والتفسيرات من نظرية المؤامرة الأكثر رواجا بين شرائح من مثقفينا إلى نظرية اختراق الصفوف بين مؤسساتنا وخاصة الهجمة المتكررة على المنظمات البعيدة عن سيطرة الدولة والأنظمة المتعددة، ورغم أن الجميع يعرف أن لكل دول العالم الكبرى والصغرى منها مصالح وتعمل على تحقيقها ولكن الجميع يتطلع أن يعرف بعضنا مصالحه ويدافع عنها أيضا!
الوهم الثانى:
هناك هجمة على الدين الإسلامى سببها الرئيسى اليمين المتطرف العالمى والصهيونية والدين. والمسلمون بعيدون جدا عن مساحة اللوم هذه بما يقوموا به من تصرفات وأعمال كلها لا يمكن أن تَصُب إلا فى نشر الذعر من هذا الدين، حتى لو أدركنا أن من يقومون بنشر الرعب والذعر المُركَز فى العالم بعيدون عن سماحة الدين الإسلامى، إلا أننا لن نستطيع أن نُخفى أيضا ماذا فعل المتشددون فى تفسيراتهم للدين الإسلامى من أذى لهذا الدين وتصويره على إنه دموى جدا جدا. فكيف للجالس يقرأ كتابه فى الحديقة العامة فى إحدى المدن الأوروبية أن يستوعب ممارسات بعض المحسوبين على قيادات المسلمين وليس تنظيم داعش بل كل المجتمعات التى احترفت منذ سنين نشر التشدد والتزمت وحجرت على أى تفسير للإسلام مخالف لها، كيف يستطيع هذا الأوروبى الذى مرَت بلده بحروب دموية كان سببها الدين أيضا أن يفسر غير ما استوحاه من تاريخه، فهو يرى أن المسلمين قد تأخروا عن مواكب العالم كله لأنهم تأخروا فى فصل الدين عن الدولة وها هو دينهم يرد لهم بكثير من الدم والقتل المُعلَب تحت يافطة تلونت وكلها تردد «لا إله إلا الله»!
***
الوهم الثالث:
إننا ضحايا لتاريخنا الاستعمارى وأن ما نعيشه ما هو إلا مخلفات ذلك الاستعمار وكأننا الشعوب الوحيدة التى عانت من ويل المستعمر المستبد وكأننا الوحيدون الذين تعطلت كثيرا خطط تنميتهم بسبب الاستعمار الذى عمل جاهدا فى كثير من المناطق على تعزيز النزعات التقسيمية للمجتمع سواء كانت تلك دينية، عرقية أو مناطقية.
أفلا يتساءل المرء لماذا استطاعت الكثير من الدول التحرك والتقدم وبقينا نحن كلما عدنا للخلف مرة أو مرات نعيد تكرار الأسطوانة المشروخة؛ إنه الاستعمار المستبد الذى جنى علينا حتى صدَقنا كثيرا من أوهامنا وربما بعض من الكذب على النفس والآخر.
الوهم الرابع:
وهم نشرته كتب التاريخ بعض الشىء، فالتاريخ يكتبه الأقوياء فقط، عندما وصِفت نساء هذه الأمة إما بالضعف أو المكر والكيد ولم تمنح لمكون أساسى من المجتمع المساحات التى يستحقها ليس فى الحاضر بل والدور الذى لعبته نساء المسلمين فى التاريخ الإسلامى الذى دوَنه رجال أو نساء متشبعات بالثقافة الذكورية. اسألوا بعض من حاولن كسر تلك الحلقة أى كتابة التاريخ بالتصور الذكورى البحت له وليس التاريخ بأبعاده المختلفة حتى لا نتحول إلى أمة لم يصنع تاريخها إلا بضعة رجال قد مَجَد فيهم البعض وأعطاهم صفات من الهيبة والسمو والعلو وهم قد يكونون بعيدين جدا عنها.
هذا الوهم لن ينمحى إلا إذا قام بعض مفكرينا المتنورين بإعادة قراءة التاريخ وكتابته ليتحول إلى مناهج تُدَرَس؛ حتى لا نُرسِخ دونية المرأة فى المجتمعات المسلمة والنظرة إليها على أنها مخلوق ناقص حتى أصبح إذا ما قامت امرأة بأمر قد يبدو عادى جدا مَجَد له بعض القادة، أو حتى لا تصبح المرأة جزءا من الديكور العام لحكومات تريد أن تقول للغرب المتحفز لانتقادها ــ وخاصة فيما يتعلق بتعاملها مع نسائها ــ إننا مجتمع متحضر نمنح بعض نسائنا صفة وزير أو قاضٍ أو نائب، ونبقى التعامل معها كما هو. فقوانينا لا تزال تعاملها كنصف الذكر ولا تمتلك أى حقوق كما الذكور حسب القوانين والتشريعات التى وضعها نفس ذاك الرئيس أو الحاكم الذى عيَن الوزيرات وتصور أنه قام بأعلى درجات الاندماج وتغيير الصور النمطية؛ فيما النساء ــ كل النساء ــ متعلمات وغير متعلمات يتعرضن يوميا لنفس أنواع الممارسات الدونية لهن.
***
هذه بعض أوهامنا وليس كلها وربما لكثرة تلك الأوهام نبقى نحن نعمل أحيانا على أن نبعُد ولا نبتعد. فالصور تلاحقك أينما حللت وتطاردك حتى فى اللحظات المعدودة التى تعمل على سرقتها فى ظلمات الليل الهادئ. أن تبعُد هو أن تقف عند عتبة هذه الأوهام وتعمل، بل نعمل معا على إزالتها وهما وهما.