المواجهة الإسرائيلية الإيرانية: من يدفع الثمن؟
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الأربعاء 1 مايو 2024 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
لا جدال فى أن المواجهات العسكرية المباشرة التى جرت بين إسرائيل وإيران فى شهر أبريل من عام 2024 قد دفعت إلى الواجهة بالعديد من التساؤلات المشروعة بشأن ماذا ستكون النتائج إذا ما حدث تصعيد فى تلك المواجهات؟ أو ماذا سوف يحدث للمنطقة بأسرها إذا أفلت الزمام من طرفيها أو أحدهما وتحولت المواجهة المحدودة بينهما والتى اتصفت، بدرجة ما، بطابع رمزى إلى حرب مفتوحة وشاملة ومستمرة؟ أو ماذا يحدث فى حالة لجوء أحد الطرفين أو كليهما إلى إحداث نقلة نوعية فى المواجهة، فى مرحلة أو أخرى، عبر استخدام أسلحة غير تقليدية؟
وسواء حدث تكرار فى نمط المواجهات العسكرية المباشرة المحدودة والرمزية بين إيران وإسرائيل فى المستقبل القريب، أو عاد الطرفان إلى نمط المواجهات غير المباشرة التى كانت غالبة فى مرحلة ما قبل أبريل 2024، أى «حرب بالوكالة» من جانب إيران ضد إسرائيل عبر حلفاء إقليميين لطهران، أو ضرب إسرائيل لأهداف إيرانية ولكنها موجودة خارج إيران، فإن السؤال الهام الذى يفرض نفسه هو: من سيدفع ثمن هذه المواجهات، المباشرة أو غير المباشرة، بين إيران وإسرائيل؟
ومن المؤكد أن الدولتين والشعبين اللذين سوف يدفعان ثمنا باهظا، سيزداد ويتصاعد فى حالة ما إذا اتصفت المواجهات باستمرار كونها مباشرة وبتصعيد فى كل من حدتها ونطاقها، هما إيران وإسرائيل، ولكنهما لن يكونا وحدهما اللذين سوف يسددان فاتورة تلك المواجهات، بل سوف يشمل ذلك أطرافا أخرى عديدة، بداية بأطراف إقليمية ووصولاً إلى أطراف دولية، كلها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك المواجهات من خلال علاقات كل منها بطرفى الصراع أو بأحدهما أو لوجود الأطراف الإقليمية الأخرى فى نفس المنطقة والجوار الجغرافى الذى يعابر بمثابة المسرح الذى يشهد اندلاع أو تجدد الصراع، ومن ثم سوف تتأثر هذه الأطراف بتلك المواجهات، سواء على صعيد أمنها القومى أو على صعيد مصالحها الاستراتيجية، بدرجة أو بأخرى.
ونود أن نركز هنا على المستوى الإقليمى؛ حيث نجد أن البلدان العربية سوف تكون فى مقدمة الأطراف التى سوف تدفع ثمنا لتلك المواجهات وذلك التصعيد، ولذلك فقد كان من الطبيعى خلال وعقب مواجهات شهر أبريل 2024 أن نجد بيانات صادرة عن مسئولين رفيعى المستوى فى العديد من اللاعبين الرئيسيين على الساحة العربية، خاصة الدول العربية المتواجدة فى كل من الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، تدعو إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد وتعبر عن قلقها إزاء تلك المواجهات وتحذر من استمرارها أو تصعيد حدتها أو توسيع نطاقها.
وبالمقابل، فقد استمعنا إلى أصوات عربية، ليس لها صفة رسمية، تتحدث عن ضرورة ترك إيران وإسرائيل تصفيان حساباتهما معا، وتستنزفان طاقاتهما فى المواجهات فيما بينهما، باعتبار أنهما طرفان إقليميان غير عربيين وأن كلا منهما على حدة تسعى لممارسة الهيمنة على البلدان العربية والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ككل، وتتنافسان فى ذلك. بل ذهب بعض هؤلاء إلى القول بأنه من الأفضل أن تتصارع الدولتان معا بدلاً من أن تتفقان ضد العرب أو تتوصلان إلى صيغة ما تؤدى إلى تقسيم النفوذ بينهما فى المنطقة العربية. إلا أن وجهة النظر تلك تتصف بالقصور وضيق الأفق فى آن واحد، وذلك لعدة اعتبارات.
أما الاعتبار الأول فينبع من واقع أن غالبية المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، حتى اللحظة الراهنة، قد دارت على أراضٍ عربية، فى هذا البلد العربى أو ذاك، سواء من خلال نهج «الحرب بالوكالة» أو من خلال ضرب أهداف إيرانية أو إسرائيلية فى دول ثالثة، والتى كان آخر حالاتها هو الهجوم العسكرى الإسرائيلى على مبنى السفارة الإيرانية فى العاصمة السورية دمشق مما أدى إلى إحداث إصابات مباشرة وذات طابع تدميرى بها فى الأول من شهر أبريل 2024، وهو الهجوم الذى أدى إلى التصعيد الأخير بين الدولتين، وبالتالى فإن الدول العربية لن تكون فى منأى من أن تستمر أو حتى تزيد فرص أن تكون ساحة لتلك المواجهات الإيرانية الإسرائيلية والمعاناة من آثارها فى المستقبل.
وإذا انتقلنا إلى الاعتبار الثانى، نجده يتعلق بحقيقة أن أى تصعيد نوعى فى المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران سيشمل، حتى وإن لم يكن ذلك مخططا له أصلاً من جانب الطرفين المعنيين، دولاً أخرى فى المنطقة وسيكبد تلك الدول خسائر وأضرارا يصعب التنبؤ بحجمها أو مداها. ويكفى أن نشير هنا إلى أن المسيرات التى أطلقتها إيران على إسرائيل يوم 14 أبريل 2024 قد مرت إلى إسرائيل من خلال بلدان عربية وتسببت بعضها فى أضرار، ولو طفيفة، فى عدد من تلك البلدان التى أسقطت بعض تلك المسيرات باعتبارها كانت تخترق مجالها الجوى واعتبرتها تنتهك سيادتها الوطنية وتعرض سلامة أراضيها للخطر.
أما الاعتبار الثالث فيتصل بأنه فى حالة افتراض حدوث تحول نوعى فى المواجهة بين إيران وإسرائيل من جهة اللجوء إلى استخدام أسلحة غير تقليدية، فإنه من المؤكد فى تلك الحالة أن الدولتين والشعبين الإيرانى والإسرائيلى سيدفعان الثمن الرئيسى لذلك التحول، إلا أن البلدان العربية وشعوبها، خاصة تلك الواقعة فى منطقتى الشرق الأوسط والخليج، كما هو الحال بالنسبة لبلدان أخرى غير عربية مجاورة وشعوبها، ستدفع أيضا ثمنا قد يرتفع أو ينخفض بحسب مقدار هذا التحول النوعى فى المواجهة، نظرا لوجود حالة تجاور جغرافى، مباشر أو غير مباشر، مع إيران وإسرائيل، ومن ثم فإن أى استخدام لأسلحة غير تقليدية من طرف ضد الآخر قد يمتد أثره إلى دول أخرى مجاورة لهذا الطرف أو ذاك، سواء فى شكل خسائر فى البشر أو الحجر، أى وفيات وإصابات إنسانية وخسائر مادية، بما فى ذلك على صعيد البنية التحتية، بالإضافة إلى إمكانية حدوث خسائر بيئية قد تحدث فى المستقبل القريب ويمكن أن تمتد آثارها إلى أجيال قادمة أيضا.
وهكذا نرى أن من مصلحة البلدان العربية، خاصة تلك المتواجدة فى منطقة الشرق الأوسط أو فى منطقة الخليج، العمل لضمان عدم حدوث أى تصعيد بين إيران وإسرائيل ومن أجل الحيلولة دون تكرار المواجهات العسكرية المباشرة التى حدثت بين البلدين فى شهر أبريل 2024، ومن الهام لتلك الدول السعى قولاً وفعلاً من أجل بذل المساعى الإقليمية والدولية، الثنائية ومتعددة الأطراف، فى سبيل ضمان ضبط النفس بين الطرفين وحثهما على تجنب التصعيد مجددا فى المستقبل، لتجنب إدخال عامل عدم استقرار جديد إلى الإقليم ككل، مما يؤثر سلبا على البلدان العربية بالمنطقة، ليس فقط من جهة مخاطر تتعلق بالأمن القومى والسيادة الإقليمية وسلامة أراضى تلك الدول، بل أيضا بما قد يشكل عاملاً طاردا، يضاف إلى عوامل طاردة أخرى موجودة بالفعل، تشكل عوامل طرد للاستثمارات الاقتصادية الإنتاجية التى تحتاج لها الدول العربية بالمنطقة بشكل ملح، خاصة تلك الدول غير المعتمدة على صادراتها من النفط والغاز الطبيعى، والتى تحتاج مع تلك الاستثمارات أيضا إلى ما يصاحبها من نقل للتكنولوجيا المتقدمة والمعارف والتقنيات الفنية الحديثة وتكييفها مع احتياجات الدول العربية بالمنطقة بهدف إحداث طفرة اقتصادية مطلوبة، على الأقل من أجل تجاوز المعاناة التى مرت بها تلك الاقتصاديات والتى نتجت عن الآثار السلبية لجائحة كوفيد ــ 19 والتداعيات الكارثية للحرب الروسية الأوكرانية وأخيرا وليس آخرا للحرب فى قطاع غزة.