إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.. إعادة تقييم المقاربة العربية


قضايا أمنية

آخر تحديث: الخميس 1 مايو 2025 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالًا للكاتب جاسر الشاهد، تناول فيه فشل مساعى الدول العربية، على مدار ثلاثين عامًا، لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية عبر مسار مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار بسبب غياب الالتزام من قبل الأطراف الدولية المؤثرة، خصوصًا إسرائيل والولايات المتحدة، ما يستدعى تبنى مقاربة جديدة تقوم على حوارات أمنية إقليمية وإجراءات بناء الثقة كمرحلة انتقالية نحو نزع السلاح... نعرض من المقال ما يلى:
استطاعت الدول العربية فى مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى لعام ١٩٩٥ تضمين قرار خاص بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وباقى أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط كجزء من صفقة التمديد اللانهائى للمعاهدة. وبعد مرور ثلاثين عامًا على هذا القرار، ما زال ملف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية يراوح مكانه، وأصبحت الدول العربية حبيسة التحرك فى مسار لن يؤدى إلى أى نتائج إيجابية، مما يستدعى ضرورة إعادة التقييم والتفكير فى مقاربات مختلفة.
مثل مؤتمر المراجعة لعام ١٩٩٥علامة فارقة فى تاريخ المعاهدة بسبب حلول موعد انتهائها فى ذلك العام، ووجود رغبة دولية فى تمديدها بصورة لا نهائية. ورأت الدول العربية فى ذلك الأمر فرصة لوضع قضية إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية على جدول أعمال مؤتمرات المراجعة. وبالفعل نجحت الدول العربية فى عقد «صفقة» توافق بمقتضاها على التمديد اللانهائى للمعاهدة مقابل تضمين ما درج على تسميته «بقرار الشرق الأوسط» فى مخرجات المؤتمر. وقد دعا القرار الذى تبته الدول الوديعة ــ الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة ــ «جميع دول الشرق الأوسط» إلى الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووى، والامتناع عن تطوير أو حيازة أسلحة نووية أو أية أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل. غير أن الدول العربية لم تستطع الإشارة إلى إسرائيل بالاسم، باعتبارها الدولة النووية الوحيدة فى المنطقة.
وفى مؤتمر المراجعة التالى عام ٢٠٠٠، أصبحت كل دول المنطقة موقعة على المعاهدة ما عدا إسرائيل التى ظلت خارج المعاهدة بدون أية التزامات قانونية. وعلى ذلك ضغطت الدول العربية لذكر إسرائيل بالاسم فى الوثيقة الختامية للمؤتمر ومطالبتها بالانضمام لمعاهدة عدم الانتشار، وإخضاع جميع منشآتها لنظام الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفى المقابل، طلبت الولايات المتحدة تسمية العراق كدولة غير ملتزمة بتنفيذ اتفاق الضمانات الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية. ورغم أن الدول العربية اعتبرت ذكر إسرائيل بالاسم نتيجة إيجابية للمؤتمر، بالإضافة إلى الخطوات الـ١٣ التى تم اعتمادها لنزع السلاح النووى، إلا أن ما حدث فى نهاية الأمر هو تأكيد ما تم ذكره سابقًا دون اتخاذ أى خطوة عملية أو اعتماد آلية تنفيذ فى اتجاه انشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية.
ثم عادت الدول العربية لتتمكن فى مؤتمر المراجعة عام ٢٠١٠ من إحياء الالتزام بإنشاء المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل من خلال التوافق على عقد مؤتمر خاص يضم جميع دول الشرق الأوسط عام ٢٠١٢، وتحديد الدولة المضيفة. كما كلف المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة والدول الراعية للقرار بتعيين ميسر لبناء توافق مع الدول المعنية حول إجراءات وجدول أعمال المؤتمر.
ومع ورفض إسرائيل المشاركة فى مؤتمر الشرق الأوسط بذريعة أن الظروف الأمنية فى المنطقة غير مناسبة، انسحبت مصر من المؤتمر التحضيرى لمؤتمر المراجعة فى جنيف عام ٢٠١٣ باعتباره تراجعًا عن الالتزام بقرار عام ١٩٩٥ومقررات عام ٢٠٠٠. ودخلت الدول العربية إلى مؤتمر المراجعة عام ٢٠١٥ وهى مصممة على عقد المؤتمر خلال ٦ شهور بعد انتهاء مؤتمر المراجعة. كما اقترحت روسيا عقد المؤتمر فى موعد لا يتجاوز ١ مارس ٢٠١٦، إلا أن عدم توافق الدول حول هذا الأمر أدى إلى فشل مؤتمر المراجعة لعام ٢٠١٥ وعدم تبنى وثيقة ختامية للمؤتمر. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقدمت الولايات المتحدة بورقة عمل فى المؤتمر التحضيرى اللاحق تشير فيه إلى أن مؤتمرات المراجعة ليست هى المنبر المناسب لمناقشة قضية إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، أى أن الولايات المتحدة ــ الدولة الراعية للقرار ــ تراجعت عن هذا المسار بعد عشرين عامًا من التعهدات بدعم إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية.
فى مواجهة هذا التحول، أدرجت المجموعة العربية على جدول أعمال اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٨ بندًا لمشروع قرار يطالب الأمين العام للأمم المتحدة بعقد مؤتمر سنوى تكون مهمته صياغة معاهدة ملزمة قانونًا حول إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وقد تمت الموافقة على مشروع القرار بأغلبية ١٠٧ أصوات، وامتناع ٧١ صوتًا، ومعارضة الولايات المتحدة، وإسرائيل وميكرونيزيا. وكالعادة قاطعت إسرائيل المقاربة العربية الجديدة، كما أعلنت الولايات المتحدة أن هذا التحرك العربى سيؤدى للإضرار بالجهود الدولية لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط.
ورغم استمرار مقاطعة إسرائيل والولايات المتحدة لأعمال مؤتمر الشرق الأوسط، أصرت الدول العربية على المضى قدمًا فى هذا المسار، وعقدت خمس دورات للمؤتمر كان آخرها فى نوفمبر ٢٠٢٤ شاركت فيها الدول العربية وإيران وفرنسا والصين وروسيا والمملكة المتحدة، وبعض الوكالات المتخصصة. ولم تملك الدول العربية أمام هذا الوضع إلا أن تطالب ببذل جهود «لإقناع وحث» إسرائيل والولايات المتحدة على المشاركة.
• • •
أظهرت خبرة الثلاثين عامًا الماضية أن مؤتمرات المراجعة لم تعد المسار الذى يمكن تحقيق تقدم من خلاله لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، وأصبحت الالتزامات التى حصلت عليها الدول العربية فى المؤتمرات السابقة ــ التى لا تشارك فيها إسرائيل وتتأثر بالسياق السياسى ــ مجرد قرارات يغيب عنها آلية التنفيذ.
ولا ينتظر فى ظل ازدواجية تطبيق المعايير أن تشهد مؤتمرات المراجعة تقدمًا فى ملف إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. وكما ورد فى تقرير الدورة الخامسة من أنه «لا يتم تطبيق الركائز الثلاث للمعاهدة بالتوازى، بل يتم إعطاء الأولوية لركيزة عدم الانتشار النووى، وإهمال ركيزتى الاستخدام السلمى، ونزع السلاح»، بما يعنى أنه يتم منع أية دولة من تطوير قدرات نووية وتضييق مسار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، مع عدم تطبيق أية التزامات خاصة بنزع السلاح النووى.
والأهم أنه لا يمكن توقع إحراز تقدم لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية من خلال معاهدة قانونية لا تشارك فى صياغتها الدولة النووية الوحيدة فى المنطقة، وتقاطعها الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك أن قواعد اتخاذ القرار التى تم الاتفاق عليها فى الدورة الأولى لمؤتمر الشرق الأوسط اشترطت موافقة كل دول المنطقة بالإجماع لإقرار الموضوعات الإجرائية والموضوعية.
• • •
لطالما رفضت إسرائيل الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووى بذريعة أنها دولة صغيرة تواجه تهديدًا وجوديًا فى محيط من «الأعداء»، وتصر على عدم مناقشة هذا الملف قبل حل النزاعات الإقليمية. ويمكن الزعم بأنه منذ صدور قرار الشرق الأوسط أخذت فكرة التهديدات التى تذرعت بها إسرائيل فى التضاؤل تدريجيًا بعد سقوط الأنظمة فى العراق وسوريا وليبيا وإنهاء مشروعاتهم لأسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى تقويض القدرات العسكرية لجماعات «محور المقاومة» فى المنطقة. كما بدأت فى هذه الآونة محادثات بشأن الملف النووى الإيرانى يمكن أن تؤدى إلى تسوية تنهى فكرة التهديد الذى تعللت به إسرائيل للتهرب من محادثات إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية.
ومن هذا المنطلق، يجب على الدول العربية الإعداد لهذه المرحلة الجديدة، وبدء مناقشة مرحلة «ما بعد الاتفاق النووى الإيرانى» مع الولايات المتحدة وباقى الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن. ويمكن فى هذا السياق اقتراح مقاربة جديدة تتبنى نهجًا تدريجيًا يبدأ بالدعوة لمحادثات للأمن الإقليمى فى المنطقة كمرحلة انتقالية يتم فيها التوصل إلى تفاهمات أمنية/ إجراءات بناء ثقة، تمهيدًا للانتقال إلى مسار إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل لاحقًا.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن اقتراح اتخاذ الخطوات التالية فى الفترة المقبلة:
أولًا: الإعلان عن نية الدول العربية كسر التوافق فى مؤتمر المراجعة القادم بما يؤدى لعدم تبنى وثيقة نهائية للمؤتمر طالما استمر تجاهل مشاغل دول المنطقة ومقررات مؤتمرى ١٩٩٥، ٢٠٠٠، ليكون المؤتمر القادم هو المؤتمر الثالث على التوالى الذى يفشل فى إحراز أى تقدم ويهدد بانهيار آلية منع الانتشار ونزع السلاح النووى.
ثانيًا: ترتيب اجتماع بين الدول العربية وإيران لبحث جهود إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل فى مرحلة ما بعد تسوية الملف النووى الإيرانى، وفى ضوء مقاطعة إسرائيل والولايات المتحدة لدورات مؤتمر الشرق الأوسط.
ثالثًا: إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، وباقى الأعضاء الدائمين (بصورة فردية أو جماعية)، لنقل شواغل دول المنطقة بشأن تنفيذ قرار الشرق الأوسط واستكشاف وجهات النظر المختلفة حول المرحلة المقبلة.
رابعًا: تنتقل دول المنطقة من مرحلة محادثات الأمن الإقليمى إلى مسار إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل عندما يتم إحراز التقدم الذى تراه دول المنطقة ضروريا لحل معضلة الأمن.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved