ترامب.. كلمة السر
يحيى عبدالله
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 يوليه 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
أكدت الحرب الإسرائيلية، المتواصلة، على غزة، وحرب الاثنى عشر يوما على إيران (13- 24 يونيو 2025م) ما هو معلوم من السياسة بالضرورة، من أن إسرائيل محمية أمريكية. قدمت الإدارة الأمريكية الديمقراطية، السابقة، تحت إدارة الرئيس، جو بايدن، دعما غير محدود لها فى حربها على غزة؛ إذ زارها بايدن، نفسه، خلال الحرب، بعد السابع من أكتوبر، فى سابقة غير معهودة، وشارك فى أحد اجتماعات مجلس حربها، وأطلق جسرًا جويًا وبحريًا إليها أمدَّها بكل أنواع الأسلحة والذخيرة، حتى إن، أمنون أبراموفيتش، كبير المعلقين بالقناة الثانية عشرة الإسرائيلية، قال بالحرف الواحد: «لولا دعم إدارة بايدن لنا لكنا نحارب الآن بالعصى والحجارة»؛ وأرسل حاملات طائرات إلى المنطقة من أجل ردع إيران و«حزب الله» و«الحوثيين» عن مهاجمتها.
قدمت إدارة يايدن دعمًا ماديًا، أيضًا، لإسرائيل يقارب 27 مليار دولار، ووفرت لها دعمًا سياسيًا فى المحافل الدولية، استعملت خلاله حق النقض -«الفيتو»- ضد ثلاثة قرارات تقضى بوقف الحرب على غزة، وتصدت معها فى اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة، التى أطلقتها عليها إيران، ومناصروها. وحين أتت إدارة جمهورية، برئاسة دونالد ترامب، لم يتغير موقفها من دعم إسرائيل، ومن توفير الحماية لها، ومن التدخل، حتى، عسكريًا لصالحها، من خلال قصف المنشآت النووية الإيرانية الثلاث فى «نطنز»، و«أصفهان» وفوردو فجر يوم الأحد 22/6/2025م، رغم أن رئيسة الاستخبارات الأمريكية، تولسى جابارد، صرحت بأن إيران لا تطور سلاحًا نوويًا، ورغم أن ناشطين يمينيين، ممن ينتمون إلى حركة «الصحوة» الأمريكية - «الووكيين» Wokists - مارسوا، بحسب بن درور يمينى، «ضغوطًا جبارة على ترامب من أجل منعه من شن هجوم على إيران، وخوفوا الرأى العام فى الولايات المتحدة الأمريكية من النتائج المتوقعة للرد الإيرانى». من الأعضاء البارزين فى هذه الحركة، عضوة الكونجرس، مارجورى تايلور جرين، التى عارضت الضربة الأمريكية لإيران قبل وقوعها، وكتبت تقول: «لا أعرف أحدًا فى أمريكا قتلته إيران (...) يقرع مثيرو الحرب من المحافظين الجدد طبول الحرب ويتصرفون كما الأوغاد»، ورغم أن استطلاعًا للرأى أجرته مؤسسة Economist/YouGov، أظهر أن 60% من الأمريكيين يعارضون تدخل الجيش الأمريكى فى الحرب بين إسرائيل وإيران مقابل 16% فقط يؤيدون هذا التدخل، ورغم أن ترامب تبنى فى حملته الانتخابية عام 2016م شعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى» Make America Great Again الذى يعرف اختصارًا باسم MAGA، وهو شعار تبناه تيار عريض من الأمريكيين، يقدر بعشرات الملايين، يدعو إلى عدم تدخل أمريكا فى حروب خارجية، وإلى انكفائها على قضاياها، لكن الشعار تبدد حين تعلق الأمر بحماية إسرائيل، وهو ما قد يشير إلى أن قطاعًا من التيار يتبنى رؤية عقدية توراتية ترى أن إسرائيل حليف استراتيجى مختلف ينبغى المجازفة بالتدخل عسكريًا من أجله.
بعد قصفه للمنشآت النووية الإيرانية، قال الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى تغريدتين متباعدتين: «لقد أنقذتْ الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل (من ضربات صاروخية إيرانية موجعة، على الأرجح) وهى التى ستنقذ بيبى نتنياهو» (من المحاكمات فى قضايا فساد، حيث طالب ترامب الادعاء العام فى إسرائيل بإلغاء المحاكمة)، و«نحن ننفق مليارات الدولارات سنويًا من أجل حماية إسرائيل»، ما يعنى أن المحمية الأمريكية، المسمَّاة، إسرائيل عاجزة عن حماية نفسها. عبَّرت عيناف شيف عن الحجم الحقيقى لإسرائيل ولنتنياهو، بعد تدخل ترامب، عسكريًا ضد إيران، بقولها: «نحن دولة خاضعة لحماية (أمريكية) وذات احتياجات لا تنتهى، يقودها زعيم (بنيامين نتنياهو) لا يستطيع تدبر أمره من دون أن تأتى ماما أمريكا وتصفع المزعجين (الإيرانيين) الذين يعوقونه عن إدارة الكون بالشباشب (...) مثلما يرى ترامب أن إسرائيل ما كان يمكن لها أن تبقى على قيد الوجود بدون الولايات المتحدة الأمريكية (وهو أمرٌ صحيح)، فإنه يرى نفسه وكأنه جهاز الأكسجين الخاص بنتنياهو».
• • •
وضع ترامب خطة خداع إيران عبر إجرائه جولات من المفاوضات غير الجادة معها، وعبر قوله، قبل مباغتة إسرائيل لها، بيومين فقط، إنه لم يقرر ما إذا كان سينضم إلى المعركة وإنه سيقرر فى اللحظة الأخيرة، وعبر تمويه البيت الأبيض قبيل الهجوم الأمريكى، نفسه، بالقول إنه ما تزال هناك فرصة للمفاوضات، وإن الرئيس سيتخذ قرارًا بشأن مهاجمة إيران من عدمه فى غضون أسبوعين، لكنه هو من أوعز لنتنياهو بمهاجمة إيران فى الثالث عشر من يونيو، بحسب ناداف إيال، وأعطاه الضوء الأخضر، ثم سمح بعد ذلك لحكومته بمواصلة الهجوم، وهو من قرر أن تنضم الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحرب، وتقصف المنشآت النووية الإيرانية. يقول ترامب عن التنسيق بينه وبين نتنياهو: «أود أن أشكر وأن أهنئ رئيس الحكومة بيبى نتنياهو. لقد عملنا كفريق مثلما لم يعمل ربما أى فريق قط، وقطعنا شوطًا طويلًا من أجل محو هذا التهديد الرهيب الذى يتهدد إسرائيل».
ترامب، أيضًا، هو الذى حدد أن الحرب انتهت، ووفر مخرجًا مريحًا لإسرائيل منها، تستطيع الزعم معه أنها «انتصرت». لولاه، لظلت إسرائيل عالقة فى هذه الحرب، مثلما هى عالقة الآن فى مستنقع غزة، ولظلت دولة مشلولة، مطاراتها مغلقة، ومعزولة تمامًا عن العالم، ولظل مئات الآلاف من مواطنيها عالقون فى الخارج لا يستطيعون العودة، ولظلت تنام على صافرات الإنذار وتصحو عليها، ولظل اقتصادها ينزف، ولظلت مدنها فى الجنوب وفى الشمال وفى الوسط ومواقعها الاستراتيجية تتلقى الصواريخ الإيرانية الدقيقة.
وقد عبَّر، ناحوم برنياع، عن أهمية الخدمة التاريخية التى أسداها ترامب لإسرائيل بقصفه المنشآت النووية الإيرانية بقوله: «وضع القصف الأمريكى الشرق الأوسط برمته على مفترق طرق تاريخى. ألقى كازينو ترامب وابلًا من العملات النقدية بين أيادينا دفعة واحدة. الآن وقت أخذ الفلوس وقطع الاتصلال». ووجه الشكر إلى ترامب ودعاه إلى فرض وقف لإطلاق النار على إيران (قبل قرار وقفه بالفعل)، بعد أن أوجعت إسرائيل بضرباتها الصاروخية: «لن ننسى لك إلى الأبد ما فعلتَه من أجلنا. أنت أعظم الجميع. لدينا مطلبٌ صغير آخر لديك: من فضلك، افرض وقف إطلاق نار على إيران، ليس بعد أسبوعين، وليس بعد شهر، وإنما الآن. لماذا؟ لأننا وصلنا إلى النقطة التى يتناقص فيها تاريخ سريان مفعول الإنجازات ويرتفع الثمن المحتمل.لأن الجيش مشدود على آخره، لأن الدمج بين الوقت الضائع والضرر المتراكم لا يبشر بخير. بالأمس تفقدت أحد المواقع التى أصيبت فى تل أبيب. بيت مدمر وعشرات وربما مئات، تضررت. الناس مصعوقة ينظرون فى صمت إلى ممتلكاتهم التى فقدوها. الثمن لا يقاس بعدد القتلى فقط».
بل إن هناك من يرون أن نجاح هذه الجولة من الحرب بين إسرائيل وإيران مرهون بما سيقوم به ترامب، إذ يقول آفى يسساخاروف: «فى نهاية الأمر، مفتاح نجاح هذه الجولة من الحرب بين إسرائيل وإيران، فى يد إنسان واحد ــ دونالد ترامب. إذا توصل إلى اتفاق مع إيران يتيح لها الاستمرار فى تخصيب اليورانيوم على أرضها والاستمرار حتى فى مشروعها الخاص بالصواريخ، فإن الأمر يتعلق بإنجاز إيرانى مذهل. فى المقابل، إذا نجح الرئيس الأمريكى فى جعل إيران تتراجع عن مطلبها الخاص بتخصيب اليورانيوم على أرضها، فإن الأمر يتعلق بنجاح كبير».
• • •
لا يتبنى معظم المراقبين فى إسرائيل الرؤية القائلة بأن ترامب تدخل، عسكريًا، من أجل حماية إسرائيل وإنقاذها من حرب استنزاف طويلة، ليست فى صالحها، وإنما هناك من يقدم سردية مختلفة، تؤكد على أن تدخله كان جزءا من «النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بما فى ذلك الإضرار بإيران وإبعادها عن محور (الشر) الصينى الروسى»، كما يزعم، دكتور، إيتان لصرى، المستشار السابق لنتنياهو، وعلى أن تدخله كان جزءا من الموروث الأمريكى، القائل بأن أمريكا هى «حامية العالم الحر»، كما تقول إيلانا شوشان، ومن ثم فإن تدخله، بحسب هذا الزعم، لصالح إسرائيل، التى تدعى أنها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، وأنها تتبنى القيم الغربية، أمر «طبيعى». وثمة من يرى أن ترامب تدخل، عسكريًا، إلى جانب إسرائيل، ضد إيران، بعد حسابات رأت أن التدخل العسكرى لا يمثل خطرًا عليه ولا على الحزب الجمهورى من الناحية السياسية، لكونه لن يخوض، بحسب الدستور، انتخابات لفترة رئاسية أخرى.
من ناحية أخرى، يؤمن ترامب، كما تقول إيلانا شوشان، بـ «أمريكا قوية، ورأسمالية، وناجحة، وبأنها تستحق أن تكون عظيمة، وبضرورة إعادة المجد الذى فقدته خلال فترتى رئاسة أوباما وبايدن. إذ اتهم ترامب إدارة أوباما مرارًا وتكرارًا بالخنوع وبعدم الحزم، اللذين جعلا الولايات المتحدة الأمريكية تبدو نكتة فى نظر العالم».
ومن الأسباب الأخرى، التى تراها إيلانا شوشان لتدخل ترامب عسكريا ضد إيران رغبته فى «تهميش الحوار الذى بدأ الديمقراطيون فى إنتاجه ضد العمل العسكرى ضد إيران. لقد قصف ترامب فى إيران ليس من أجل نتنياهو أو لأنه يحب إسرائيل. هو فعل ذلك لأنه أراد أن يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». ما يعنينا، أن تدخل ترامب، عسكريًا، أيأً كانت دوافعه، أظهر أن للقوة الإسرائيلية حدودًا.