في العنصرية الدينية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 يوليه 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
لم توفر العنصرية أى ميدان من ميادين الحياة الإنسانية حتى ما كان من تلك الميادين فى عداد المناطق المنزوعة من قيم الشر والعداء أو على الأقل، المنظور إليها -من وجهة نظر مثالية أو أخلاقية أو تقوية- بوصفها كذلك. لقد بدت العنصرية وكأنها نزعة شاملة مندفعة، وغير آبهة لحدود أو قيود تردعها، شأنها شأن أى فعل غريزى أهوج لا ينضبط لأحكام العقل ولا يتحسب لأى عواقب. قد يكون «مفهومًا»، من غير أن يكون مشروعًا، أن تتمظهر النزعات العنصرية فى العلاقات الاجتماعية، مثلًا، أو فى علاقة الثقافات والمجتمعات بعضها ببعض، أو فى ميدان العلاقات السياسية الدولية.
ولكن الذى قد يكون مثار استغراب عند الكثيرين هو أن يمتد مفعول العنصرية من الاجتماع رمة إلى الاجتماع الدينى خاصة فيتسرب إلى العلاقة بين أتباع الأديان المختلفة، فلا يلبث معتنقو دين ما - أكان دينًا توحيديًا أو غير توحيدى - أن يعتقدوا بتفوق دينهم وقيمه على أديان غيرهم فينشروا هذا الاعتقاد فى مجتمعاتهم.
هذه حال المؤمنين بأديانهم جميعًا فى أرجاء الأرض: فى نظرة الواحد منهم إلى دينه، وفى نظرته إلى غيره من الأديان الأخرى، حيث الاعتقاد بالتفوق عام لدى الجميع لا يعرى منه أحد. لعله من الطبيعى، تمامًا، أن يعتز كل مؤمن بدينه الذى يدين به، وأن يرى فيه الدين الحق الذى ينبغى أن يسار على هديه وأن يلتزم بتعاليمه وأحكامه، بل من الطبيعى أن يدافع ضد خصومه أو منتقديه بحسبان المدافعة جزءًا من الإيمان الدينى ومن اليقين بأن الدين حق.
ليس فى هذا الاعتقاد ولا فى الدفاع عنه ما يوجب الإنكار أو النقد، إنه يشبه أى دفاع عن الهوية أو الأنا الجماعية والحضارية فى وجه من ينال منها، وهو، لذلك، دفاع مشروع، لكن الذى ليس من الطبيعى أو المشروع هو الانتقال من لحظة الإيمان بتفوق الدين -لدى من يعتنقونه- ومن المفاخرة به والاعتزاز إلى لحظة المس بحرمة دين آخر وإنزاله من عليائه فى وعى المؤمنين به، تحت عنوان أنه أدنى من دين آخر.
قد يكون مفهومًا - من غير أن يكون مشروعًا - أن يكون اللاهوتيون والفقهاء ومؤرخو الأديان أكثر المعنيين بالخوض فى هذا الجدل حول التفاضل بين الديانات، وأن ينصرف كل معتنق دين منهم إلى الانتصار لدينه ولجمهور دينه من المؤمنين به، والطعن على إيمان من لا يقاسمه الدين من أتباع الأديان الأخرى.
بل لقد يكون مألوفًا أن ينشغل اللاهوتيون أولاء بـ«الفحص» عن مصدرية هذا الدين أو ذاك - أهى إلهية أو بشرية - أو عما أخذه دين من دين أو ما أطرحه منه، فتلك فى جملة هموم اللاهوتيين وسدنة الإيمان فى كل مكان وزمان لم يكادوا أن يبارحوها حتى يوم الناس هذا، لكن الذى ليس مفهومًا ولا مستساغًا هو أن تتسرب هذه العاهات اللاهوتية إلى فلسفة الدين ويتردد صدى أفكار التفاضل والتفويق فى كتب فلاسفة يفترض فيهم أنهم معصومون، بقوة العقل، من الانجرار وراء الأهواء والأفكار الشائعة!
والأنكى حين يسقط فى لوك مزاعم «التفوق» الدينى لدين بعينه فلاسفة مراجع فى الفكر الإنسانى اعتقدنا، طويلًا، أنهم متعالون عن مثل هذه التحزبات الأهوائية. هذا ما ينطبق على فلاسفة كثر: محدثون ومعاصرون: منذ إيمانويل كنت وهيجل إلى إيمانويل ليڤيناس مرورًا بماكس وڤيبر وآخرين!
عبدالإله بلقزيز
جريدة الخليج الإماراتية
النص الأصلي