أمر الساعة.. إغلاق دائرة الحرب في قطاع غزة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 يوليه 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
أتمّت إسرائيل معظم الإنجازات العسكرية الممكنة فى قطاع غزة، ومن الآن فصاعدًا، لن يكون استمرار القتال سوى «تخبّط» وغرق فى المستنقع الغزاوى، وسيكون مقرونًا بتكاليف باهظة، من حيث الخسائر البشرية، من دون فائدة أمنية حقيقية، بل قد يقود إلى احتلال كامل للقطاع. لقد تم تفكيك «حماس»، فى ساحة المعركة، والتى فقدت معظم قوتها، وتمت تصفية كل قياداتها تقريبًا، بينما باتت بنيتها التحتية العسكرية والمدنية مدمرة. أمّا فيما يتعلق بملف الأسرى، والذى يُعتبر جرحًا مفتوحًا فى قلب الشعب فى إسرائيل، فلم يتغيّر شىء منذ شهرين تقريبًا على انطلاق عملية «مركبات جدعون». بناءً عليه، من الأفضل لإسرائيل أن تستثمر إنجازات القتال، سواء فى القطاع، أو فى مواجهة إيران بصورة خاصة، كرافعة لتحرك سياسى يفضى إلى تحرير الأسرى قريبًا وإنهاء الحرب.
على إسرائيل أن تستثمر التغيّر الجذرى الذى طرأ على المشهد الاستراتيجى الإقليمى عقب جولة القتال مع إيران: فقدت «حماس» راعيها، وأصبحت إيران ومحور المقاومة أضعف كثيرًا، كذلك خسرت «حماس» مكانتها كعضو رفيع فى حركة مقاومة إقليمية، وأصبحت منظمة محاصرة، تعتمد على رحمة الآخرين، وجفّت طرق تحويل الأموال وتهريب الأسلحة إلى المنظمة فى قطاع غزة، كما سئم الرأى العام الغزاوى من استمرار الحرب، ومن خطوات «حماس»، ولم يعد يخشى، مثلما كان فى السابق، من أجهزة أمنها الداخلى ووحدات «السهم» التابعة للتنظيم. فى الواقع، تقف «حماس» عند مفترق طرق بين الاستمرار فى «المقاومة» والكفاح المسلح، والذى يعنى مخاطرة وجودية فورية لبقائها، وبين التخلى عن الحكم وتسليم السلاح بالتدريج، الأمر الذى سيسمح لها بالاستمرار كحركة سياسية، ويسهم فى إعادة إعمار القطاع.
بالنسبة إلى إسرائيل، إن وقف القتال حاليًا والسير نحو تسوية ليس "خضوعًا لشروط حماس"، حسبما يصوّر معارضو إنهاء الحرب داخل إسرائيل، بل هو خيار منطقى نحو بديل أفضل. لقد اضطرت "حماس" إلى التنازل عن سلطتها، وتضررت كثيرًا قدرتها على إعادة بناء قوتها، بينما تمتلك إسرائيل الأدوات اللازمة لمنع تسلُّحها وتصاعُد قوتها مجددًا، سواء عبر سدّ قنوات تهريب السلاح وتحويل الأموال، أو من خلال أدوات الإنفاذ وحرية العمل العسكرى التى ستُستخدم لإحباط أى تهديد، أو أيّ محاولة لإعادة بناء البنية التحتية للمقاومة فى القطاع.
إن وقف الحرب فى هذه المرحلة قد يثمر إنجازات إضافية كبيرة لإسرائيل، لا يمكن للمسار العسكرى وحده أن يحققها:
فرصة لإنقاذ الأسرى الأحياء: صرّحت حركة حماس بشكل علنى، مرارًا وتكرارًا، منذ بداية الحرب، بأنها مستعدة للإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، إذا ما أوقفت إسرائيل القتال وانسحبت من أراضى قطاع غزة. ومن جهة إسرائيل، لا يوجد ما تخسره إذا وضعت هذه التصريحات على المحك، فإذا استجابت إسرائيل بشكل إيجابى لهذا العرض، وأقدمت «حماس» فعلًا على تحرير جميع الأسرى، الأحياء والأموات، فإن إسرائيل ستكون قد حققت المكسب الأثمن، وستسحب من «حماس» ورقة المساومة الأساسية التى لا تزال بحوزتها، أمّا إذا تبيّن أن «حماس» تخدع، أو أنها غير قادرة على تسليم جميع الأسرى، ففى إمكان إسرائيل استئناف القتال من موقع محقّ، يحظى بشرعية واسعة.
انعكاسات إقليمية إيجابية: العالم العربى بانتظار أن توقف إسرائيل إطلاق النار فى غزة، من أجل الانخراط فى إعادة إعمار القطاع. فالمملكة العربية السعودية تلمّح بشكل صريح إلى أن التقارب بينها وبين إسرائيل ممكن فقط بعد انتهاء الحرب المدمرة فى غزة، ورسم مسار لحلّ الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى.
استمرار التخبط سيؤدى إلى فوضى تجبر إسرائيل على احتلال القطاع: إذا وصلت إسرائيل إلى احتلال كامل لقطاع غزة (حتى لو لم يُعلن هذا الوضع رسميًا)، فلن تبادر أى دولة عربية إلى تقديم المساعدة لإسرائيل، أو لسكان غزة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجتمع الدولي. ستتحمل إسرائيل المسئولية الكاملة عن المشكلة الغزاوية بجميع أبعادها، بما فى ذلك إعادة الإعمار وتلبية حاجات نحو مليونَى نسمة، بتكلفة تُقدَّر بعشرات المليارات سنويًا. فى هذا السياق، من المتوقع أن تشتد حدة الانتقادات الدولية الموجهة إلى إسرائيل.
الوضع الداخلى فى إسرائيل: إن الحرب الطويلة والمكلفة بشريًا تعمّق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلى، وتُلحق الضرر بالاقتصاد، وتشتّت الانتباه عن الحاجة إلى ترميم منظومات الحكم الرسمية وغير الرسمية. قد يساهم وقف الحرب والإفراج عن الأسرى فى استقرار الوضع الداخلى، ويتيحان للاقتصاد التعافى، ويعيدان الجيش الإسرائيلى إلى الجاهزية المطلوبة فى ساحات أخرى، والتركيز على التهديدات الاستراتيجية (بما فى ذلك الحفاظ على الردع أمام حزب الله، ومنع تجديد المشروع النووى الإيرانى، وتحجيم النفوذ التركى فى سوريا، والتصدى لـ«الإرهاب» فى الضفة الغربية). وما دامت إسرائيل غارقة فى قطاع غزة، فإن موارد ثمينة تحوَّل بالضرورة إلى هناك، على حساب الجاهزية لمواجهة التحديات المقبلة.
آليات إنهاء الحرب والتسوية
فى أعقاب التحول الجذرى فى ميزان القوى فى المنطقة، واستعادة الردع الإسرائيلى، ووجود الحافز العلنى لدى رئيس الولايات المتحدة لإنهاء الحرب، وإضعاف «المخربين» والجهات الخارجة عن السيطرة، والمدعومة من إيران، وفى ظل ضُعف «حماس» وعزلتها، واعتمادها على رحمة الوسطاء، واستعداد الدول العربية للمساهمة فى استقرار القطاع، وتشكيل إدارة تكنوقراط تنتزع زمام الحكم من الحركة، فُتحت نافذة فرصة لإنهاء دائرة الحرب فى قطاع غزة.
الخطوات المقترحة لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية:
- التزام إسرائيلى إزاء إنهاء الحرب بضمانة أمريكية، فى مقابل الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء دفعة واحدة.
- تشكيل إدارة تكنوقراط تحكم القطاع، بدلًا من "حماس"، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبدعم ورعاية من الدول العربية المعتدلة.
- لن يتم انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع إلّا بعد إبعاد "حماس" عن الحكم، وإنشاء حاجز مادى فعّال لمنع التهريب إلى قطاع غزة.
مع انسحاب قوات الجيش الإسرائيلى من القطاع، سيتم نشر جهاز شرطة فلسطينية مرتبط بالسلطة الفلسطينية، إلى جانب قوة مهمات عربية مشتركة، للمساعدة فى استقرار المنطقة، وفرض النظام العام، وتأمين وتوزيع المساعدات الإنسانية للسكان.
سيكون تفعيل خطة الإعمار المصرية للقطاع مشروطًا بإنشاء آلية فعّالة لنزع السلاح، وتشكيل قوة مهمات عربية مشتركة للإشراف على نزع السلاح وتنفيذ العملية.
إن نجاح عمليات إنهاء الحرب والتسوية مشروط بتحقُّق عدد من الشروط المتراكمة: نشاط فاعل من الجانبين الأمريكى والمصرى، والحفاظ على حرية العمل العسكرى وحق إسرائيل فى تنفيذ إجراءات إنفاذ لمنع التهديدات وتجديد البنى التحتية لـ«الإرهاب»، كذلك يجب أن تخضع جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار لإشرافٍ يمنع تسرُّب المواد المخصصة لإعمار البنية التحتية المدنية فى القطاع إلى يد «حماس».
اتجاهات مستقبلية بعد إنهاء الحرب
الحق فى العودة إلى القتال: سيتم الاعتراف بحق إسرائيل فى تنفيذ عمليات عسكرية، إذا ما أخلّت «حماس» بالتسوية وعادت إلى بناء قوتها العسكرية. بعد تحرير الأسرى، سيكون الجيش الإسرائيلى حرًا فى العمل بكثافة عالية فى جميع أنحاء القطاع، من دون القيود المفروضة حاليًا، خوفًا من المسّ بالأسرى.
البعد الإنساني: «إن إنهاء الحرب سيخفف الأزمة الإنسانية فى القطاع بشكل كبير. سيتم السماح بتدفُّق المساعدات وتوزيعها على السكان، وتجنُّب فقدان أرواح إضافية (إذ قُتل فى الحرب نحو 55.000 فلسطينى، أكثر من نصفهم ليسوا من عناصر «حماس»)».
الشرعية: إن إسرائيل التى حظيت بشرعية كاملة فى حربها ضد إيران، ولم تحظَ بأى شرعية تقريبًا فى حربها فى غزة، ستُعتبر جهة تصرفت بمسئولية واستجابت للدعوات الدولية إلى إنهاء الحرب؛ هذا الأمر يمكن اعتباره خطوة قد تخفف من حدة الانتقادات ضدها، وتعيد قدرًا من التعاطف والثقة بها.
أودى ديكل
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية