معضلة
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 1 أغسطس 2012 - 9:30 ص
بتوقيت القاهرة
نغضب حين يتجاوز بعض الإعلاميين الحدود المهنية المعقولة فيشنون حملات معيبة على الشخصيات السياسية. أقصد تحديدا الحملات الموجهة ضد شخص الرئيس مرسى وعائلته، ولا أقصد بالتأكيد الانتقادات لسياسة أو أخرى من سياساته أو لقرار أو آخر من قراراته.
نغضب وسنغضب. ولكن حدة الغضب ستنحسر عندما نقرأ كيف تتعامل صحف فرنسا مع الرئيس الفرنسى الجديد وعائلته، إن صح إطلاق كلمة العائلة على «عائلته». انتهزت مؤخرا فرصة انشغال السياسيين والإعلاميين المصريين بإخفاقات الحكم وتردى السياسة وكثافة نذر الحجر على المجتمع فى مصر، لأتفرغ لمتابعة الأخبار الخفيفة فى أوروبا، وليس بينها بطبيعة الحال أخبار الأزمة المالية والاجتماعية التى تكاد، حسب تعبير صديق إسبانى، تزهق روح أوروبا.
•••
كان أول ما لفت نظرى صورة نشرتها صحيفة بريطانية، ونقلتها عنها صحف فرنسية وأوروبية عديدة، يظهر فيها الرئيس الفرنسى يستعرض حرس الشرف فى بداية أول زيارة رسمية له للعاصمة البريطانية. الصورة، مثل غيرها من الصور فى هذه المناسبات، كانت بالألوان. وكان اللون الأحمر، وهو لون الزى العسكرى الذى يرتديه جنود وضباط حرس الشرف، زاعقا ولافتا للانتباه.
يظهر فى الصورة الرئيس أولاند بقامته القصيرة نسبيا يمشى بين صفين من جنود حرس الشرف، وكلهم بدون استثناء أطول منه، وإلى جانبه يمشى الماجور جيمس كولبى قائد الحرس، وهو رجل فاره الطول عريض المنكبين كعملاق. ولم يكن خافيا على عيون المتخصصين من الصحفيين والمصورين والسياسيين المحنكين فى هذه الأمور أن اختيار الماجور كولبى ليمشى إلى جانب الرئيس الفرنسى أمر متعمد بحيث يظهر رئيس جمهورية فرنسا أقصر من حقيقته فى عيون الرأى العام البريطانى.
لم يفوت الإعلام البريطانى الفرصة ليغوص بالوصف والتعليق فى تفاصيل الصورة. أعاد إلى ذاكرة البريطانيين أن الفرقة التى اختيرت لتؤدى واجب حرس الشرف هى الفرقة التى فرضت الهزيمة على قوات نابليون بونابرت فى معركة ووترلو الشهيرة فى عام 1815، أى قبل حوالى مائتى عام، واسمها فرقة جولد ستريم Goldstream. اتضح أيضا من التحقيقات الصحفية التى تناولت الموضوع أن نيكولاس ساركوزى الرئيس السابق لفرنسا كان واعيا لاحتمالات أن يستغل الساسة البريطانيون قصر قامته فيشرفونه باستقبال من هذا النوع.
•••
وقفت أمام هذه المناورة «الخبيثة» التى تكشف عن سوء النية فى العمل السياسى، لكن تكشف أيضا عن حقيقة أن العداوات بين الدول قد تهدأ ولكنها لا تموت مهما طال الزمن وتغيرت القيادات والظروف. وقفت لسبب آخر. إذ كانت الصحف الفرنسية، إلى جانب انشغالها بموضوع قصر قامة رؤسائها، منغمسة فى قضية العلاقات العاطفية لهؤلاء الرؤساء وتأثيرها على كفاءة الحكم وأمن الوطن.
كان طبيعيا أن تهتم الصحف بهذه القضية، وبخاصة بعد أن صار الصدام بين عشيقتى الرئيس أولاند يهدد مكانة وتماسك الحزب الاشتراكى الذى ينتمى إليه الرئيس والعشيقتان. فقد خرج منذ أيام الإبن الأكبر لأولاند، الذى هو ابن السيدة سيجولين رويال العشيقة الأولى، «أم العيال» كما يطلقون على الزوجة الأولى فى بلادنا، خرج إلى الصحف والفضائيات يتهم العشيقة الثانية، بأنها تتعمد الإساءة إلى سمعة والدته وإلى العلاقة بينها وبين أبيه. يقول أيضا إن العشيقة الثانية نجحت بمقالاتها وعلاقاتها الإعلامية فى إحباط مساعى السيدة رويال للترشح للبرلمان، الأمر الذى أفقدها الفرصة لتقود المجموعة الاشتراكية فى الجمعية الوطنية، وبالتالى حرمت من أن ترشح نفسها رئيسة للجمهورية فى الانتخابات المقبلة.
•••
التفاصيل كثيرة ومسلية، وقد لا تؤثر فى شعبية الرئيس الفرنسى. والدلائل كثيرة، نذكر كيف ذاعت فى الصحافة العالمية وبخاصة الأمريكية فضيحة السيد ستراوس ــ كون الرئيس السابق لصندوق النقد الدولى، ونذكر كيف أنها لم تؤثر فى احتمالات ترشيحه عن الحزب الاشتراكى الفرنسى رئيسا للجمهورية إلا حينما أذيع أنه ضالع فى فضيحة أخرى لا يمكن السكوت عنها، وهى صلته الوثيقة بعمليات ترويج دعارة.
دليل آخر نجده فى سلوك الرئيس ساركوزى الذى حرص على أن يجعل علاقته بعارضة الأزياء كارلا برونى موضوع نقاش دائم فى المجتمع الفرنسى، وقيل فى بدايتها إن قصته معها فى أعالى مصر على ضفاف النيل كانت وراء صعود شعبيته.
•••
الصحيح أيضا أن سجل التاريخ يبقى مفتوحا بعد انتهاء مدة الرئاسة وبعد انقضاء الحياة. سيسجل التاريخ قضية أولاند وعشيقتيه كما سجل قضية «العائلة السرية» التى احتفظ بها الرئيس متيران سرا ولم تظهر تفاصيلها إلا بعد وفاته، وكما سجل حادث وفاة الرئيس «فيليكس فور» وهو فى أحضان عشيقته فى قصر الإليزيه فى عام 1899، وكما سجل غزوات الرئيس جاك شيراك وما لحق باسمه من نكات بعضها لاذع السخرية.
•••
من ناحيتى لا أهتم بما يفعله السياسى فى حياته الخاصة ولكنى فى حالة الرئيس أولاند أتوهم وجود معضلة. أمامى رئيس دولة أوروبية كبرى لديه صعوبة بالغة فى تسوية نزاع ناشب بين عشيقتيه، ومع ذلك يعرض علينا استعداده للتدخل لتسوية نزاعاتنا. كيف أطمئن إلى أن هذا الرئيس مؤهل لتسوية نزاع بين الشعب السورى ورئيسه أو بين لبنان وسوريا، أو بين سمارا اليونانى وميركيل الألمانية، أو بين هنية وعباس، بينما يتأكد لنا كل يوم عجزه عن تسوية خلاف بين سيجولين وفاليرى.