صندوق الحكومة
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 1 أغسطس 2016 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
«لا تراجع عن زيادة أسعار فواتير استهلاك الكهرباء»، هكذا بشرنا المهندس محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة بالزيادة المتوقعة، مشددا على أن إعادة هيكل الاسعار «ضرورة لا غنى عنها» ورغم تأكيد الوزير على أن تلك «الزيادة لن تمس محدودى الدخل»، إلا أن كلام سيادته، وهو الوزير الأنشط فى الحكومة على كل حال، لن يجعلنا نمحو الشعور بالقلق، خاصة أننا محاصرون بسلسلة من ارتفاعات الأسعار التى يمكن اختزالها فى معركة «الجنيه والدولار»، التى تشتعل نيرانها حينا وتبرد فى أحيان، لكنها لا تضع أوزارها أبدا.
الحكومة تتحدث عن صعوبة الموقف، وتتعلل بكم التحديات المفروضة عليها، فى ظل شح الموارد التقليدية كالسياحة التى تعرضت لضربة عنيفة بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر الماضى، فيما دخل قناة السويس لم يزد كما كنا نعول وقت حفر القناة الجديدة، أما تحويلات المصريين العاملين بالخارج، خاصة المقيمين فى دول الخليج، فالمؤكد أنها تأثرت، بفعل عدد من المتغيرات، وهى تحديات حقيقية لا يمكن إنكارها، وتحتاج إلى إبداع فى التعامل معها والتفكير خارج «الصندوق».
ضيق ذات اليد، دفع الحكومة للجوء إلى الصندوق التقليدى أو «الاقتراض»، وها هى تدخل فى مفاوضات شاقة مع بعثة «صندوق النقد الدولى»، المتواجدة فى القاهرة حاليا، من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 مليون دولار، من أصل 21 مليار دولار تستهدف الحكومة الحصول عليها فى الفترة المقبلة كقروض من عدة جهات، من أجل تخطى العقبات الاقتصادية التى تحاصرها.
طبعا روشتة صندوق النقد الدولى معروفة، وعادة يتجرع سمها الزعاف الفقراء، حتى ولو حلفت الحكومة بكامل وزرائها على العكس، وشددت على أن محدودى الدخل لن تأتيهم سهام رفع الدعم عن السلع الضرورية، والخدمات الحيوية، بأية أضرار، فقد جُرِبت فى فترات سابقة فى أكثر من مكان الروشتة ذاتها، التى ترافق عادة برامج «الإصلاح» الاقتصادى، التى تقوم على فكرة تخلى الدولة عن الدعم تدريجيا، وإطلاق يد السوق لقوى العرض والطلب، والتخلص من شركات القطاع العام، وهى أمور لها محاذيرها ومخاوفها التى يجب وضعها فى الحسبان.
نعلم جميعا مدى التحديات الاقتصادية التى نواجهها فى السنوات الخمس الاخيرة، وهى نتاج تراكم سنوات أبعد، غير أن حسن تدبير الأمور يمكن أن يقلل من حجم وكم الضغوط، التى تترجم فى النهاية على شكل ارتفاع متتالٍ فى الأسعار يطول كل البيوت، وإن كان البسطاء الأكثر تضررا، وهو ما يحتاج من الحكومة أن تشملهم بمظلة حماية حقيقية تمنع عنهم «انحناء الظهر»، وغائلة الأيام.
سيرد البعض أن وزارة التضامن تستعد لبدء المرحلة الثانية من برنامج «تكافل وكرامة» الذى يستهدف الأسر الأكثر فقرا، وأن وزارة التموين لا تكف عن طرح السلع منخفضة الأسعار فى المجمعات التابعة لها، فضلا عن منظومة الخبز، وأن وزارة النقل لم تقترب حتى الآن من المساس بأسعار مترو الانفاق رغم الخسائر التى يتعرض لها هذا المرفق الحيوى يوميا، وكل ذلك معلوم، لكن هذا كله لن يدفع البلاء الذى نخشى أن يمسنا.
سيقول البعض أيضا: وماذا بيد الحكومة؟، ونحن نقول إن بيدها الكثير، أولا تفعيل المعركة مع الفساد بشكل جدى وشفاف، لتحصيل حق الدولة ممن نهبوا وسرقوا الأراضى، وسجن من استولوا على الأموال المحرمة، وليس من أشار إليهم.
ثانيا أن يتحمل فاتورة الإصلاح الجميع، كل حسب طاقته،، فلا يتساوى نصيب محدودى الدخل وأبناء الطبقة الوسطى من الفاتورة مع الأثرياء، وثالثا، وهو الأهم، أن تنحاز الحكومة، فعلا لا قولا، فيما تتخذه من قرارات إلى الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، وبما يعيد الأمل للناس ويمتص «كل المخاوف» مما يخفيه صندوق الحكومة من مفاجآت.