الشيخوخةُ مرضٌ يُعالَج
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 1 أغسطس 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب حسن الشريف، يقول فيه إن هناك أسبابا للشيخوخة، والتعرف على هذه الأسباب سيؤدى إلى تأجيل الشيخوخة وإطالة أمد العمر... نعرض من المقال ما يلى.
هنالك توجُهات متعددة فى تفسير آليات الشيخوخة أو الهَرَم مع تقدُم العمر من الناحية البيولوجية، وربما هنالك أكثر من تفسير لذلك. والتعرُف إلى هذه الآليات قد يُساعد فى مُعالَجة الشيخوخة وتأخيرها، وبالتالى إطالة العمر، وتمديد فترة الحيوية فى الجسم الحى. والأهم فى هذه التوجُهات كلها هو التعرُف إلى ما إذا كان هنالك عامل واحد (جينى أو بيولوجى) يتسبَب فى هذه العملية أو ــ وهذا هو الأرجح ــ أن هنالك عوامل ومسببات كثيرة ومتنوعة. وتشير معظم أبحاث الشيخوخة، حتى تاريخه، إلى وجود عددٍ محدودٍ من هذه العوامل والمسببات الأساسية، ما يجعل احتمال التعرُف عليها ومُعالجتها مُمكنا من الناحية العلمية.
يبدو أن معظم الجينات التى تُسبِب الشيخوخة تؤثِر بشكلٍ مباشر على مسارات الكيمياء الحيوية فى الجسم الحى، مثل استهلاك الطاقة ومقاومة الإجهاد وتنظيم ما يُسمى بمَسار الإنسولين/ نروأندكرين.
ومن الظواهر البارزة فى أبحاث آليات الشيخوخة، تراكُم بروتينات مُتضعْضِعة، تلك التى لم يَعُد لها حاجة فى العمليات البيولوجية الطبيعية، وعادة ما يجرى تحطيمها بأنزيماتٍ تسمى بروتياز؛ لكن تفاعُلاتٍ بيولوجية مُتداخِلة قد تحد من عمل هذه الإنزيمات وقدراتها مع تقدُم العمر، ما يجعل هذه البروتينات المُضرة تتراكم وتتسبب بمزيدٍ من مظاهر الشيخوخة. من ذلك تراكُم البروتينات على جدران الأوعية الدموية والكبد وبعض المفاصل، ما يتسبَب فى ضعف أدائها.
تكون عملية الشيخوخة على مستوى الخلية أو على مستوى الكائن الحى بكامله، وتؤدى إلى ترهُلٍ فى مختلف أعضاء الجسم وفى الجسم كله، كما تؤدى فى النهاية إلى الموت.
ويرى الكثيرون من علميى الأحياء أن الشيخوخة قَدَرٌ حتمى لكل الكائنات الحية. لكن البشرية منذ القِدم تسعى باستمرار إلى مُواجَهة «هذا القَدَر» والتغلُب عليه؛ وقد تبيَن، منذ أواسط القرن العشرين، أن من المُمكن «تأخير» الشيخوخة بمُعالجاتٍ مُختلفة، وأن هنالك كائناتٍ حية قد تعمِر آلاف السنين، وربما مئات آلاف السنين. والآن ظَهرت نظرية تقول إن الشيخوخة مرض، وكغيرها من الأمراض هنالك مجالٌ لمُعالَجة المرض، وبالتالى تأخير الشيخوخة وربما الشفاء منها!
نظريات الشيخوخة
هنالك أكثر من مائة نظرية تُفسِر الشيخوخة وطبيعتها وأسبابها. ولكن ليس هنالك نظرية واحدة جامِعة فى هذا الإطار. وكل هذه النظريات تُشير إلى أنه ليس من مُسبِبٍ واحدٍ جينى أو بيولوجى للشيخوخة، إلا أن معظمها تشير إلى التراكُم الكمى للخَلل فى الوظائف البيولوجية على مستوى الخلية وعلى مستوى الجسم الحى ككل. لكن النظرية الأكثر انتشارا كانت نظرية الجذور المُتفلِتة أو الحرة Free Radical التى تتسبَب بانتشار شحنات كهربائية حرة ــ من إلكترونات وأيونات ــ تؤدى فى حركتها المستمرة إلى أضرارٍ فى لولَبَيْ الجينات DNA، كما تؤدى إلى تأكْسُد إنزيمات المتكوندريا. وقد انتشرت هذه النظرية بشكلٍ واسع فى أواخر القرن العشرين ونَشط باحثون كثيرون فى تطوير مضادات للأكسدة من دون الوصول إلى نتائج حاسمة، ثم أُهملت هذه النظرية فى أواخر القرن الماضى.
نظرية المعلومات للشيخوخة
تفترض نظرية المعلومات Information Theory للشيخوخة، لديفيد سنكلير ــ وهى الأحدث ــ أن انخفاض فعالية جسم الإنسان (وأى كائنٍ حي) هو نتيجة انخفاض فعالية آلية إصلاح خلل الخلايا الذى يتسبَب به تراكُم أعطال الجينات على مستوى الخلية. وتقترح نموذجا من 4 مستويات حول العلة والتأثير للتفاعُل بين العمليات الفاعلة خلال فترة تقدُم العُمر للمُتعضيات Organisms عالية الانتظام ومتعددة الخلايا. وأهم العوامل التى تؤثِر على طول العمر المتوقَع فى هذه النظرية ترتبط بالأضرار الجينية التى تكون موجودة عند الولادة، ثم وتيرة تراكُمها مع تقدُم العمر، يلى ذلك ضغوط البيئة الخارجية التى قد تزيد من هذه الأضرار.
تنطلق نظرية المعلومات للشيخوخة من أن الخلايا الجذعية تتمايز بعد الولادة إلى خلايا متخصصة خلال نمو الكائن الحى. وتنظم خلايا الجسم ــ الجذعية والمُتمايزة ــ ما يسمى المعلومات فوق الجينية Epigenomic التى تُغلِف الجينات. ويؤثِر هذا التغليف فى كيفية تعبير هذه الجينات عن وظائف مختلف الخلايا. وتنتج الشيخوخة من الأضرار المُتراكمة فى المعلومات المتوافرة فى الخلايا المُتمايزة فوق الجينية لمُختلف أعضاء الكائن الحى.
وقد أعطتْ طبيعةُ الكائنات الحية الخلايا قدراتٍ مستمرة لإصلاح الأضرار، لكنْ قد تحدث أخطاء تتراكَم فى دورة إصلاح الخلايا، ما يُترجَم فى الخلايا المتخصِصة التى تُصبح غير قادرة على تنفيذ وظائفها الأصلية، كما لو أن هذه الخلايا قد «نسيت» وظيفتها السليمة؛ وفى «نظرية المعلومات» هذا يعنى «خسارة معلومات أساسية». ولإبطاء الشيخوخة البيولوجية يقترح سنكلير تطوير تمارين مناسبة لآليات الإصلاح، بعد دراسة معمَقة لهذه الآليات. وفى نظرياته يقول إن الخلايا تعمل من خلال صيغتَيْن: فى الصيغة الأولى، وفى بيئة غنية بالمَوارد، تسعى الخلية إلى تنمية ذاتها وإلى التوالُد. وفى الصيغة البديلة، فى بيئة تندر فيها الموارد، تُخفِف الخلية من نموها وتنشط عمليات الحفاظ على الذات والإصلاح. وهاتان الصيغتان، على ما يبدو، قديمتان قدم الحياة نفسها، وبالتى فإن آليات السيطرة فيهما متشابهة ومنتشرة فى كل الخلايا الحية. ويرى سنكلير أن تأخير الشيخوخة مرتبط بتنشيط آليات الإصلاح، أو ما يسميه هورمسز Hormesis، أى الظاهرة البيولوجية التى تفضى بالتعرُض الخفيف للتوكسين Toxin إلى نتائج مفيدة، كما فى اللقاحات.
وهنالك آليات تُسهِم فى الحفاظ على ذاكرة الخلية لإصلاح ذاتها مثل التمارين الرياضية والفكرية وتخفيف الطعام والتعرُض لحالاتٍ قصوى من البرد والحرارة، ما يُحفِز جهاز ذاكرة الإصلاح فى خلايا الجسم. وينصح سنكلير أيضا بتناوُل بعض الجزيئات التى تُنشِط آليات لمد حياة الخلايا مثل: رسفراتول Resveratol فى الصباح ومتفورمين Metformin فى المساء. وهنالك جزيئات فى النباتات والطحالب التى تكون لديها تأثيرات إيجابية فى هذا الإطار، بخاصة تلك التى تعيش فى بيئاتٍ مُعادية. والفكرة فى هذه الآلية هى فى جعْلِ نظام المناعة يتعرَف على «المواد المؤذية» بشكلٍ ضعيف، ويتعلَم كيف يُهملها ولا يحاربها. ومن باب السخرية يُمكن القول إن إطالة العمر تتطلَب أن نجعلَ أجسامنا تعتقد أنها تعيش فى بيئاتٍ مُعادية صعبة، ما يتطلب أن نفتعل أو نحاكى مثل تلك البيئات.
وفى نظرية سنكلير، أن جزيئات الأبيجنوم Epigenome عندما تصلح ذاتها ترتكب، عن غير عمد، بعض الأخطاء، وهذه الأخطاء تظهر فى تعبيرات الجينات فى عملها. واكتشف وجود جزيئات ناظِمة قد تدفع بالأبيجنوم فى أيٍ من الاتجاهَيْن (السيئ والجيد) للشيخوخة: وهذا هو الأساس فى نظرية سنكلير.
وتقول هذه النظرية إن هنالك نوعَيْن من المعلومات المخزَنة فى الخلايا الحية، وهذان النوعان مُرمَزان بشكلٍ مختلف تماما، النوع الأول رقمى والنوع الثانى نظيرى. والمعلومات الرقمية مخزَنة على قاعدةٍ رباعية وليس ثنائية وهذه المعلومات المُرمَزة رقميا مُخزَنة فى جينات، وتبقى قوية ومحفوظة بشكلٍ دقيق على امتداد الزمن وفى بيئات مُعادية. لكن هذه المعلومات قد تُفقد عن انتقالها بين الخلايا بالتوالُد.
دائرة الحفاظ على الحياة
على امتداد العمر، يكون الهَيكل الجينى مُعرَضا بشكلٍ دائم لأضرارٍ متعددة، بخاصة عند انقسام الخلايا وانتقال المعلومات الجينية إلى الخلايا الجديدة. وهذا يُعرِض هذا الهيكل لتكسُرٍ متنوِع للكروموزومات التى تُشكِله، ما يزيد عن ترليونات الكسور فى اليوم الواحد، بحسب تقدير العلميين فى هذا المجال. ويزداد هذا العدد فى البيئات المُعادية بتأثير التفاعُلات الكيميائية والإشعاعات المتنوعة، الطبيعية أو الاصطناعية، التى يتعرَض لها الجسم الحى وخلاياه. لهذا طوَرت الكائنات الحية، مبكرا فى تاريخ نشوء الحياة، قدراتٍ ذاتية لرصْد الأضرار التى تُصيب الهيكل الجينى، وعند ذلك تقوم الخلية بإبطاء نموها وصرْف كل الطاقة المُتوافرة فيها لإصلاح الخلل الجينى، قبل أن تعود إلى النشاط البيولوجى العادى. وهذا ما سُمى دائرة الحفاظ على الحياة. ويبدو أن هذه القُدرات تتمثَل فى أنزيماتٍ متعددة تم الكشف عنها فى العقود الأخيرة، وغيابها يُضعِف فاعلية دائرة الحفاظ على الحياة ويُسرِع عملية الشيخوخة والهَرَم.
وتقول نظرية سنكلير إن كل الكائنات الحية تمتلك قدرات دائرة الحفاظ على الحياة. من ذلك امتلاكها لأنزيماتٍ محدَدة، مثل الجين الوراثى B، الذى يمتلك وظيفة السيطرة على توالُد الخلايا ومنْع هذا التوالُد عند رصْد خَلَلٍ فى الهيكل الجينى إلى حين إصلاح هذا الخَلَل. وتشير هذه النظرية بشكلٍ خاص إلى بروتينات أسماها هستون Histone، وهى تشكِل جزءا مُهما من هذه الدائرة وكأنها مركز سيطرة لآليات عملها. وتقوم هذه البروتينات (الهستون) بإرسال بروتينات إصلاح الأضرار فى الهيكل الجينى، ثم تُعيدها إلى وظائفها العادية عند انتهائها من عملية الإصلاح. وخلال هذه الفترة يكون مكانها خاليا فى العمليات البيولوجية الطبيعية. وهذا ما يمنع توالُد الخلايا فى فترة الإصلاح. لتعود الخلية إلى التوالُد عند العودة إلى الحالة العادية بعودة هذه الأنزيمات إلى مراكزها. لكن، تقول النظرية، قد يحصل، عند الزيادة الكبيرة فى الأضرار والحاجة إلى إصلاحها، أن تضيع هذه الأنزيمات، الأبيجنوم، ولا تعود إلى موضعها الأصلى، ما يتسبَب بوقْفِ عمليات توالُد الخلايا وتسريع عملية الشيخوخة. وبالتالى تقول النظرية إن «مُعالَجة» عملية الشيخوخة ترتبط بتنظيم دائرة الحفاظ على الحياة بحيث تبقى المعلومات المتوافرة فى أنزيمات الأبيجنوم متوافرة دائما، وقادرة على إعادة قدرات الخلايا على التوالُد والقيام بالعمليات البيولوجية العادية.
أخيرا يقول سنكلير إن تجاربه مع خلايا الخميرة yeast ومع بعض الفئران فى المُختبر، أَظهرت أن بعض المركبات الكيميائية، مثل (NDA) Nicotinamide Adenine، نَجحت عند تناولها فى تقوية القدرات الحياتية فى الخلايا الحية وفى عكْسِ عملية الشيخوخة، حيث تجعل أنزيمات الأبيجنوم ثابتة أكثر.
هنالك مُعالجات متعددة لمظاهر الشيخوخة نَجحت فى إطالة عُمر الإنسان من دون التخلُص من قَدَرِ الشيخوخة. كما يَقترح سنكلير علاجاتٍ «ناجحة لمرض» الشيخوخة.
النص الأصلى: