تعديلات على حقوق ذوى الإعاقة.. حماية أم تضييق جديد؟
صفاء عصام الدين
آخر تحديث:
الإثنين 1 سبتمبر 2025 - 6:05 م
بتوقيت القاهرة
صدر قانون ضمان حقوق ذوى الإعاقة والأقزام فى يناير 2018، بالتزامن مع إعلان العام نفسه عامًا لذوى الإعاقة، أحدث القانون نقلة نوعية فى بنية التشريع المصرى بشأن هذا الملف، بوضع معايير تكاد تتطابق مع القواعد الدولية والاتفاقيات الأممية، فعكس القانون رقم 10 لسنة 2018 تحولا جذريا فى المفاهيم والحقوق المكفولة لذوى الإعاقة والأقزام، وخرج للنور بعد حوار مجتمعى ومناقشات فى مجلس النواب استمرت نحو عام كامل.
اليوم، وبعد 6 سنوات فقط يعود الحديث مرة أخرى عن القانون بعد تصريحات رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولى بشأن تعديلات القانون التى انتهت منها الحكومة مؤخرًا فى انتظار العرض على مجلس النواب.
تعريف جديد.. لماذا؟
ينص تعريف ذوى الإعاقة فى النص الصادر عام 2018 على أنه «كل شخص لديه قصور أو خلل كلى أو جزئى سواء كان بدنيا أو ذهنيا أو عقليا أو حسيا، إذا كان هذا الخلل أو القصور مستقرا مما يمنعه من التعامل مع مختلف العوائق من المشاركة بصورة كاملة وفعالة مع المجتمع وعلى قدم المساواة مع الآخرين» وترك النص للائحة التنفيذية تحديد الإجراءات والحالات ودرجات الإعاقة وما يستتبعها من حقوق.
أما اليوم تسعى حكومة مدبولى لتعديل التعريف ليصبح «كل من يعانى من عاهة طويلة الأجل؛ بدنية، أو عقلية، أو ذهنية، أو حسية، قد تمنعه لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة فى المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين»، وهو النص الذى يطابق الترجمة الحرفية للتعريف فى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة.
تكشف المقارنة بين التعريفين تطابق التعريف المقترح مع الاتفاقية الدولية، ولكن صياغة التعريف فى القانون رقم 10 لسنة 2018 أدق وأفضل من الناحية الحقوقية، كما تمنح مظلة حماية أوسع، وربما هذا ما تريد الحكومة التخلص منه فى مقترحها الجديد.
ورغم أن الحكومة لم تتشاور مع المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة فى هذا التعديل، إلا أن المجلس أعلن تصديه لتعديل التعريف رافضًا الترجمة الحرفية للتعريف المستخدم فى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، مؤكدا أن لفظ «قصور» هو المصطلح الحقوقى والقانونى الصحيح، الذى سيعمل المجلس على عدم استبداله فى نصوص التشريعات الوطنية، وتثبيته فى أى تعديلات مستقبلية.
التلاعب بسيارات ذوى الإعاقة
ركزت التعديلات التى وافق عليها مجلس الوزراء وتنتظر العرض على مجلس النواب على الضوابط الخاصة بالسيارات المخصصة لذوى الإعاقة التى تعفى من الضرائب الجمركية، ونصت على إعفاء السيارات ووسائل النقل الفردية المُعدة لاستخدام الأشخاص ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية أيا كان نوعها وضريبة القيمة المضافة المقررة عليها، عن سيارة أو وسيلة واحدة كل 15 عامًا، شريطة أن يكون مستوردها شخصا ذا إعاقة أيًا كانت نوع إعاقته، وسواء كان قاصرًا أو بالغًا، وأن يكون استيراد السيارة، أو الوسيلة للاستعمال الشخصى لذى الإعاقة، وأن يقودها بنفسه، أو عن طريق سائقه الشخصى المؤمن عليه، أو من أحد أقاربه من الدرجة الأولى، أو الولى، أو الوصى عليه إذا كان قاصرًا، أو كانت حالته لا تسمح بقيادتها بنفسه.
ترغب الحكومة فى تشديد ضوابط الحصول على السيارات، بينما تنقل التعليقات على بيان مجلس الوزراء بشأن تعديل القانون على فيس بوك عشرات المناشدات التى تطالب بالإفراج عن سيارات ذوى الإعاقة، وتعكس عددًا من الصعوبات التى تواجه ذوى الإعاقة فى الحصول على حقهم فى السيارات المعفاة من الجمارك وضريبة القيمة المضافة، رغم تقدم العشرات منهم بطلبات وسداد المبالغ المستحقة منذ أشهر طويلة.
يسمح القانون الحالى لذوى الإعاقة لقانون باستيراد سيارة معفاة من الجمارك والضرائب مرة كل 5 سنوات، لكن يشير رئيس مجلس الوزراء فى لقاءاته مع الصحفيين إلى «الممارسات غير الرشيدة والتلاعب والتزوير» فى بعض الأحيان لحصول غير المستحقين على امتيازات مخصصة لذوى الإعاقة، وقال إن هذه الممارسات استدعت مراجعة الضوابط التى تحاول ضمان وصول السيارة لمستحقها.
كانت مصلحة الجمارك أوقفت عمليات الإفراج عن سيارات ذوى الاحتياجات الخاصة وتجميد استيرادها فى يوليو 2024، نتيجة وجود ثغرات وتلاعب فى عمليات استيراد تلك السيارات.
هل تحل التعديلات الأزمة؟
يتطلع ذو الإعاقة إلى حل عادل للأزمة، فيما تحاول الحكومة تفكيكها تحت مبرر منع التهرب الضريبى والجمركى باسم الامتيازات المقررة لهم، فجاءت التعديلات المقترحة لتضيف قيودًا جديدة، إذ لم يعد من حق الشخص من ذوى الإعاقة الحصول على سيارة كل خمس سنوات كما كان معمولًا به، بل كل خمسة عشر عامًا، ويضاعف هذا الشرط الأعباء على ذوى الإعاقة، إذ غالبًا ما تكون سياراتهم مستعملة ومجهزة تجهيزًا خاصًا لا يحتمل الاستمرار لعقد ونصف دون استبدال.
تحاول الحكومة التخفف من الأعباء ومواجهة التلاعب، فتتجه كالعادة لوضع ضوابط تزيد التضييق على الحقوق بدلًا من تطوير أدوات رقابية فعالة تكفل ضبط المخالفات دون المساس بحقوق ذوى الإعاقة، فتظهر الحكومة التى تعلن التزامها بتمكين هذه الفئة وإدماجها فى المجتمع، هى نفسها التى تفرض قيودًا تضعف حقهم فى التنقل بحرية، وتضعهم فى مواجهة مع إجراءات بيروقراطية تثقل كاهلهم، فتتحول الامتيازات إلى عبء إضافى، وتتحول السياسة الاجتماعية إلى أداة للرقابة لا للحماية.
تتقن الحكومة تشديد العقوبات والتجريم لتعويض خسائرها من التلاعب بامتيازات ذوى الإعاقة، لكنها تغض الطرف عن أزمة أصيلة فى هذا الملف الذى يأتى على رأس أولويات الرئيس وخطاباته، فمع الإقرار بوجود ممارسات غير قانونية، يبقى جوهر الأزمة فى رحلة الحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة، الباسبور الحقيقى لذوى الإعاقة وجواز مرورهم لانتزاع حقوقهم.
مازالت هذه الرحلة لم تكلل بالنجاح لدى كل من خاضها، فالعقبات متعددة تنقلها شكاوى ذوى الإعاقة على وسائل التواصل الاجتماعى أو طلبات الإحاطة التى سبق وتقدم بها النواب، وما بين الكومسيون الطبى ولجان الفحص، ووزارة التضامن الاجتماعى، ووزارة الصحة وأختام الموظفين «والسيتسم واقع»، تعترف وزيرة التضامن الاجتماعى مايا مرسى فى كلمة لها بمجلس النواب باستخراج مليون و200 ألف بطاقة خدمات متكاملة لذوى الإعاقة الذى يقدر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عددهم بنحو 10 ملايين معاق.
يظل هذا الرقم الرسمى متواضعًا مقارنًة بالنسبة الحقيقية لذوى الإعاقة، ما يعكس فجوة واسعة بين أعداد الحاصلين على بطاقة الخدمات المتكاملة والمحرومين منها، ولا تعنى هذه الفجوة حرمان الملايين من امتيازات السيارات المجهزة طبيًا فقط، بل تمتد الاستبعاد من مظلة أوسع من الحقوق والخدمات التى يربطها القانون بالبطاقة، بدءًا من الدعم النقدى والتوظيف، وصولًا إلى الدمج فى التعليم والرعاية الصحية.