دماء على أرض الصلاة
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 1 ديسمبر 2017 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
كان استهداف المساجد من قبل الإرهابيين غريبا على مصر، وكان قتل المصلين فى مسجد الروضة فى بئر العبد حدثا فريدا فى التاريخ المصرى القديم والحديث، فحينما دخلت خيل نابليون الأزهر لا أعتقد أنها أحدثت نفس الأثر السلبى فى نفوس المصريين مثلما أحدثه هجوم الدواعش على المصلين يوم الجمعة.
كان المصريون يتوقعون ذلك من نابليون الذى صدمته ثورات المصريين التى قادها الأزهر بضراوة، ولكن فى هذه الحالة ما ذنب المصلين والعابدين والذاكرين وما علاقتهم بالسياسة وصراعاتها والحكم ونزاعاته.
لم يكن يخطر ببال مصرى واحد فضلا عن أحد من هؤلاء المصلين أن تتحول أجسادهم إلى جثث، وأن تتحول سكينة المسجد إلى صراخ وأنين وبكاء، وأن تفقد كل أسرة فى المنطقة واحدا على الأقل من أبنائها، أما بعض الأسر ففقدت اثنين أو ثلاثة وبعضها فقد أربعة.
حتى المؤذن الذى يرفع شعار الإسلام أردوه قتيلا، حتى الأطفال لم يسلموا من قسوة القلب الداعشى، فقد أحصت وزارة الصحة المصرية مقتل 20 طفلا مصريا من بين 310 قتلى، هناك رجل قتل ابنه الطالب الثانوى وكان معه طفله الآخر فى الابتدائية فتوسل إليهم أن يتركوه فقبلوا بذلك وهرب الطفل الصغير يجرى ولكن أنفسهم الأمارة بالسوء لم تطب أن تترك الأب حيا فقتلوه ليعيش الابن الصغير يتيما.
ميراث استهداف المساجد جديد على مصر ولكنه ليس جديدا على بلاد أخرى، وللأسف فإن أول استهداف كان للمسجد الحرام أعظم بيوت الله قاطبة والذى نزل فيه قوله تعالى «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» وهو أمر فى صيغة الخبر أى «أمنوا من دخل المسجد الحرام» وكل مسجد فى الكون له حظ من هذه الآية، فهى ليست خاصة بالمسجد الحرام بل هى عامة فى كل المساجد.
استهداف المساجد بدأ بـ«جماعة جهيمان العتيبى» الذى ادعى أنه المهدى المنتظر واقتحم مع بعض الشباب من قبيلته السعودية ومؤيديه وأغلقوا أبوابه وأولوا بعض الأحاديث على جهيمان «أنه قرشى وأن اسمه محمد بن عبدالله» وأنه سيأتى جيش لمقاومته وأنه سيخسف به الأرض.
وكانت كل هذه الأمور هى أوهام فى عقل جهيمان وتأويلات فاسدة لأحاديث صحيحة ظنها تنطبق عليه وتم اقتحام الحرم دون أن يحدث لهذه القوات الخاصة شيئا.
ثم توقفت هذه المحنة فترة من الزمن حتى حاولت جماعة الجهاد اغتيال العلامة د/عبدالله عزام الأردنى وهو يخطب فى مسجده فى مدينة بيشاور الباكستانية وذلك لمجرد ظنون وهواجس انتابت البعض أنه جاسوس للمخابرات الأردنية،وما أكثر هواجس الحركات الإسلامية فى مثل هذه الأبواب، وما أكثر اتهاماتها وظنونها التى قد يكون أكثرها لا أساس له من الصحة، فقد بلغ الجرم بهؤلاء أنهم وضعوا لغم دبابة تحت منبره وهذه كانت كافية لتفجير المسجد كله.
ولكن د/عزام لم يذهب يومها وتلقى تحذيرا بذلك ولكنهم لم يتركوه ففجروا سيارته ومعه ابنه، دون مراعاة لا لعلمه أو فضله أو لأستاذيته فى الشريعة ودون تفهم أن الناس لا يؤخذون بالظنون فضلا عن أن يقتلوا بها دون وجه حق وأنهم ليسوا حكاما ولا قضاة ولا جهة تنفيذ قانون ولكنهم استلبوا ذلك جميعا فى غفلة من الزمان.
أما البداية الحقيقة لتفجير المساجد فكانت فى العراق حينما بدأت الميليشيات الشيعية العراقية تنتقم من السنة العراقيين وتعاملهم جميعا كأنهم «بعثيون» حتى وصل الأمر بالقتل بالاسم «أبوبكر وعمر وعائشة..الخ» والقتل بالمذهب.
فلما ترأس الزرقاوى القاعدة فى العراق أخذ يفجر المساجد الشيعية ومراقدها، مما أثار حفيظة الميليشيات الشيعية التى ردت عليها بتفجير المساجد السنية بطريقة أقسى حتى أنها فجرت فى مدينة ديالى وحدها قرابة 250 مسجدا، ثم امتد ذلك إلى باكستان ثم سوريا ثم لعبت داعش بنفس الطريقة فى السعودية والكويت واليمن وغيرها.
ويقدر بعض الباحثين عدد المساجد التى فجرت فى السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 450 مسجدا، منها فى مدينة ديالى السنية وحدها 250 مسجدا، والعراق لها النصيب الأوفر فى هذه المأساة المروعة حيث تبادلت داعش والميليشيات الشيعية تفجير المساجد السنية والمراقد الشيعية، وكأنهما يتبادلان الكرة أو الهجوم بها لإحراز الأهداف فى مرمى الخصوم دون مراعاة لدين أو شريعة أو أمان وسكينة مصلين لا شأن لهم بصراعات السياسة ولعبة الكراسى.
وإذا كان الإسلام قد أمر المسلمين بتأمين كنائس المسيحيين ومعابد اليهود وكل دور عبادة أهل الكتاب فى بلادهم فمن باب أولى تأمين كل دور العبادة للمسلمين حتى لو اختلفنا مع بعض محتواها «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَهِ النَاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَهِ كَثِيرا».
وتأتى باكستان فى المرتبة الثانية فى استهداف المساجد بالقتل والتفجير بين الميليشيات الشيعية من جهة والقاعدة وداعش من جهة أخرى وخاصة فى الولايات التى تشهد صراعا سنيا شيعيا فالصراع السياسى والمذهبى هو الفتيل الأول الذى يشعل هذه الفتنة.
أما سوريا فلم تشهد الكثير من مثل هذه التفجيرات لأن كل فئة تسيطر على منطقة حمت مساجدها.
وكان أسوأ تفجير حدث فى سوريا هو التفجير الذى أودى بحياة علامة الشام د. البوطى الذى ملأ الدنيا علما ورحمة وسماحة وسعة، وتعلمت أجيال على يديه من كل الأطياف، ولو أطاعت الحركة الإسلامية بكل أطيافها هذا الرجل ما وصلت إلى الحالة المزرية التى وصلت إليها.
أما السعودية والكويت واليمن فتحتل المراتب الأخيرة فقد قتل 140 شخصا فى تفجير مسجدى بدر والحشوش فى صنعاء أثناء صلاة الجمعة عام 2015، أما فى السعودية فتم تفجير مسجد الإمام على فى بلدة القديح، ومسجد المشهد فى نجران، ومسجد فى مدينة أبها، ومسجد الرضا بمدينة المبرز بالإحساء، وكل ذلك فى كفة وتفجير موقف سيارات الحرم الشريف بالمدينة المنورة فى كفة أخرى.
أما فى الكويت فالأشهر هو تفجير مسجد الإمام الصادق، أما الأكثر دموية والأعنف فى عدد الضحايا فهو تفجير مسجد الروضة فى العريش فى مصر، وبذلك دخلت مصر دوامة تفجير المساجد التى هى الأسوأ على الإطلاق والتى تنذر بدمار صناعها لأن الله توعد كل من يحارب بيوته وأوليائه ويسعى فى خرابها وتخويف المصلين عنها فضلا عن قتلهم أو جرحهم أو قصدهم بالدماء والذبح «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَا خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» وأحسب أن هذه الآيات تنطبق أكثر ما تنطبق على الذين يفجرون المساجد أو يقتلون المصلين فيها أكثر ما تنطبق على غيرهم.