بايدن وسياسات البيئة والطاقة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى يتناول مواقف بايدن التى تبشر باهتمامه بمجالى البيئة والطاقة إلا أنه سيكون هناك عقبات عليه أن يواجهها... نعرض منه ما يلى.
بناءً على كل من المواقف التى أطلقها الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن أثناء الحملة الرئاسية الانتخابية، وتوجهات مجموعات كبيرة لجمهور الحزب الديمقراطى أثناء الحملة، يتوقع أن يدعم الرئيس المنتخب سياسات مختلفة عن تلك الخاصة بالرئيس دونالد ترامب فى مجالى البيئة والطاقة.
دعم بايدن بكل وضوح السياسة البيئية التى تبناها الرئيس الديمقراطى السابق باراك أوباما، التى تمثلت بانضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، هذه الاتفاقية التى انسحبت منها الولايات المتحدة فى عهد الرئيس ترامب بحجة أن هدف الاتفاقية هو تدمير الصناعة الأمريكية؛ لأنها تحد من الطاقة الإنتاجية للمصانع الأمريكية وتزيد من كلف الإنتاج مما يدفع بهذه الصناعات للهجرة إلى الدول النامية ودول العالم الثالث.
وشكل خطاب ترامب «أمريكا أولا» شعارا أساسيا طوال عهده، ويتوقع أن يستمر جمهوره فى الدعوة لإعادة الصناعات الأمريكية إلى ديارها ثانية ولإعادة القوة لأمريكا. وهذه شعارات تلهب حماس مؤيديه الملايين من اليمين الأمريكى. وقد رادف هذه الشعارات فى الحملة الانتخابية سياسات مكافحة «كوفيد ــ 19».
لقد أكد الرئيس المنتحب بايدن تكرارا، أنه سيستعيد عضوية الولايات المتحدة فى اتفاقية باريس. وما تعيينه وزير الخارجية الأسبق والمدافع عن تحسين المناخ والبيئة جون كيرى سفيرا متفرغا للشئون البيئية وعضوا فى مجلس الأمن القومى الأمريكى إلا دليل واضح على أهمية السياسة البيئية المقبلة. فهذا منصب حكومى رفيع؛ إذ سيمثل كيرى الرئيس مباشرة فى المفاوضات الدولية والمحادثات الداخلية.
بتأييده اتفاقية باريس، سيدفع بايدن بسرعة أكبر صناعات الطاقة البديلة التى تخفض من انبعاثات ثانى اكسيد الكربون. وهذه الصناعات تشجع الاعتماد على الذكاء الصناعى. ومن ضمن هذه الصناعات، تشجيع القوانين التى تمنع بيع المركبات التى تحرق البترول، وفتح المجال لعصر السيارة الكهربائية أو الهجينة. ستشجع حكومة بايدن تشريع القوانين والأنظمة لهذا الغرض. ومن المعروف أن ولاية كاليفورنيا قد شرعت فعلا فى عدم بيع السيارات التى تستعمل البنزين بدءا من أواخر عقد الثلاثينيات. وكاليفورنيا هى إحدى الولايات الكبرى والمهمة التى دعمت بايدن فى حملته الانتخابية.
من المتوقع أن تواجه سياسة بايدن البيئية عقبات فى تنفيذها. فهناك أولا الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ التى تستطيع أن تعطل وترفض العديد من المشاريع البيئية. وهناك أيضا أنصار ترامب فى مجالس البلديات والمحافظات فى عدد لا يستهان به من الولايات الأمريكية. وتتوافر الصلاحيات لهذه المجالس فى الموافقة أو الرفض فى منح الرخص لمشاريع بيئية عدة، منها منع السيارة المستعملة للبترول فى مناطقها أو القوانين البيئية التى يتوجب على المصانع ومحطات الكهرباء الالتزام بها. ويستطيع الرئيس الأمريكى، فى حال معارضة هذه الولايات والبلديات القوانين الفيدرالية، أن يوقف المعونات المالية لمشاريع معينة. وتشكل العلاقة ما بين السلطة الفيدرالية والولايات وحتى البلديات (بالذات للمدن الكبرى) حيزا مهما من السياسة الداخلية الأمريكية. فرغم خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية، إلا أن حيازته 47 فى المائة من أصوات الناخبين ودعم الملايين من مجموعات اليمين الأمريكيين مقارنة بفوز بايدن بنحو 51 فى المائة من الأصوات، يعنى أن الجمهوريين سيستطيعون عرقلة البرامج «الليبرالية» التى يعارضونها بحماسة وإصرار، كالأمور البيئية. من ثم، فرغم عودة عضوية الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، فهذا لا يعنى بحد ذاته إمكانية تنفيذ جميع التعهدات المبتغاة منها على الصعيد الأمريكى.
وفيما يتعلق بالطاقة. فهناك أولا المجال الدولى. والأنظار مشدودة حول عودة الولايات المتحدة إلى عضوية الاتفاق النووى الإيرانى. إن الذى يتضح حتى الآن، أن الدول الأوروبية الحليفة الأعضاء فى الاتفاق (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) لن تضغط على واشنطن فى العودة للاتفاق بسرعة. وللعودة مهام سياسية إقليمية ونفطية مهمة. فبالنسبة للجانب الإقليمى، الأمر ذو أبعاد جيوسياسية للدول المجاورة لإيران والتى تتحمل وزر السياسة التوسعية الإيرانية فى المنطقة. ونفطيا، فإن العودة لعضوية الاتفاق سيعنى بدوره رفع بعض العقوبات النفطية عن إيران. لقد أدت هذه العقوبات إلى تقليص الصادرات النفطية الإيرانية من 2.4 مليون برميل يوميا إلى نحو 700 ألف برميل يوميا؛ مما يعنى خسارة عشرات المليارات من الدولارات سنويا؛ الأمر الذى أدى إلى ضعضعة الاقتصاد الإيرانى. لكن استطاعت إيران فى الوقت نفسه الاستمرار فى الإنتاج على مستويات عالية نسبيا؛ إذ لم تقفل الحقول، بل تم تدوير مستويات الإنتاج منها. واستطاعت إيران فى الوقت نفسه تخزين الملايين من البراميل على ناقلاتها التى رست فى أعالى البحار بالقرب من موانئ الاستيراد الآسيوية الضخمة، منتظرة الإشارة للتفريغ. لذا؛ فإنه فى حال عودة الولايات المتحدة إلى عضوية الاتفاق النووى الإيرانى، سيعنى تدفق الملايين من براميل النفط الإيرانى القريبة من موانئ الاستيراد، زائد إمكانية الإنتاج العالى. هذه الخطوات ستؤدى إلى إحداث هزة كبيرة فى اتفاقية «أوبك+» لتخفيض الإنتاج، ومن ثم إلى تدهور الأسعار.
وفى المجال الداخلى الأمريكى، لا يتوقع أن يساند الرئيس بايدن صناعة النفط الصخرى، كما قام بذلك الرئيس ترامب. حقيقة الأمر، أن هذه الصناعة الحديثة العهد على مفترق طرق. فمن ناحية، هناك حقول عملاقة عدة تم اكتشافها، لكن لا تزال بانتظار تشييد البنى التحتية من خزانات وشبكات الأنابيب وموانئ التصدير. ومن المنتظر الانتهاء من تشييد هذه المنشآت خلال السنتين المقبلتين، مما يعنى توقع زيادة ملحوظة فى الصادرات الأمريكية تقدر ما بين مليون ومليونى برميل يوميا. لكن من ناحية أخرى، تواجه صناعة البترول الصخرى خسائر فادحة بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط، من ثم لا يتوقع أن تزداد الاستثمارات فى قطاع الاكتشافات. فتكاليف إنتاج النفط الصخرى تتراوح ما بين 30 و40 دولارا للبرميل. ومستوى الأسعار الحالى (نحو 40 دولارا) بالكاد تحقق الأرباح. فالصناعة ستواجه صعوبات دون عراقيل الإدارة الجديدة.