بلغوا الرسول.. المسلمون خذلونا
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 1 ديسمبر 2023 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
استشهدت أسرة غزاوية كاملة فى منطقة الشجاعية مكونة من خمسة هم أم وأب وثلاثة من الأولاد، جراء قصف إسرائيلى مركز على منزلهم، لم يجدوا من يكفنهم أو يدفنهم، تطوع البعض لذلك وتطوع سائق عربة كارو يجرها حصان لدفنهم، تحرك السائق الشهم بعربته، قابل فى مسيرته بعض الشباب طلب منهم صلاة الجنازة على الأسرة.
وقفت العربة الكارو التى تحمل الجثث على جانب الطريق ووقف المارة يصلون على الأسرة، ودعوهم الوداع الأخير، أصبح للحمار والحصان قيمة كبيرة فى غزة، ولولا شهامة هذا الحصان وصاحبه لبقى هؤلاء الشهداء فى الشارع دون دفن، هذا الحصان يذكرنا بكلب أهل الكهف الذى اكتسب مكانته من رفقة الصالحين.
هذا الفيديو جاب الدنيا كلها بعد أن صورته الفلسطينية هلا شحاتة التى لم تستطع النزوح من الشجاعية بعد القصف لأن والدتها مسنة ولا تقوى على السير الطويل وابنتها صغيرة تحتاج للحمل، وهى لا تستطيع الفرار بالاثنين، صورت هذا الفيديو الحزين وهى تقول: أريد من العالم كله أن يرى هذا المشهد الحزين، نعم يا سيدتى رآه الجميع ولكن لم يتحرك أحد لنصرة هؤلاء من المذابح.
هذا جزء من مأساة شعب تنكل به إسرائيل منذ 70 عاما، مذبحة تلو أخرى، تهجير يعقبه تهجير، تتعقب إسرائيل الشعب الفلسطينى فى المنافى، وتؤلب عليه الآخرين، عشرات المذابح والتهجيرات والحصار الخانق المستمر.
لك أن تتصور جيشا يتعمد قصف المستشفيات، ويمنع الكهرباء عن حضانات الأطفال المبتسرين ويقتل منهم العشرات بدم بارد، يدمر المخابز عمدا حتى يجوع الفلسطينى، يدمر صهاريج المياه واحدا تلو الآخر فتغمر المياه الأرض دون أن تروى الفلسطينيين، فمن لم يمت بقذائف الطائرات أذله الجوع وقتله العطش أو أهلكه البرد.
يخرج الفلسطينى من بيته المدمر هاربا من جحيم الصواريخ الأمريكية الصنع لا يلوى على شىء، وتاركا كل شىء، دون أن يحمل شيئا، ضاع بيته، سيارته، أثاث منزله، أمواله، ذلك إن لم يفقد أولاده بعضهم أو جميعهم.
يقف رجل كبير السن على أشلاء أسرته وهو يصيح فى أولاده وكلهم مسجى فى كفنه قائلا بحرقة:ــ بلغوا الرسول، قولوا له يا رسول الله:ــ المسلمون خذلونا، يا رسول الله، أمسك بجثة ابنه ياسين مناديا له: يا ياسين قل للرسول «صلى الله عليه وسلم» الأمة خذلتنا فى غزة وتتفرج علينا، قطعوا أشلاءنا وهم يتفرجون علينا.
وآخر ودع أسرته بألم وحرقة بعد أن دكت الطائرات منزله وهو يقول: عمارتنا فيها 200 فرد وصل للمستشفى 8 فقط، أين الباقى، كلهم تحت الركام، أنا أنادى عليهم قائلا: من على قيد الحياة يقول اسمه، يظل يهتف فى كل مكان فى الأنقاض «مين عايش» فلا يرد عليه أحد ثم قال: هنيئا لأمريكا وأوروبا باستقوائكم على النساء والأطفال.
الشعب الفلسطينى لن يهزم ولن يكسر، أنا خرجت من تحت الركام، وسأبيت الليلة فى بيتى المهدم ولن أرحل، هل تسمعنى يا بايدن.
حصلت الطفلة الفلسطينية سارة التى صورتها وكالات الأنباء وقد تمسكت بكتبها بعد أن هدمت إسرائيل منزلها عام 2003 على الماجستير فى العام الماضى فى اللغات وتعمل محاضرة فى جامعة كندية مرموقة، الشعب الفلسطينى أكبر من أن يقهر، وأعظم من أن يهزم.
أما صور أحمد أبو الروس وهو يقبل طفلته الجميلة ريم التى استشهدت مع شقيقها طارق، أخذ الأب ينظف وجه ابنته ريم ويحضنها ويشمها فوجد حلق ابنته فأخذه ليظل ذكرى معه إلى الأبد، كان أحدهما قد ضاع، كان يحدثها وكأنها حية ويناديها «روح الروح».
صدق أهل غزة مع ربهم ومع وطنهم وقضيتهم، فوصل صدقهم إلى قلوب الشعوب الحرة، فهذه ممرضة أمريكية عملت فترة فى غزة وتم إجلاؤها من غزة قبل تدهور أوضاعها، فسألها المذيع الأمريكى: هل ستعودين إلى غزة؟ قالت: نعم بالتأكيد، فقلبى هناك، فمن عملت معهم هناك من أروع الأشخاص الذين التقيت بهم فى حياتى، فقدنا أحد ممرضينا بعد أسبوع من القتال بتفجير إسرائيل لسيارة الإسعاف، تواصلت معهم عبر الرسائل، سألتهم هل ستغادرون المستشفى فقالوا: «هذا مجتمعنا، وهؤلاء أهلنا وأصدقاؤنا، فإذا قتلنا الإسرائيليون فسنموت ونحن نحاول إنقاذ المرضى والمصابين».
قالت الممرضة الأمريكية: لو أننى أملك ذرة من مشاعرهم لمت وأنا راضية وسعيدة.
30 ألف طن ديناميت ألقاها الطيران الإسرائيلى على سكان غزة، لم تهزم الفلسطينى الغزاوى أو تكسر إرادته، جلس طفل وأخته ووجهه يقطر دما، قصفت إسرائيل دارهم، قال لمن حوله أبى مات، قالوا له: لا تقل مات، هو استشهد مع أمك، هم عند الله، صمت الطفل.
هؤلاء الأطفال سيكونون أصلب عودا وأكثر عزيمة للثأر من إسرائيل واسترداد القدس.
كان نصيب كل غزاوى مدنى من متفجيرات إسرائيل 2 كجم ديناميت، إسرائيل التى تريد قيادة الشرق الأوسط، وتقود العرب «الأجلاف» كما تزعم لتعبر بهم إلى الرقى والتحضر.
إسرائيل فُضحت فى العالم عبر الشاشات التى لا تكذب، سقط القناع الإسرائيلى والأمريكى والأوروبى.
الحضارة الغربية كلها على المحك، تؤيد الظلم، وتدعم المثليين، وتكيل بمائة مكيال، يقتل أمام أعينها 15 ألف مدنى بينهم أكثر من 5 آلاف طفل ولم تقبل بوقف إطلاق النار إلا من أجل الإفراج عن الرهائن.
الحضارة الغربية قاربت على الأفول والانحسار، هى حضارة الخداع والكذب.
سلام على شهداء غزة، والعافية لجرحاها، وتحية للأحرار فى كل مكان.