جمال البنا ومشروعه التجديدى
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
السبت 2 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كانت المرة الأولى التى ألتقى فيها بالمفكر الإسلامى الراحل الأستاذ جمال البنا فى عام 1985 وبمدينة جنيف السويسرية، وكانت مناسبة اللقاء والتعارف لا صلة لها مباشرة بالعطاء الثرى للراحل الكريم فى مجال اجتهاده على مدى ما يزيد على ستة عقود فى تجديد الفكر الإسلامى، بل كان بمناسبة كتاب آخر مهم للمفكر الراحل ربما لم يسمع الكثيرون عنه من قبل، وهو كتاب «المعارضة العمالية فى عهد لينين».
وقد يسأل القارئ الكريم ولكن ما علاقة مفكر إسلامى مثل الأستاذ جمال البنا رحمه الله بهذا الموضوع؟ والواقع أن الأستاذ جمال البنا لم يكن مجرد مفكر، بل كان له دور نضالى على أرض الواقع فى أكثر من مجال أذكر منهم هنا مجالين اثنين، الأول هو مساعدة المسجونين السياسيين، حيث أسس جمعية لمساعدتهم، وجاء ذلك أصلا بمناسبة الصدام الأول بين جماعة الإخوان المسلمين والزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى عام 1954 والحكم على أعداد من قيادات وكوادر وأعضاء الجماعة بالسجن، أما المجال الثانى فهو مجال العمل النقابى العمالى، وتحديدا جهوده الدءوبة فى إطار الاتحاد الإسلامى للعمل الذى كان محاولة جادة لإقامة وكالة متخصصة للدول الإسلامية معنية بقضايا العمل على نسق منظمة العمل الدولية، وهو جهد كان مؤمنا به إلى أقصى الحدود، ومن أجله توجه كثيرا لمدينة جنيف لحضور المؤتمر السنوى لمنظمة العمل الدولية بهدف تمثيل الاتحاد الإسلامى للعمل فى فعالياته.
ولكن يبقى المجال الأهم لإسهامات الأستاذ جمال البنا هو دوره فى تجديد الفكر الإسلامى، حيث صدر له على مدار السنوات عشرات الكتب، وفى أكثر من طبعة، سواء عن دار الفكر الإسلامى التى أسسها مع شقيقته الراحلة رحمها الله، أو عن دور نشر أخرى، خاصة دار الشروق، وهى كتب تناولت موضوعات محورية وأيضا شديدة الحساسية وشكلت مثارا للجدل والخلاف فى الفكر الإسلامى، وتضمنت عمله الضخم المكون من ثلاثة أجزاء حول السنة النبوية الشريفة والتى شملت دعوته إلى إعادة تحقيق السنة على أساس المتن (المضمون)، وذلك بالإضافة إلى ما تم من قبل على مدار التاريخ من تحقيق السنة النبوية الشريفة على أساس سلسلة الإسناد من الرواة، وهى منطقة وعرة فتحت عليه الكثير من الانتقادات.
ولم تكن هذه المسألة هى الوحيدة المثيرة للجدل فى فكر الراحل الكريم، بل هناك مثلا كتابه المهم: «الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة»، والذى رفض فيه ما اعتبره نظرة ضيقة الأفق للإسلام تقصره فى المنظور السياسى وحده بكل تقلباته ولا تنطلق به إلى الآفاق الرحبة للإطار الحضارى الثقافى الاجتماعى للإسلام ومسيرته وعطائه. وارتبط بهذه المسألة خصوصية معالجة الأستاذ جمال البنا لمسيرة حركات الإحياء الإسلامى الحديثة والمعاصرة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين ذاتها، كما تضمن ذلك رؤية مستقبلية لما ستكون عليه هذه الحركات من جهة، ولما يجب أن تكون عليه من منظور صالح الدعوة الإسلامية من جهة أخرى.
أما الموضوع الثالث المثير للخلاف وردود الفعل المنتقدة وطرحه الأستاذ جمال البنا رحمه الله فكان إمامة المرأة للصلاة، حيث أصدر كتابا تضمن تعليقا جريئا على واقعة إمامة سيدة لصلاة الجمعة فى مدينة نيويورك الأمريكية منذ عدة سنوات. ولم تكن هذه المسألة هى الوحيدة التى تطرق فيها الأستاذ جمال البنا للموضوعات التى تهم المرأة، بل له كتاب مهم عن الحجاب أيضا به نظرة مستنيرة ومتقدمة للموضوع تتسق مع الإطار العام لطرحه التجديدى للفكر الإسلامى.
وتوجد موضوعات أخرى كثيرة طرحها الأستاذ جمال البنا بشجاعة وتحمل مسئولية آرائه التى عبر عنها إزاءها، ولا يتسع المجال لذكرها جميعا، ولكن كان الملفت دائما للنظر أن الأستاذ جمال البنا لم يكن يحتمى بكونه الشقيق الأصغر للأستاذ حسن البنا رحمه الله، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه كان يستند إلى قوة الحجج التى يطرحها ويخوض بها غمار المعارك الفكرية، بالرغم من أى انتقادات أو إدانات توجع إليه بسبب آرائه. لقد تعرضت أفكاره رحمه الله للوصف أحيانا بالليبرالية وأحيانا أخرى بالتحديثية وأحيانا ثالثة بالمستنيرة وأحيانا رابعة بالتقدمية وأحيانا خامسة بالإحيائية، مع تباين هذه التسميات بحسب رؤية من أطلقها، ولكننى شخصيا أرى أن آراءه وأفكاره تدخل فى إطار الاجتهادات، التى قد نتفق معها أو نختلف، ولكنها تصب ضمن جهود متراكمة هدفت لتجديد الفكر الإسلامى استمرارا لجهود آخرين سبقوه وتزامنا مع جهود معاصريه ومقدمة لجهود من سيأتون بعده، وكما قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران»، رحم الله الأستاذ جمال البنا رحمة واسعة وألهم أسرته وأحباءه وتلاميذه الصبر والسلوان.
مفكر وكاتب مصرى