مسكن للمستقبل فى المدن المصرية
نبيل الهادي
آخر تحديث:
الأربعاء 3 فبراير 2021 - 7:59 م
بتوقيت القاهرة
إحدى نتائج الإحصاء لعام 2017 أن مصر بها الملايين من الشقق غير المسكونة، منها ما يزيد على مليون ومائتى ألف وحدة فى القاهرة وحدها وهو ما قد يكفى حاجة سكان المدينة من المساكن لأعوام قادمة (ربما لما بعد 2030 طبقا لبعض الدراسات). وتشير زياراتى لبعض المناطق ومنها غير الرسمية فى القاهرة ودراسات أولية أجراها طلبتى إلى معقولية هذا التقدير. وتوضح تلك الأرقام أن التحدى الأول للتعامل معه هو كيفية تحويل المساكن القائمة سواء المشغولة أو غير المشغولة إلى مستوى أفضل يلبى احتياجات وتطلعات ساكنيها ويتعامل مع التحديات التى يواجهها المجتمع.
وتوفير الطعام الكافى والآمن للسكان عامة سواء فى الريف أو فى المدن حيث تقل مصادر إنتاج الطعام ــ هو أحد أكبر التحديات التى تواجهها المدن حاليا وفى المستقبل القريب. ويتطلب مواجهة هذا التحدى البحث عن أماكن وأراضٍ لزراعة الخضراوات والأنواع المختلفة من الطعام فى بيئتنا العمرانية. وبالرغم من بداية تجارب زراعة الأسطح فى مصر منذ التسعينيات إلا أنها لم تحقق النجاح المنشود كما نفتقد الدراسات التى تقيم تلك التجارب وربما تساعدنا على التغلب على أسباب عدم النجاح ونشر التجربة.
هل فى ربط التعامل مع مشكلة المسكن وتوفير الطعام معا زاوية أخرى يمكن من خلالها تحسين نوعية بيئة السكن وربما زيادة قيمته الاقتصادية أيضا بالإضافة إلى تحويل تلك المساكن إلى إنتاج ما ينقصنا من الطعام بصورة تضمن النجاح للناحيتين. كانت تلك الفرضية الأولية التى أردت اختبارها مع طلبتى. وقدرت أنه لكى يكون هذا توجها مستداما فيجب عليه أيضا أن تكون له فوائد متعددة أخرى حتى يكون مغريا بالنسبة للسكان. وكان لابد أن نبدأ من المياه التى تتطلبها الزراعة وتوفيرها بدون زيادة الطلب على المياه المتوافرة بالمسكن. ولهذا كان من المهم دراسة كيفية تدوير جزء من المياه المستخدمة فى المسكن وخاصة فى أحواض الصرف من خلال ربما تقنية بسيطة يمكن إدخالها فى المساكن بدون تكلفة كبيرة والتى تستطيع توفير حتى من 40% من المياه المستهلكة من خلال إعادة تدويرها للاستخدام فى الحمامات وغيرها من الاستخدامات التى لا تطلب جودة مياه الشرب. ويسمح هذا التوفير بتوجيه جزء كبير من المياه لزراعة بعض ما نحتاجه من خضراوات وربما قد ينتج عن ذلك أيضا توفير بسيط فى احتياجات المسكن الكلية من المياه. ووجدنا أيضا أنه بدعم من دراسات وتجارب سابقة يمكن تدوير جزء كبير من المخلفات العضوية الخضراء وتحويلها إلى سماد عضوى يتم استخدامه فى الزراعة بما يقلل من مشكلة المخلفات العضوية ويفيد المزروعات. كما ركزنا على المنطقة التى تقابل المسكن من الشارع من حيث زراعة الأشجار الأصلية والنباتات البرية التى تدعم التنوع الطبيعى والتى بالتالى تساعد فى إيجاد بيئة أفضل للسكان والمزروعات. وقام كل فريق صغير من الطالبات والطلبة باختبار إمكانية التحول تلك من خلال التعامل مع مسكنه. واهتم كل عضو فى الفريق بمنطقة محددة من مسكن أحدهم ودرسها بعناية وخاصة السقف أو البلكونة أو الفتحات أو المساحة بين البيت والشارع.
***
وبالتوازى مع هذا الانشغال وحتى نبعث فى التعليم عن بعد بعضا من الواقعية اقترحت أن يقوم كل طالب أو طالبة باختيار أحد أنواع الخضروات التى من الممكن زراعتها فى بيوتهم وقمنا بعمل قائمة أولية شملت نحو عشرين نوعا من الخضروات والعشبيات وغيرها مع قيامهم بعمل متابعة موثقة بحالة النبات والتعامل مع المشكلات التى تواجههم وذلك لتحفيز الطلاب وتشجيعهم لاكتساب معرفة مباشرة تمكنهم من التفكير بصورة أعمق فيما يقومون به.
بدأ الفريق أولا بتحليل وفهم الموقع من وجهة نظر إيكولوجية كما بدأوا بدراسة منظومة الطعام بدء من الزراعات وأوقاتها ومحتوياتها الغذائية إلى الطهو وربط ذلك بالدراسات الحديثة عن الطعام والغذاء المستدام ومكوناته. كما درسوا منظومة المياه بالمسكن وكيفية تعظيم الاستفادة منها. ودرسوا أيضا منظومة المخلفات وكيف يمكن التعامل معها. وتعرفوا بصورة أولية لما يعنيه التنوع الطبيعى وخاصة فى المدن. وأخيرا نظروا للبعد الاجتماعى لإنتاج الطعام ومشاركته وكيف يمكن الاستفادة منه للمساندة بين الجيران.
تناولنا أيضا المواد المستدامة التى يمكن استخدامها فى صناعة الأوعية الخاصة بالزراعة كما درسنا الأبعاد الاقتصادية للزراعة الحضرية والتى لا تستهدف كل أنواعها تحقيق الربح الاقتصادى ولكن بعضها يهدف لتوفير الاحتياجات الأساسية للساكنين والبعض الآخر له أهداف اجتماعية وتعليمية بالإضافة لتوفير الإنتاج مثل تحويل الحدائق بين المساكن إلى أماكن للإنتاج الزراعى بينما يستهدف نموذج ثالث الربح من خلال الزراعة الحضرية الكثيفة والتى تتطلب استثمارات ولكنها ممكن أن تكون مربحة وقدرت بعض الدراسات أنها من أكثر الأنشطة نموا الآن فى العالم.
***
نحن ما زلنا فى بداية محاولة الانتقال من التعامل مع مشاكلنا بصورة أحادية أو منعزلة فمثلا عندما نتعامل مع السكن نركز على توفير أعداد المساكن والمساحات فقط ونحاول أن ننتقل للتعامل مع التحديات التى نواجهها فى المدينة بصورة مركبة ومتعددة الأبعاد وهذا أقرب للطبيعة المركبة للحياة على الأرض وتداخل الارتباطات بين النواحى المختلفة فيها. ربما يكون ما توصل إليه الطلاب والطالبات تصورا أوليا وبعض ما أنتج يمثل بداية جيدة للتعامل مع تحدى توفير الطعام الصحى لجميع سكان المدينة فى نفس الوقت الذى نهتم به بالبيئة التى يعيشون فيها ونعمل على تطويرها. ونأمل أن يكون هذا بداية لتأسيس مختبر للزراعة الحضرية يتمكن فيه الطلاب والباحثون من تخصصات مختلفة دراسة وتحليل الخبرات السابقة فى مصر وتقديم نماذج ومشروعات تجريبية يمكن أن تساعدنا فى التقدم بعض الخطوات نحو تعامل أكثر جدية وواقعية مع التحديات المركبة والمترابطة التى نواجهها حتى نتقدم خطوات للأمام. فى العام القادم نحتاج للعمل مع خبراء فى الزراعة كى نطور ابتكارات يمكن تنفيذها محليا وأيضا بحاجة للعمل مع خبراء مياه لتطوير التقنية المستدامة ومنخفضة التكاليف لتدوير المياه كما نحتاج أيضا لخبراء فى تقنيات مستدامة متطورة لتحويل المخلفات العضوية فى بيوتنا لسماد. نحتاج أيضا لتطوير معرفة وتقنيات المواد المستدامة التى يمكن أن نستخدمها ونحتاج أيضا للتعلم من التجارب العالمية الملائمة لنا وخاصة الرؤية الخاصة بمدينة «ليما» عاصمة دولة بيرو والتى كتبت عنها فى مقال سابق وذلك حتى يمكننا المضى قدما لبناء مساكن مستدامة فى مدننا المصرية أكثر ملائمة للعيش وفى نفس الوقت توفر لساكنيها جزءا هاما من الطعام الصحى الضرورى لدعم فرص الإنسان فى السعى لتحقيق تطلعاته.
مساكن شارعى في 2030.. عمل سلمى عبد الوهاب، ميار محيي، ميادة طلعت، وهدير قطب.