اتجاهات ترامب فى التعاطى مع قضايا الشرق

إيريني سعيد
إيريني سعيد

آخر تحديث: الأحد 2 فبراير 2025 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

قراءة سريعة لخطاب الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب خلال مراسم تنصيبه والتى جرت فى 20 يناير الماضى، يبرز جيدًا عدم تطرقه إلى الشرق الأوسط رغم حديثه عن المحيط الإقليمى بالنسبة للولايات المتحدة سواء كندا والمكسيك أو حتى بنما والدنمارك، وهو ما يؤشر على انتواء ترامب عدم وضع الشرق ضمن أولوياته وبالرغم من الصراعات الدائرة، وربما المتورطة فيها الحليفة الأكبر والأهم للدولة الإمبريالية، ما يعكس عدم اكتراثه بالمنطقة صاحبة التقلبات الجيوسياسية، وربما يبدو أن التفاهمات والتى جرت ما بين نتنياهو وترامب، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق فى غزة، عقب عام وأكثر من فشل المفاوضات، ورغم جهود الوسطاء، يبدو أنها شملت بعض المكاسب لزعيم دولة الاحتلال، فى المقدمة طبعا عدم العصف بنتنياهو سياسيًا وجنائيًا، وضمان استمرار حكومته اليمينية المتطرفة.

غير أن الضفة الغربية وما يجرى بها من ممارسات دولة الاحتلال، تبرز أن التوجه ناحية الضفة يتماهى جيدًا واستدعاء صفقة القرن من قبل الرئيس الأمريكى، بل يبرز بالأكثر أن الضفة جاءت ضمن ترامب والموجهة لنتنياهو، على خلفية انصياعه لاتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن مشهد غزة وما يجرى فيها، كشف عن اتجاه ترامب ناحية الشرق، وإصراره على صياغة معادلة تفتقر ضمن أبرز أطرافها للسلام والحتمى للمنطقة المتعثرة، وكما اتجهت معظم التحليلات، فإن التعويل على ترامب كان فى التهدئة أو التسكين حسبما برز فى وقف إطلاق النار، إلا أن استدعاء صفقة القرن اعتبر واردًا، ليؤكدها الرئيس الأمريكى الجديد عبر تصريحاته والمتعلقة بإمكانية تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وإن جاء الرد المصرى حازمًا وواضحًا بعد القبول، وهو ما كان متوقعًا على اعتبارات عدة فى مقدمتها طبعًا عدم تقويض القضية الفلسطينية، والأهم السيادة المصرية والنظام السياسى المستقر، والذى لا يستقيم معه أية إملاءات أو توجيهات من أحد.

يبدو أن حدة تصريحات ترامب برزت عقب المرحلة الأولى من تبادل الأسرى الإسرائيليين، واستلام قوات الاحتلال بعض المجندات واللاتى يمثلن أهمية خاصة للكيان، وذلك بالرغم من استراتيجيته المسبقة تجاه الشرق، والتى برزت فى وعود مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بالعمل على إنهاء الصراع فى الشرق الأوسط من أجل تحقيق السلام، وبحسب ويتكوف «سنواصل العمل على تنفيذ وعد الرئيس ترامب بإطلاق سراح كل الرهائن فى غزة»، وفى ضوء رؤية ترامب للسلام فى الشرق، وهى التى قيل عنها إنها تتوافق مع احترام سيادة الدول، وأن لكل دولة الحق فى تقرير المصير، وبالرغم أيضًا من أن كل التخوفات كانت من نتنياهو وأن التوقعات اتجهت إلى أن تقويض أية اتفاقات هو الذى سيعمل على إفشالها.

تبرز إخفاقات ترامب واضحة فى مبتدئ قراراته تجاه المنطقة، وهو ما ينذر بإخفاقات متتالية تجاه بقية إشكاليات المنطقة والمتورط فيها الحليف الأهم للرئيس الأمريكى، إن كانت لبنان الملتهبة فى الجنوب، وإن نجحت واشنطن فى تمديد وقف إطلاق النار، أو سوريا والتى ما زالت لا تعرف أين وجهتها، خصوصًا مع تعثر الامتثال السياسى والدستورى المفترضين تماشيًا مع النظم السياسية الديمقراطية والمعاصرة، وثمة عدة من المصالح كان على الرئيس الجديد مراعاتها فى المقدمة المصالح الأمريكية العربية بالمنطقة، وأن أبرز تحديات ترامب -وهنا المقصود الإرهاب- لن يدفعها عن واشنطن سوى المنطقة، فإذا أشعل ترامب المنطقة، فوقتها لن يكون فى مقدور أى قوة من اجتثات جذوره، وعليه جيدًا دراسة مقربات حربى العراق وأفغانستان، سيما فى ضوء العودة الإيرانية المرتقبة والتحالف الجيوسياسى والذى تعمل على صياغته عبر عودة قوية للعلاقات فيما بينها وبين حركة طالبان، وعقب عقود من الشد والجذب، ومن ثم عودة الأذرع الخافتة من جديد، وربما عقب هيكلة وإعداد الكوادر وتنظيم الصفوف، خصوصا أن إسرائيل وعقب عام وأكثر من التحرك بأعتى المعدات العسكرية منتهجة كل أطر الممارسات الإجرامية لم تتمكن من تحقيق أية أهداف، بل إن الحياة عادت إلى غزة بعودة سكان الشمال إلى ديارهم، بالمناسبة فنفس هذه الأهداف وأهمها القضاء على المقاومة، هى نفس أهداف واشنطن، والتى ترغب أول ما ترغب فى ضمان عدم توريد الجماعات المتطرفة إلى داخلها، وأن الرؤية الجمهورية المحافظة تتفق والرؤية اليمينية المتطرفة.

بإمكان ترامب صياغة الحلول، وأن يدفع بالتوافقات والتفاهمات ما بينه وبين الكيان، فى ضوء مشاركة المنطقة العربية فى إرساء الحل الجذرى بحل الدولتين وإقامة فلسطين على حدود ما قبل 1967، وهو ما سيُضاف إلى تاريخه ويحسب له، خصوصًا أن الداخل الإسرائيلى -خصوصًا أهالى الأسرى والمحتجزين- مهيأ لأية عملية تفاوضية تضمن سلام تل أبيب وعدم سريان كرة النار إلى داخلها، سيما عقب معاصرته لتداعيات طوفان الأقصى وغياب مفاهيم الأمن، وعن الحكومة اليمينية المتطرفة، فانقساماتها الداخلية، كفيلة بالقضاء عليها، حتى أن عمرها الافتراضى انتهى، وحتمًا ستتم الدعوة لانتخابات مبكرة، ثم أنه كيف تتماشى هذه السياسات التصادمية من قبل الرئيس الأمريكى الجديد، وارتداداتها على توجه ترامب الأهم «أمريكا أولًا» وما يقتضيه نفس التوجه من ازدهار الدولة الإمبريالية، كيف يستقيم نفس التوجه والصراعات المتأججة بالشرق، السلام والاستقرار لا يتجزآن، إما أن يعما ويسودا العالم بأكمله، أو أن يسود عكسهما من الفوضى وغياب الاستقرار العالم كله أيضًا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved