عيد وطنى (National Day) جديد لمصر
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 2 مارس 2011 - 9:44 ص
بتوقيت القاهرة
رغم احتفال الدول بالكثير من المناسبات والأعياد القومية ذات الدلالات المهمة فى تاريخها، يبقى اليوم الوطنى للدولة (National Day) الأهم لما يتمتع به من دلالات سياسية ورمزية ومعنوية كبيرة.
وباستثناء الدنمارك، اختارت دول العالم يوما ليكون عيدا رسميا للدولة. وتختار الكثير من الدول الحديثة، والتى عانت من الاستعمار الأوروبى، خاصة تلك الواقعة فى إفريقيا، يوم تحريرها ليكون عيدا وطنيا للدولة. كذلك تحتفل دول القارتين الأمريكيتين، باستثناء كندا، بأعيادها الوطنية فى ذكرى تاريخ نهاية الحقبة الاستعمارية والحصول على الاستقلال من الدول التى اكتشفتها. ومن أهم هذه الدول الولايات المتحدة التى يوافق عيدها الوطنى يوم الرابع من يوليه، ذكرى الاستقلال عن التاج البريطانى عام 1776، والبرازيل، التى تحتفل بعيد استقلالها عن البرتغال يوم السابع من سبتمبر عام 1822.
أما الدول الملكية فيتغير يوم عيدها الوطنى كثيرا، إذ تختار أغلب الملكيات أن يكون هذا العيد موافقا ليوم مولد أو جلوس الملك أو الملكة، وعليه يتغير العيد الوطنى كلما تولى العرش ملك أو ملكة جدد. وبعض الدول الاتحادية تحدد يومها الوطنى مع ذكرى توحيدها مثل الثانى من ديسمبر عام 1971 فى حالة الإمارات العربية المتحدة.
وهناك العديد من الدول لها علاقة خاصة ومختلفة مع يومها الوطنى، فألمانيا اختارت من يوم الوحدة، يوم إعادة توحيد الألمانيتين فى الثالث أكتوبر عام 1990 عيدا وطنيا لها، أما جنوب أفريقيا فقد اختارت يوم الحرية الموافق 27 أبريل 1994، وهو اليوم الذى صوت فيه للمرة الأولى المواطنون السود والبيض على قدم المساواة فى انتخابات حرة وعادلة. وهناك بعض الدول اختارت ذكرى إقرار الدستور ليمثل اليوم الوطنى كما حدث مع سلوفاكيا والنرويج.
أما الدولة المصرية فلم تختر يوم الاستقلال الرسمى عن بريطانيا (22 فبراير 1922) يوما وطنيا، ولم تختر كذلك يوم استكمال جلاء القوات البريطانية عن مصر (19 أكتوبر 1954) يوما وطنيا، ولم تختر عيد النصر (23 ديسمبر 1956) عندما انتصرت القوات المصرية والشعب المصرى على قوات العدوان الثلاثى (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، واستكمل تحرير الأراضى المصرية من أى احتلال أجنبى.
وعلى مدار سنوات الجمهورية المصرية الأولى (1952 ــ 2011) اختارت الدولة المصرية أن تحتفل بالعيد الوطنى بما يخلد ذكرى حركة 23 يوليه. ومنذ قيام الضباط الأحرار بحركتهم بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، وانتهاء بتنحى آخر رؤسائها، حسنى مبارك الشهر الماضى، مثل تاريخ 23 يوليه مصدرا لشرعية نظم الحكم المصرية. واكتسب رؤساء مصر الأربعة السابقون شرعية استمدت من شرعية حركة الجيش والتى نالت تأييد أغلب فئات الشعب المصرى حينذاك. فعندما تحرك الجيش، وأعلن عن أهداف تحركه يمكن تلخيصها فى إقالة الملك فاروق، وعقد مفاوضات جادة مع الانجليز لإخراجهم من مصر، وإقامة حياة ديمقراطية للشعب المصرى، وتأسيس جيش وطنى قوى قادر على الدفاع عن تراب الدولة المصرية، إضافة إلى تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية بالقضاء على الإقطاع ونظام الباشوات وإعادة توزيع الثروة الزراعية على فلاحين مصر، عبرت أغلب فئات الشعب المصرى عن تأييدها لهذه المطالب، وأضفت شرعية ضرورية على حركة الضباط.
ومنذ ذلك الوقت لعب تاريخ 23 يوليه دورا ملهما لحكام مصر، والتزم بمبادئها كل الرؤساء المصريين. ونتيجة لشرعية حركة يوليه، جاء الرؤساء الأربعة لمصر من المؤسسة العسكرية المصرية المشهود لها بالوطنية الشديدة. وخلال هذا الظروف كان طبيعيا أن يعكس اليوم الوطنى لمصر هذه الحقائق.
أما الجمهورية المصرية الثانية، والتى أرى أنها بدأت بنجاح ثورة 25 يناير الشعبية، واتجاهها لتأسيس جمهورية مصرية مدنية، خاصة مع إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن الجيش لن يرشح أيا من قادته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتأكيد مسئول كبير فى الجيش المصرى هذا التوجه بقوله «لن يكون هناك مرشح للرئاسة من المؤسسة العسكرية». ويمثل نجاح ثورة 25 يناير إيذانا بتأسيس شرعية جديدة تنهى شرعية الحكم المستمدة من حركة 23 يوليه، وتضع الأساس لشرعية شعبية استجاب لها ولمطالبها الجيش، ووعد بحمايتها. ويعد إشراف الجيش على انتقال مصر إلى ديمقراطية حقيقية جديدة ما يشير إلى اعتراف منه بسقوط نظام حكم، وسقوط مصدر شرعيته التاريخية، وبدء نظام حكم جديد يستند إلى شرعية مختلفة.
الجمهورية المصرية الثانية لن تستمد شرعيتها من تراث حركة 23 يوليه، ولا من أفكارها النبيلة. شرعية السلطة المصرية الجديدة تستند إلى مطالب شعبية تتطلع إلى ديمقراطية وحرية وعدالة ودستور عصرى. ثورة شعب مصر نقلت شرعية الحكم فى مصر من سلطة رئاسة الدولة إلى سلطة الشعب، والجيش اختار أن يقف مع الشرعية الشعبية الجديدة، بل يوفر لها الحماية اللازمة.
خروج جميع فئات الشعب المصرى ثائرا كان وضعا لا مثيل له فى تاريخنا الطويل، والثورات تقوم بهدف واحد وهو إحداث التغيير أو حتى فرضه. وبما أن الثورة المصرية جعلت من الشعب المصرى مصدرا لشرعية كل القوى السياسية بما فيها القوات المسلحة، لذا فالتغيير واجب الآن.
تغيير اليوم الوطنى لمصر لا يمثل أى إهانة أو تقليل من شأن ذكرى 23 يوليه، بل يمثل فهما واعترافا بواقع جديد. لقد قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتقديم رسائل تطمئن العالم الخارجى على توجهاته والتزامه بالاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر. والآن هناك فرصة أمام المجلس الأعلى ليقدم رسالة تطمين جادة ومهمة لشعب مصر وثورتها بالمبادرة بتغيير العيد الوطنى ليمثل اعترافا عمليا وحقيقيا بالثورة وبنجاحها، وهو ما سيكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة تعكس واقعا جديدا فى تاريخ مصر المعاصر.
وباستثناء الدنمارك، اختارت دول العالم يوما ليكون عيدا رسميا للدولة. وتختار الكثير من الدول الحديثة، والتى عانت من الاستعمار الأوروبى، خاصة تلك الواقعة فى إفريقيا، يوم تحريرها ليكون عيدا وطنيا للدولة. كذلك تحتفل دول القارتين الأمريكيتين، باستثناء كندا، بأعيادها الوطنية فى ذكرى تاريخ نهاية الحقبة الاستعمارية والحصول على الاستقلال من الدول التى اكتشفتها. ومن أهم هذه الدول الولايات المتحدة التى يوافق عيدها الوطنى يوم الرابع من يوليه، ذكرى الاستقلال عن التاج البريطانى عام 1776، والبرازيل، التى تحتفل بعيد استقلالها عن البرتغال يوم السابع من سبتمبر عام 1822.
أما الدول الملكية فيتغير يوم عيدها الوطنى كثيرا، إذ تختار أغلب الملكيات أن يكون هذا العيد موافقا ليوم مولد أو جلوس الملك أو الملكة، وعليه يتغير العيد الوطنى كلما تولى العرش ملك أو ملكة جدد. وبعض الدول الاتحادية تحدد يومها الوطنى مع ذكرى توحيدها مثل الثانى من ديسمبر عام 1971 فى حالة الإمارات العربية المتحدة.
وهناك العديد من الدول لها علاقة خاصة ومختلفة مع يومها الوطنى، فألمانيا اختارت من يوم الوحدة، يوم إعادة توحيد الألمانيتين فى الثالث أكتوبر عام 1990 عيدا وطنيا لها، أما جنوب أفريقيا فقد اختارت يوم الحرية الموافق 27 أبريل 1994، وهو اليوم الذى صوت فيه للمرة الأولى المواطنون السود والبيض على قدم المساواة فى انتخابات حرة وعادلة. وهناك بعض الدول اختارت ذكرى إقرار الدستور ليمثل اليوم الوطنى كما حدث مع سلوفاكيا والنرويج.
أما الدولة المصرية فلم تختر يوم الاستقلال الرسمى عن بريطانيا (22 فبراير 1922) يوما وطنيا، ولم تختر كذلك يوم استكمال جلاء القوات البريطانية عن مصر (19 أكتوبر 1954) يوما وطنيا، ولم تختر عيد النصر (23 ديسمبر 1956) عندما انتصرت القوات المصرية والشعب المصرى على قوات العدوان الثلاثى (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، واستكمل تحرير الأراضى المصرية من أى احتلال أجنبى.
وعلى مدار سنوات الجمهورية المصرية الأولى (1952 ــ 2011) اختارت الدولة المصرية أن تحتفل بالعيد الوطنى بما يخلد ذكرى حركة 23 يوليه. ومنذ قيام الضباط الأحرار بحركتهم بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، وانتهاء بتنحى آخر رؤسائها، حسنى مبارك الشهر الماضى، مثل تاريخ 23 يوليه مصدرا لشرعية نظم الحكم المصرية. واكتسب رؤساء مصر الأربعة السابقون شرعية استمدت من شرعية حركة الجيش والتى نالت تأييد أغلب فئات الشعب المصرى حينذاك. فعندما تحرك الجيش، وأعلن عن أهداف تحركه يمكن تلخيصها فى إقالة الملك فاروق، وعقد مفاوضات جادة مع الانجليز لإخراجهم من مصر، وإقامة حياة ديمقراطية للشعب المصرى، وتأسيس جيش وطنى قوى قادر على الدفاع عن تراب الدولة المصرية، إضافة إلى تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية بالقضاء على الإقطاع ونظام الباشوات وإعادة توزيع الثروة الزراعية على فلاحين مصر، عبرت أغلب فئات الشعب المصرى عن تأييدها لهذه المطالب، وأضفت شرعية ضرورية على حركة الضباط.
ومنذ ذلك الوقت لعب تاريخ 23 يوليه دورا ملهما لحكام مصر، والتزم بمبادئها كل الرؤساء المصريين. ونتيجة لشرعية حركة يوليه، جاء الرؤساء الأربعة لمصر من المؤسسة العسكرية المصرية المشهود لها بالوطنية الشديدة. وخلال هذا الظروف كان طبيعيا أن يعكس اليوم الوطنى لمصر هذه الحقائق.
أما الجمهورية المصرية الثانية، والتى أرى أنها بدأت بنجاح ثورة 25 يناير الشعبية، واتجاهها لتأسيس جمهورية مصرية مدنية، خاصة مع إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن الجيش لن يرشح أيا من قادته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتأكيد مسئول كبير فى الجيش المصرى هذا التوجه بقوله «لن يكون هناك مرشح للرئاسة من المؤسسة العسكرية». ويمثل نجاح ثورة 25 يناير إيذانا بتأسيس شرعية جديدة تنهى شرعية الحكم المستمدة من حركة 23 يوليه، وتضع الأساس لشرعية شعبية استجاب لها ولمطالبها الجيش، ووعد بحمايتها. ويعد إشراف الجيش على انتقال مصر إلى ديمقراطية حقيقية جديدة ما يشير إلى اعتراف منه بسقوط نظام حكم، وسقوط مصدر شرعيته التاريخية، وبدء نظام حكم جديد يستند إلى شرعية مختلفة.
الجمهورية المصرية الثانية لن تستمد شرعيتها من تراث حركة 23 يوليه، ولا من أفكارها النبيلة. شرعية السلطة المصرية الجديدة تستند إلى مطالب شعبية تتطلع إلى ديمقراطية وحرية وعدالة ودستور عصرى. ثورة شعب مصر نقلت شرعية الحكم فى مصر من سلطة رئاسة الدولة إلى سلطة الشعب، والجيش اختار أن يقف مع الشرعية الشعبية الجديدة، بل يوفر لها الحماية اللازمة.
خروج جميع فئات الشعب المصرى ثائرا كان وضعا لا مثيل له فى تاريخنا الطويل، والثورات تقوم بهدف واحد وهو إحداث التغيير أو حتى فرضه. وبما أن الثورة المصرية جعلت من الشعب المصرى مصدرا لشرعية كل القوى السياسية بما فيها القوات المسلحة، لذا فالتغيير واجب الآن.
تغيير اليوم الوطنى لمصر لا يمثل أى إهانة أو تقليل من شأن ذكرى 23 يوليه، بل يمثل فهما واعترافا بواقع جديد. لقد قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتقديم رسائل تطمئن العالم الخارجى على توجهاته والتزامه بالاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر. والآن هناك فرصة أمام المجلس الأعلى ليقدم رسالة تطمين جادة ومهمة لشعب مصر وثورتها بالمبادرة بتغيير العيد الوطنى ليمثل اعترافا عمليا وحقيقيا بالثورة وبنجاحها، وهو ما سيكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة تعكس واقعا جديدا فى تاريخ مصر المعاصر.