محاضرة مايكل هدسون السياسات العربية عقب الثورات
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 2 مارس 2014 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
ألقى مايكل هدسون مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة والأستاذ الفخرى بجامعة جورج تاون، محاضرتين فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الأولى بعنوان «السياسات العربية عقب الثورات: «البحث عن الشرعية»، تناول خلالها هدسون الباحث بشئون مصر والشرق الأوسط عددا من القضايا المحيطة بالوضع الحالى فى مصر، مشيرا إلى الدور الضئيل للإسلاميين فى الثورات العربية (على حد تعبيره)، ملمحا إلى احتمالية أن تكون مصر بمثابة المحفز لزوال الأنظمة الاستبدادية العربية الأخرى من حيث ما تمر به من تغييرات سريعة ومتتالية.
كما أشار هدسون إلى أزمة مشروعية الدولة الحديثة، حيث إنها تمثل العقدة المركزية فى الرابطة بين الحاكم والمحكوم، وقال: «إن مشكلة المشروعية فى العالم العربى هى فى الأساس نفس المشكلة التى تواجه تقريبا غالبية الدول الحديثة والمستقلة فى أزمنة قريبة، حيث تنشأ المشروعية اذا وجدت «السلطة، والهوية، والمساواة»، والشعب داخل الحيز الجغرافى للدولة يجب أن يكون لديه احساس بالمجتمع السياسى». وأضاف هدسون قائلا: «إن تشكيل مشروعية سياسية للسلطة تقتضى استيعاب التضامن الجماعى المتميز باعتباره محورا ضروريا للنظام السياسى الشرعى، حتى لا تكون الحياة السياسية عرضة للعنف بدون الهياكل السياسية السلطوية الممنوحة الحق والفاعلية». وعن رؤيته للمساواة، يقول هدسون: «إن المساواة هى المتطلب الثالث للشرعية السياسية، فشلها فى العالم العربى، لا يلغى اهميتها. وإن أفكارا من قبيل الحرية والديمقراطية والمساواة هى اليوم معايير أساسية للنظام السياسى الشرعى فى العالم العربى، مع أنها للأسف مازالت بعيدة عن حيز التنفيذ».
كما قارن هدسون بين الصيغة القديمة للمشروعية أيام جمال عبدالناصر، وما تنطوى عليه تلك الفترة من الدولة البيروقراطية العسكرية، والديمقراطية الإجرائية، وتنمية العروبة، وبين صيغة المشروعية الجديدة المطلوب التوجه إليها، والتى تتضمن ادماج الطبقات المهمشة والفقيرة، وكذلك إدماج الشباب فى العملية السياسية، مؤكدا أن ذلك يتطلب ضرورة وجود القيادة المستنيرة، وتطبيق الحوكمة، والشفافية فى اتخاذ القرارات،وهو ما تعانى مصر من فقدانه. وحذر هدسون من اختفاء الهوية المدنية نتيجة للصراعات والطائفية (سنة وشيعة) وكذلك الانتماءات المختلفة. ويرى أن المنفذ الوحيد الذى يمكن به استعادة الهوية هو من خلال التوجه إلى القومية الليبرالية. كما أشار إلى القضية الفلسطينية والتى تشغل بال العرب فى كل وقت مع اختلاف الآراء والتوجهات فى كيفية حلها.
وفى نهاية المحاضرة الأولى، اختتم هدسون كلامه بتأكيده على أهمية التوافق بين جموع الشعب المصرى لبناء المشروعية داخل مجتمع قوى وموحد، لا يسمح بتدخل الغرب أو أى أحد فى شئونه الداخلية. ومن غير المنطقى وصف ما حدث فى مصر بالانقلاب ــ على الرغم من إدعاء واشنطن بذلك ــ وقال: «كان من الممكن تجنب ذلك بانتظار نهاية الفترة الرئاسية وبدء انتخابات جديدة يتم من خلالها إقصاء هذا النظام، ولكن فى الواقع ما حدث يعتبر شرعيا، طالما يعكس إرادة الشعب. كما لاحظ هدسون حاجة المصريين للاستقرار كمطلب أساسى فى الحياة، ومع ذلك ضحوا به بقيامهم بالثورات سعيا وراء تحقيق مستقبل افضل لهم وللأجيال القادمة»، واستعان بمقولة ابى القاسم الشابى: «إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر».
أما المحاضرة الثانية فكانت بعنوان «سياسات أوباما فى الشرق الأوسط: إعادة توازن أم انسحاب؟»، تحدث خلالها عن فكرة تراجع الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط، وكقوة عظمى بشكل عام ــ وهو ما يقابل بالإنكار من قبل أمريكا باستمرار ــ وأشار هدسون إلى أن هذا التراجع جاء نتيجة لما واجهته أمريكا من أزمات مالية واقتصادية منذ عام 2008، بالاضافة إلى ثورات الربيع العربى المتتالية ــ والتى عجزت أجهزة المخابرات الأمريكية عن التنبؤ بحدوثها ــ مدللا على ذلك بأن موقف الولايات المتحدة من كل دولة على حدة لم يكن حاسما سواء بالنسبة لثورة البحرين، او اليمن وغيرها. وقال هدسون: «بالنسبة إلى مصر فإن الأمر مختلف وأكثر تعقيدا، فبعد ثورة 25يناير شهدت مصر تأييد العالم والولايات المتحدة الأمريكية، أما بعد أحداث (كما وصفها هدسون) 30 يونيو، سارعت امريكا بتأييد نظام الإخوان وكان ذلك أمرا عجيبا، واطلقت أمريكا على ما حدث مسمى الانقلاب، واتخذت قرارات سريعة بقطع بعض المساعدات، وكنتيجة لذلك حشدت امريكا غضب غالبية الشعب المصرى، وهو ما دفع روسيا لاستغلال الموقف، وبدأت فى تقديم دعمها لمصر والجيش المصرى، وهو ما ظهر فى الزيارة التى قام بها المشير عبدالفتاح السيسى لموسكو، فقد أيد بوتين فكرة ترشح السيسى للانتخابات الرئاسية القادمة بناء على رغبة الشعب المصرى».
وفى الشأن السورى، أكد هدسون أن الموقف الأمريكى كان غير حاسما.. قائلا: «أظهرت امريكا تخوفا من التدخل العسكرى وقمع نظام بشار الأسد، تفاديا لتكرار الفشل العسكرى الأمريكى فى العراق وأفغانستان، وظهرت روسيا مرة اخرى فى دور المنقذ للموقف عارضة مبادرة التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، وهو الحل الذى جنب نظام الأسد ضربة عسكرية كان من الممكن أن تلحق به الكثير من الخسائر». وألمح هدسون إلى أن هناك موجة من الغضب تنتاب الشعب الامريكى نتيجة عدم اكتراث أوباما وتقديمه الحلول للمشاكل الداخلية والاقتصادية لبلاده اولا (وهو ما كانوا يأملون به)، ثم التوجه لحل مشاكل الخارج.
ويرى هدسون أنه من السابق لأوانه الحديث عن القوة الآسيوية أو احتلال الصين لمكانة الولايات المتحدة على الرغم من الدور المتنامى للصين وروسيا فى الآونة الخيرة، وقال معللا ذلك: «هم يحتاجون الكثير من الوقت قبل أن يتمكنا من تضييق الفجوة مع أمريكا». وفى الختام أشار هدسون الى احتمال وجود نظام متعدد الأقطاب فى المستقبل، مؤكدا أنه برغم الاداء السيئ لأمريكا الآن، الا انها لاتزال قوة عظمى ولابد من التعامل معها لفترة طويلة قادمة.