دور المال الخاص فى مواجهة الأزمات
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 2 أبريل 2020 - 9:50 ص
بتوقيت القاهرة
دعنا نطرح سؤالا افتراضيا لنرى إلى أين يقودنا. ترى لو أن الحكومات فرضت على كل المنشآت الاقتصادية والمالية الكبيرة عدم توزيع كل الأرباح السنوية على مالكى تلك المنشآت، وأصدرت قانونا يلزمها الإبقاء على نسبة معقولة من الأرباح لتتجّمع سنة بعد سنة لتكوّن مصدرا ماليا احترازيا لمواجهة نتائج الأزمات الاقتصادية والمالية الحادة المؤقتة... ترى لو تمّ ذلك فهل سنتجنّب الجانب الكارثى من كل أزمة؟
إحدى إشكاليات النظام الرأسمالى هى إفرازه كل عقد أو عقدين من الزمن لمثل تلك الأزمات الكبرى، أحيانا على المستوى الإقليمى وأحيانا على المستوى العالمى. إنها إشكالية ذاتية، لم يوجد لها حل بعد، فى الأسس التى قام عليها ذلك النظام فى الماضى، والتى أصبحت أكثر تعقيدا فى النظام الرأسمالى النيوليبرالى العولمى المتوحّش الذى يحكم العالم الآن.
لكن توجد دلائل كثيرة على أن الأزمات الاقتصادية والمالية فى المستقبل لن تولدها إشكاليات النظام الرأسمالى فقط، وإنما ستسببها عوامل أخرى من مثل الأوبئة العالمية، كوباء الكورونا الذى يعصف حاليا بالعالم على المستويين الصحى والاقتصادى، أو من مثل الكوارث الطبيعية التى ستنتج من جراء تلاعب الإنسان الأحمق المتهور بالتوازنات التى قامت عليها البيئة الطبيعية عبر الملايين من السنين، وفى مقدمتها الارتفاع التدريجى لحرارة فضاء الأرض الناتج عن الصعود المتنامى لانبعاث الغازات الكربونية من جراء مختلف نشاطات ماكينة حضارة العصر الذى نعيش.
ويزداد الأمر سوءا إذا ابتلى العالم بقادة شعبويين نرجسيين جهلة يعرقلون الجهود الدولية المشتركة لمواجهة تلك الأزمات بصورة مبكرة وصحيحة.
لنعد إلى سؤالنا من جديد. لو أن الحكومات فعلت ما افترضناه ألن تستطيع أموال صناديق الاحتياط التى ستتكون إعطاء المؤسسات الاقتصادية والمالية المتعثرة إبان الأزمات، كالأزمة التى نعيشها فى هذه اللحظة، قدرة على مواجهة تلك الأزمات، سواء بالنسبة لمالكيها أو بالنسبة للعمال والموظفين العاملين فيها، حتى لا تكون هناك حاجة لقيام الحكومات باستعمال المال العام من أجل إنقاذ تلك المؤسسات؟ وفى تلك الحالة فإن الحكومات ستركز على مساعدة صغار التجار والمؤسسات الصغيرة للمجاهدة فى وجه الأزمة، كما ستركز فى الدرجة الأولى على إنقاذ الملايين من العاطلين والفقراء ومن المعتمدين على دخلهم اليومى البسيط، إنقاذهم وإنقاذ عوائلهم من الجوع والمرض والفقر واضطراب كل أسس حياتهم اليومية.
وبذلك تبقى بلايين وتريليونات المال العام كذخر وطنى عام لمساعدة الغالبية الساحقة من متضررى الأزمات، بدلا من ذهاب الجزء الأكبر منها لإنقاذ أقلية فائقة الغنى والرفاهية.
المبدأ الأساسى الأول الذى يطرحه السؤال هو ضرورة اعتماد المؤسسات الاقتصادية والمالية الفاحشة الغنى ومالكيها على جزء من مدخراتهم لمواجهة الأزمات، التى غالبا ما تكون مؤقته فى الزمن والشدّة، بدلا من اعتمادهم على مدخرات ذوى الدخل المحدود وعلى الأخص الفقراء منهم.
المبدأ الأساسى الثانى المطروح هو فى شكل سؤال: لماذا يصر الأغنياء من مالكى المؤسسات الاقتصادية والمالية على عدم الاكتفاء بجزء من أرباح مؤسساتهم السنوية البالغة الارتفاع فى كثير من الأحيان؟ لماذا لا يتنازلون عن جزء من تلك الأرباح الفاحشة لمواجهة كوارث الأزمات المتولدة من النظام الرأسمالى الذى يمارسون أو من كوارث الأمراض والطبيعة والحروب والاضطرابات الأمنية وغيرها؟ أليس من حق المجتمعات عليهم أن يشاركوا فى تحمل أعباء الأزمات؟
نحن نعلم بأن الرأسماليين وزبانيتهم من رجالات السياسة والحكم لن يقبلوا مثل تلك التصورات بسهولة. لقد تعودوا على عيشة الترف وكنز المال والاستئثار بحصة الأسد من ثروات المجتمعات، ولذلك فإن الأمل فى اتخاذ خطوات إصلاحية ذاتية من مثل هكذا أنظمة حكم سياسية هو ضعيف، ما لم يأتِ عن طريق ضغوط هائلة من قبل مؤسسات المجتمع المدنى النضالية بكل أشكالها. وهذا يستدعى انضمام الملايين من المواطنين إلى تلك المؤسسات المدنية لتكون قادرة على حمل مسئولية تاريخية آن الآوان لحملها: مسئولية إحداث تغييرات جذرية كبرى فى النظام الرأسمالى المتوحش الموبوء الحالى وفى ضبطه لجعله أكثر إنسانية وعدلا، وأقل أنانية وطمعا.
لا يمكن للعالم أن ينتقل من أزمة إلى أزمة وهو لا يفعل أكثر من الصراخ من الألم واليأس، بينما بلايينه من البشر تنظر إلى أحوالها بقلة حيلة وباستسلام لقدر هى صنعته لنفسها عندما وقفت ببلاهة أمام جبروته.