الذكاء الاصطناعى الخارق ليس قريبًا
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 2 مايو 2025 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
كلما زاد اهتمام الناس ببرمجيات الذكاء الاصطناعى للمحادثة مثل (ChatGPT ــ Gemini…) بدأ التساؤل عما إذا كنا على أعتاب الوصول إلى الذكاء الاصطناعى العام (artificial general intelligence) ثم الذكاء الاصطناعى الخارق (artificial super intelligence).
انبهار الناس ببرمجيات المحادثة يجعلها أميل إلى تصديق أن الوصول إلى تلك البرمجيات بات قريبًا، المواقع والمجلات العلمية الموجهة للعامة تغذى هذا الإحساس لأنه أكثر تشويقًا للناس وبالتالى يزيد من عدد القراء، لكن هل فعلاً نحن على أعتاب ذكاء اصطناعى خارق، وهى الخطوة التالية للذكاء الاصطناعى العام؟ هذا موضوع مقالنا اليوم.
• • •
الذكاء الاصطناعى العام هو أقرب شىء للذكاء البشرى، هو القدرة على التعلم الذاتى والاستفادة من الخبرات السابقة، ويمكنه استخدام خبرة فى مجال معين فى مجال مختلف. هذا النوع من الذكاء الاصطناعى العام يمكنه وضع أهداف لنفسه بدون تدخل البشر. هل سنشهد هذا النوع من الذكاء الاصطناعى قريبًا؟
عندما يكتب روائى رواية معينة فإنه يستخدم تجربته الشخصية ووجهة نظره ويطوع الكلمات لإظهارهما وقد يأتى بجديد فى العبارات والمواقف. الكمبيوتر لن يأتى بجديد، بل سيأتى بما تدرب عليه ويصنع تركيبات منه، وحيث إن التركيبات عددها كبير سنظن أنه يبدع لكنه لا يبدع وليست له تجربة شخصية أو رأى أو ذاكرة جمعية مع أشخاص من منطقة أو بلدة معينة. البشر يتعلمون مما يرون ويلمسون ويقرأون… إلخ، هذا ما يسميه خبراء الذكاء الاصطناعى (multi-modal learning) وهو ما بدأت فيه الأبحاث من مدة لكنه مازال بعيداً بعد المشرقين عن البشر.
الذكاء الاصطناعى الذى نعرفه اليوم هو ذكاء محدود أى تم تدريبه على عمل شىء واحد أو أشياء محدودة لكنك لا تستطيع أن تأخذ برمجيات تلعب الشطرنج وتطلب منها كتابة قصيدة شعرية مثلاً. برمجيات المحادثة يمكنها التحدث معك لكن لا يمكنها مثلاً التعامل مع البيئة المحيطة بها.
أيضًا برمجيات مثل برمجيات المحادثة لا تفهم ما يقال وتقوم فقط بمقارنة كلمات السؤال المطروح عليها بما تعلمته، وإن لم تجد شبيهًا ترد بأقرب شىء مما يجعلها «تهلوس» فى بعض الأحيان، وهذا بالطبع لا يمت للذكاء البشرى بصلة حتى وإن بدا كذلك.
• • •
البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعى يمكنها تحليل الجمل والكلمات، بل وحتى الأصوات والفيديوهات واستنتاج إحساس المتحدث والتعامل تبعًا لهذا الاستنتاج، البرمجيات أيضًا تستطيع خلق صور وفيديوهات غير حقيقية لكن تبدو حقيقية جدًا، هذا كله جميل ومبهر ومدهش لكنه تطور طبيعى للبرمجيات ولا يقترب حتى من الذكاء الاصطناعى العام، ناهيك عن الذكاء الاصطناعى الخارق.
• • •
هناك نقطة نغفلها عند التحدث عن مستقبل الذكاء الاصطناعى. الجيل الحالى من تلك البرمجيات مبنى على تصور مبسط جدًا لطريقة عمل المخ البشرى وهى الشبكات العصبية، لكننا ما زلنا نجهل الكثير جدًا عن عمل المخ البشرى، فكيف سنصنع برمجيات تفوقه؟
بعد كل ما قلناه فإنه من الواضح أن تلك البرمجيات المتقدمة بفرض أننا استطعنا تصميمها (وهذا مشكوك فيه على الأقل فى المدى القصير والمتوسط) ستحتاج حاسبات فائقة السرعة أقوى بكثير مما نمتلكه الآن. نحن الآن فى عصر أصبح الوصول إلى أجهزة أسرع أصعب بكثير وأكثر تكلفة وأكثر استهلاكًا للطاقة. طبعًا قد يقول قائلًا فماذا عن الحاسبات الكمية التى نسمع عنها هنا وهناك؟ هذه النوعية من الحاسبات والتى قد نتحدث عنها فى مقال مستقبلى ما زالت فى طور التصميم مع وجود الكثير من المصاعب التقنية بغض النظر عما يتم نشره فى المواقع الإخبارية. أيضًا الحاسبات الكمية أسرع بكثير من الحاسبات العادية فى نوعية معينة من البرمجيات وليست كل البرمجيات، وهذا ما لا يذكرونه فى الكثير من المقالات للعامة.
تصميم الحاسبات فائقة السرعة له مصاعبه وكلما احتجنا لسرعة أكبر كانت العقبات أكبر.
•••
النقطة الأخيرة فى موضوع الذكاء الاصطناعى الخارق هى المتعلقة بالوعى والأحاسيس. هل من الممكن أن نحصل على برمجيات واعية؟ هل يمكننا أن نرى فى المستقبل برمجيات ذات أحاسيس؟ قبل أن نجيب على هذين السؤالين يجب أن نفرق بين الإحساس الفعلى وبين أن يبدو الكمبيوتر وكأن له إحساسًا، وهذا ما نراه الآن فى المحادثات بين الناس وبين برمجيات المحادثة مثل التشات جى بى تى وما شابهه. نأتى إلى السؤالين:
• هل يمكن أن نرى أجهزة كمبيوتر واعية؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال ببساطة لأنه لا يوجد تعريف للوعى متفق عليه بين علماء الأعصاب وعلماء النفس والفلاسفة. إذا بحثت على الإنترنت ستجد تعريفات مبسطة جدًا للعامة وبالتالى غير دقيقة أو شاملة، لذلك لن نندهش إذا علمنا أن هناك عددًا كبيرًا جدًا من الأبحاث المحكمة والمنشورة، بل والكتب أيضًا فى موضوع الوعى.
• هل يمكن أن نشهد أجهزة لها أحاسيس؟ الإجابة بالقطع لا. أولاً لأننا ما زلنا لا نفهم آليات المشاعر والأحاسيس فى البشر ناهينا عن نقلها للآلات. عندما تستمع إلى مقطوعة موسيقية وتعجبك لكن لا تعجبنى، كيف نفسر ذلك؟ كيف نفسر الذائقة الفنية؟ كيف نفسر مشاعر الفرحة والحزن؟ ما زلنا لا ندرى. نعرف ما يثير تلك المشاعر وكيف نتعامل معها، لكننا لا نملك إجابات كافية عن كيفية حدوثها.
الآن دعنى أسألك سؤالاً: ما الذى ستستفيده أنت كمستخدم إذا ما حصلت على جهاز كمبيوتر واع ويمتلك أحاسيس جياشة، بخلاف الانبهار والاندهاش والتسلية طبعًا؟
• • •
أما بعد فيجب أن نكون حريصين جدًا ونحن نقرأ أخبار العلم والتكنولوجيا فى المواقع والمجلات الإخبارية المختلفة، لأن أغلب تلك الأخبار تكون إما مبالغا فيها جدًا لإحداث فرقعة إعلامية، أو من أقسام التسويق والعلاقات العامة للشركات للفت الأنظار لتلك الشركة وتمييزها عن منافسيها وبالتالى قد يساعد ذلك على ارتفاع أسهمها، نرى ذلك كثيرًا فى أيامنا هذه فى الأخبار المتعلقة بالحاسبات الكمية (quantum computing) وطبعًا الذكاء الاصطناعى. ليس سهلاً ولا مطلوبًا من العامة قراءة الأبحاث العلمية المتخصصة، لكن يمكن عمل أشياء أخرى:
• من المفيد جدًا أن يزيد المتخصصون فى المجالات المختلفة من تواجدهم على وسائل التواصل الاجتماعى لإزالة اللبس فيما قد يظهر من معلومات مغلوطة أو مبالغ فيها.
• علم الدراسات المستقبلية خاصة فى المجال التكنولوجى مهم ويجب أن نهتم به، وقد سعدت بمعرفة أنه أصبح عندنا مجلة محكمة عن الدراسات المستقبلية.
• أعتقد أننا فى عصر يحتم معرفة الآراء المختلفة حتى فى التكنولوجيا واستخداماتها، لذلك من المهم عودة المناظرات العلمية لمناقشة والاستماع إلى الآراء المختلفة، وأدعو الفارئة الكريمة/ القارئ الكريم لقراءة مقال لكاتب هذه السطور بعنوان «دعوة إلى العودة لفن المناظرات» بتاريخ 22 سبتمبر 2018 فى جريدة الشروق.
للأسف كل شىء مباح فى هذا العصر الرأسمالى القاسى المعتمد على الشركات عابرة القارات طالما كان قانونيًا حتى المبالغة الشديدة فى الأخبار.