إدانة ترامب.. والافتراء على العالم الثالث

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الأحد 2 يونيو 2024 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

كلنا يعلم أن الولايات المتحدة تبذل الكثير لتحسين سمعتها حول العالم. لكن حتى الدول الأوروبية، التى يبدو أن احترامها للولايات المتحدة هو الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن، أصبحت تنظر بقلق وانزعاج إلى الانقسام المتزايد والخلل فى المجتمع الأمريكى، خاصة تدهور النظام السياسى فى البلاد منذ انتخاب دونالد ترامب عام 2016، والذى أصبح يوم الخميس الماضى أول رئيس أمريكى سابق يُدان بتهم جنائية.

شكل رد فعل كل من ترامب والساسة والبنية التحتية الإعلامية التى تدعمه تجاه الحُكم القضائى، باتهامهم الولايات المتحدة بأنها أصبحت دولة من دول «العالم الثالث»، بل اضطرارهم إلى مواجهة هيئة المحلفين، شكل كل ذلك علامة على تدهور البلاد لدرجة لا يمكن علاجها. ومع ذلك، لكى نكون واضحين، مشاكل صورة البلاد ليست مسألة ترامب وحده. ففى ظل إدارة بايدن، شاهد الكثير من العالم بذعر مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل فى هجومها على غزة، والذى يعتقد بعض اليهود المثقفين ذوى السمعة الطيبة أنه تجاوز عتبة الإبادة الجماعية! نتيجة لذلك، استخلص الجنوب العالمى أن واشنطن تلقى المحاضرات على الآخرين حول قيمة ما يسمى بالنظام القائم على القواعد، لكنها غير مستعدة للعيش بموجب هذا النظام نفسه.
ومع ذلك، الضرر الأكبر الذى لحق بصورة واشنطن كان مصحوبًا بوصول ترامب إلى المشهد السياسى. ففى عام 2015، بدأ ترامب حملته باستخدام خطاب عنصرى تماما تجاه الأشخاص المهاجرين من الدول غير البيضاء، وألقى باللوم عليهم آنذاك والآن فى تدمير الدولة. تلاعبت لغة ترامب فى كثير من الأحيان بفكرة أن الولايات المتحدة هى دولة للشعب الأبيض، وأن البيض هم من بنوها بشكل أساسى، وأن تغيير التركيبة العرقية للأمة يهدد امتيازات البيض ومستقبل بلد مبنى على هذا المبدأ.
ضاعف ترامب من خطابه المناهض لملف الهجرة عندما خرج من قاعة المحكمة فى مانهاتن ــ وهو يبدو مصدومًا بسبب إدانته يوم الخميس ــ وكذلك فى مؤتمر صحفى ملىء بالادعاءات المضطربة وغير المدعومة بالأدلة يوم الجمعة الماضى، حيث قال إن «ملايين وملايين الأشخاص يتدفقون من جميع أنحاء العالم، وليس فقط أمريكا الجنوبية؛ من إفريقيا، من آسيا، من الشرق الأوسط، يأتون من السجون، وهم يأتون من المصحات العقلية ومن مواطن مجنونة».
أما عندما نأتى إلى طريقة تعامل واشنطن مع جائحة كوفيد-19، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة كانت رائدة فى إنتاج تقنيات اللقاحات المتقدمة، لكن فوضى نظام الرعاية الصحية لديها ساهم فى الوفاة على نطاق كبير. أما فى كندا المجاورة مباشرة، كان معدل الوفيات بسبب وباء الكورونا ما يقرب من ثلث نظيره فى الولايات المتحدة الأكثر ثراء. صحيح قاد ترامب البلاد فى السنة الأولى الحاسمة من الوباء، وخلال هذه الفترة قلل من التهديد الذى شكله، إلا أنه ألقى باللوم على الآخرين فى انتشاره، وسخر من العلماء، وروج للعلاجات المزيفة مثل الإيفرمكتين وحقن مواد التبييض (التنظيف)، وكان بطيئًا فى تسريع وتيرة التوزيع العالمى للقاحات.
الأهم من ذلك، أنه من خلال تشجيع التمرد فى 6 يناير2021، انخرط ترامب فى نفس النوع من النشاط الذى طالما حاضر الخطاب المؤيد للديمقراطية فى الولايات المتحدة ضده فيما يسمى بالعالم الثالث. فقبول الهزيمة فى صناديق الاقتراع والتداول السلمى للسلطة هما من المبادئ المميزة للحياة الديمقراطية، لكن ترامب وأنصاره المتعصبين أصبحوا من أكثر المعارضين وبشكل صارخ على هذه الفكرة الأساسية فى عالم اليوم.
• • •
فى الحقيقة، هناك العديد من البلدان فى منطقة البحر الكاريبى وإفريقيا أفقر بما لا يقاس من الولايات المتحدة من الناحية الإحصائية، ولكنها تتعامل مع الانتخابات بشكل أكثر ديمقراطية من ترامب وأنصاره. فقد شهدت غانا، على سبيل المثال، العديد من الانتخابات الصعبة، بما فى ذلك تلك التى خسرت فيها الأحزاب الحاكمة السلطة، دون أى تمرد أو أى اضطرابات كبرى. وبعد الانتخابات التى جرت الأسبوع الماضى فى جنوب إفريقيا، يبدو أن حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الذى يحكم البلاد منذ فترة طويلة على وشك أن يخسر أغلبيته البرلمانية دون أن يتذمر.
على النقيض من ذلك، يدين ترامب كل التهم الموجهة إليه باعتبارها نكتة وظلمًا. إذ منذ صدور الحكم، اشتكى بشكل غير مقنع من أن نظام المحكمة فى نيويورك تم التلاعب به ضده. وفى الوقت نفسه، يطالب ترامب بإدخال تغييرات على قوانين البلاد تجعل من المستحيل تقريبًا اتهامه بأى جريمة فى الماضى أو المستقبل. يعكس هذا رغبة فى التمسك بالسلطة بحيث تكون خارج نطاق الضوابط الدستورية، بل يمكن للمرء أن يقول إنشاء دولة رايخ، تلك الجملة نشرها الرئيس السابق بعد ظهر يوم الإثنين الماضى فى مقطع فيديو يعرض صورًا لمقالات صحفية افتراضية تحتفل بانتصاره فى عام 2024 وتشير إلى «إنشاء رايخ موحد».
غالبًا ما يرتبط مصطلح «الرايخ» بالحكومة النازية الألمانية فى عهد أدولف هتلر، تم استخدام الجملة التى تشير إلى «إنشاء الرايخ الموحد» ثلاث مرات فى الفيديو. وجاء فيه أن «القوة الصناعية الألمانية زادت بشكل كبير بعد عام 1871، مدفوعة بإنشاء الرايخ الموحد».
بشكل عام، يعرض مقطع الفيديو الذى تبلغ مدته 30 ثانية، والذى نشره ترامب على موقع التواصل الاجتماعى الخاص به، Truth Social، العديد من المقالات المصممة على غرار الصحف من أوائل القرن العشرين . يؤكد أحد المقالات فى الفيديو أن السيد ترامب سوف يقوم بترحيل 15 مليون مهاجر ومهاجرة فى فترة ولايته الثانية، بينما يسرد النص الذى يظهر على الشاشة أيام بداية ونهاية الحرب العالمية الأولى.
من جانبها، اتهمت حملة بايدن الرئيس السابق بتقليد ألمانيا النازية من خلال نشر الفيديو، قائلة فى بيان على وسائل التواصل الاجتماعى إن الفيديو ينذر بشكل ولاية ترامب الثانية.
• • •
باختصار شديد، العالم الثالث لم يستحق قط ذلك النوع من الافتراء الذى يوجهه إليه ترامب وأشد المدافعين عنه. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تندفع نحو ذلك النوع من الدكتاتورية والخروج على القانون الذى ينسبونه بتكاسل إلى الأجزاء الأقل تقدما فى العالم، فيتحملون هم الجزء الأكبر من اللوم.

ترجمة: ياسمين عبداللطيف
مجلة فورين بوليسى
هاورد فرينش
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved