السفر عبر الزمن.. من يتذكر أينشتاين؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 2 يوليه 2025 - 8:59 م
بتوقيت القاهرة
السفر عبر الزمن أمر مستبعد، وكثيرون يعتبرونه مستحيل الحصول. فهل هو أمر غير ممكن حقًا ومجرد خرافة جذابة وأضغاث حلم غير واقعي؟
العلم لديه موقف حاسم من هذه التساؤلات، يقول بصيغة التأكيد إن السفر عبر الزمن هو احتمال قائم وممكن.. شريطة توافر متطلباته المناسبة. وهذا أمر فى منتهى الغرابة حتى إن كثيرين يعتبرونه طرحًا غير واقعى. أما الواقعية المحايدة فتقول إن ليس أغرب من السؤال إلا الجواب عنه.
لكن بعيدًا عن الجدل المنطقى فى أمر احتمالى وربما غير منطقى أساسًا، إن السفر عبر الزمن بحد ذاته هو مفهوم شيق ومثير، والانتقال من عصر إلى عصر فكرة جذابة تضخ فينا الكثير من التشويق والإثارة.
وبعيدًا من قصص الخرافة العلمية وأفلامها، فإن مختبرات الفيزياء المتقدمة لم تنصرف عن الموضوع، بل أفردت له وما تزال اهتمامًا كبيرًا، إلا أنه من المفاجئ فى موضوع غريب كالسفر عبر الزمن، ظهور اسم أحد أبرز آباء علم الفيزياء فى العصر الحديث، الألمانى المولد «ألبرت أينشتاين»، صاحب نظرية النسبية الشهيرة الذى عرفه العالم من خلالها.
وهنا تضىء المفاجأة الأولى على لوحة المتابعة لتكشف واحدة من الحقائق المذهلة وغير الشائعة وهى أن نظرية أينشتاين فى النسبية شكلت أول طرح لموضوع السفر عبر الزمن، ومثلت الإطار العلمى الأول الذى يجعل السفر عبر الزمن ممكنًا، وبالتالى يكون صاحبها أول من فتح هذا الباب أمام البشرية، واعتبره أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل فى علم الفيزياء.
أما المفاجأة الثانية، فهى حين يحملنا العالم الألمانى (الذى تخلى عن جنسيته الأساسية ليصبح أمريكيًا)، ويدخلنا فى معضلات نظريته النسبية ذاتها المعروف عنها تعسر فهمها على غير المختصين. وهذا يلزم أى راغب فى عرض المعلومة وتقديمها أن يكون حريصًا على اعتماد أهون سبل التبسيط لوصف الأفكار وتوضيحها، لا سيما أن التعابير والمصطلحات التى يعتمدها واضع النظرية لتقديم نظريته تبدو جديدة وغريبة وغير واضحة وتبعث على الحيرة.
تمدد الزمن!
لعل من أول ما يفاجئنا فى هذا المجال وأغربه هو تعبير «التمدد النسبى للزمن». وهذا مفهوم غريب بالفعل على أساس أن الساعة مثلًا التى تساوى، على ما نعلم 60 دقيقة، لا يمكن جعلها تساوى أكثر ولا أقل من هذا الرقم. إلا أن النظرية النسبية أودت بهذا المفهوم التقليدى كأنه لم يكن. وبموجبها، فإنه إذا تحرك شخص بسرعة قريبة من سرعة الضوء، فسوف يختبر الزمن بشكل أبطأ بالنسبة إليه، مقارنة بمن هم واقفون فى مكانهم على الأرض. والمعنى أن الدقيقة عنده تصبح بالنسبة إليهم بطول ساعات أو أيام أو سنوات أو أكثر. هذا ما يجعل الزمن عندهم، يتمدد، ويجعله يسافر إلى مستقبلهم.
ويشير أينشتاين إلى أن هذا ممكن نظريًا وممكن عمليًا أيضًا، إلا أنه يتطلب أولا أن يتحرك المرء بسرعات قريبة من سرعة الضوء (غير متوافرة تقنيتها ولا معروفة مخاطرها على الجسم البشرى حتى الآن)، وثانيا يتطلب مقدرة «المسافر» على تحمل تأثيرات جاذبية شديدة هائلة مثل تلك التى تتوفر بالقرب من كوكب ينطلق بسرعة الضوء أو بالقرب من أحد الثقوب السوداء فى الفضاء (وهذا لم تتم تجربته بعد).
وأينشتاين يخبرنا فى النظرية النسبية كيف أن الزمن يتأثر بالأجسام الضخمة جدًا، مثل الكواكب والثقوب السوداء. ويشرح ذلك بالقول إنه نتيجة الكتل الهائلة لتلك الأجسام وجاذبيتها الكبيرة، فإن الزمن يتباطأ بشكل ملحوظ بالقرب منها، ما يجعل من يسافر فى محاذاتها ينتقل إلى المستقبل بالنسبة إلى من هو جاثم فى مكانه على الأرض. وهذا يكون ممكنًا عمليًا عبر الاقتراب بدرجة كافية من أفق الحدث لأحد الثقوب السوداء فى الفضاء من دون أن يبتلعك، أو الاقتراب من أحد الكواكب من دون أن تقع تحت تأثير جاذبيته. فالثقب الأسود بجاذبيته الهائلة يعمل على تباطؤ الزمن، وكذلك الكوكب السائر بسرعة الضوء. ومن حيث المبدأ، فإنه من خلال الحفاظ على المسافة "الآمنة" من الثقب الأسود أو من الكوكب، يمكن للمرء السفر قرونا إلى المستقبل بالنسبة إلى مراقبين خارجيين، على الرغم من أنه قد تكون انقضت بضع ساعات أو أيام بالنسبة إلى المسافر بالزمن، وهذا هو «تمدد الزمن».
الزمكان!
يتضح من خلال ما جرى عرضه أن مبتدأ نظرية أينشتاين فى مجال السفر عبر الزمن يربط بين المكان والزمان. وهو كان أول عالم فى تاريخ البشرية المدون انتبه إلى هذا الربط وقال به. ووفقا لنظريته، فإنه كلما غادرت المكان بشكل أسرع، يصبح الوقت فى المكان الذى غادرته أبطأ.
قبل أينشتاين افترض العلماء عدم وجود صلة بين المكان والزمان. فالاعتقاد الذى كان سائدًا عمومًا يفيد بأن الفضاء المادى سلسلة ثلاثية الأبعاد مسطحة تتكون من الطول والعرض والارتفاع. لكن بناء على نظرية النسبية تمت إضافة بعد رابع هو الزمان، فصار الفضاء رباعى الأبعاد. وهنا ظهر أنموذج مفاهيمى جديد أسماه صاحبه بـ«الزمكان Spacetime» يجمع بين الأبعاد الثلاثة للفضاء مع البعد الرابع وهو الزمان. ووفقًا لأينشتاين فإن الزمكان يبين التأثيرات النسبية غير الطبيعية التى تنشأ عند السفر بالقرب من سرعة الضوء، أو بالقرب من الأجسام الضخمة فى الكون.
تجربة شخصية
بالنظر إلى تشعب الموضوع وتعقيداته العلمية، فالأفضل عرض تجربة شخصية. فمن المعروف أنه يمكن لأى مهتم أن يقتنى نوعا من المناظير مما نسميه المقراب (تلسكوب) للاستمتاع بالنظر من خلاله إلى قبة السماء. وسأعتمد من سلوكى الشخصى مثالًا للتوضيح. فأنا أتسلى بالتجول البصرى فى قبة السماء عبر تلسكوبى المتواضع، وأستمتع بمشاهدة نجوم وكواكب لا حصر لعددها. لكننى، وبفضل أينشتاين صرت أعلم أننى حين أثبت العدسة على نجمة بعينها تؤمئ بنبض نورها من الفلك القصى، فإن ما أشاهده فى الحقيقة والواقع هو ماضى هذه النجمة، وليس حاضرها الراهن. أعنى أن ما يمكن مشاهدته عبر العدسة المقربة هو حال النجمة عندما انطلق منها شعاع الضوء الذى وصلنى، وهو الشعاع الذى يكون انطلق منها ربما قبل سنة، وهذا الأرجح، قبل مئات أو ألوف أو حتى ملايين السنين.. إذ يحتاج ضوءها كى يصلنا إلى زمن طويل يتناسب مع بعد النجمة عنا. وبالنظر إلى ضخامة الفضاء وعظم اتساعه الذى لا يمكن حصره أو حتى تخيله، قد يحتاج الضوء إلى زمن طويل (يُقاس بالقرون أو ربما بالسنوات الضوئية) حتى يصلنا.
بهذا فإننا حين نرى ضوء النجمة الذى وصلنا الآن، فإننا نكون نشاهد حال تلك النجمة لحظة انطلاقة ذلك الضوء منها، أى نكون شاهدنا ماضيها وليس حاضرها. وهذا الماضى كان قائما قبل زمن طويل جدًا، ربما يقاس بالسنوات الضوئية، حيث إنه ولفرط بعدها عنا يستغرق الضوء القادم منها كل هذا الوقت للوصول.
السنة الضوئية!
المفاجأة الثالثة هى «السنة الضوئية»، هذا التعبير الذى قد نقرأه ونمر من دون تفكر بمعناه المبنى على مفهوم علاقة المسافة بالزمن. فالسنة الضوئية لا تحمل معنى الوقت أو الزمن كما هى السنة الاعتيادية، بل تشير إلى المسافة. وتساوى السنة الضوئية حوالى 9 تريليونات ونصف التريليون من الكيلومترات. وحساب ذلك ليس معقدًا. ذلك أن سرعة الضوء تبلغ 300 ألف كلم. فى الثانية. وبعملية حسابية نحصل على مقدار المسافة التى يقطعها الضوء فى دقيقة واحدة، ثم فى ساعة، ثم فى يوم، ثم فى سنة. والمعنى أنه حين يقال إن ذلك الكوكب مثلًا يبعد سنة ضوئية عن كوكبنا، فالمقصود أن المسافة التى تفصلنا عنه تساوى الرقم (الفلكى) المذكور.
هكذا فعندما نشاهد النجمة عبر التلسكوب نكون قد سافرنا إلى ماضيها وشاهدناه. أما لكى نشاهدها كما هى اليوم فعلينا أن ننتظر وصول الضوء الذى انطلق منها الآن، ما يعنى انتظاره حتى يقطع مسافة 9 تريليونات ونصف التريليون تقريبًا من الكيلومترات.
ماذا نفهم من كل ذلك؟
نفهم أننا كى نسافر عمليا عبر الزمن نحتاج إلى التحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء، ما يتطلب مقدارا هائلا من الطاقة. وكلا الأمرين ما زالا غير متاحين اليوم.
كذلك لا توجد تقنية تسمح ببناء مركبة فضائية قادرة على السفر بهذه السرعات أو تحمل الظروف القاسية بالقرب من الثقوب السوداء. وحتى لو استطعنا توفير هكذا تقنية، فإن التأثيرات الفيزيولوجية على جسم الإنسان ستكون كبيرة وفى الغالب قاتلة.
فهل السفر إلى المستقبل ممكن ذات غد.. بعد كل ذلك؟
نظريًا: نعم، إذا تمكنا من التغلب على التحديات المذكورة.
عمليًا: لا يزال هذا الأمر بعيدًا عن متناول التكنولوجيا الحالية، وقد يستغرق قرونًا أو أكثر من التطور العلمى.
محمود برى
مؤسسة الفكر العربى
النص الأصلى:
https://bitly.cx/aviWt