لها هى كوة فى جدار
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 2 سبتمبر 2018 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
تبحث المرأة فى بلادنا عن مساحة هنا أو هناك.. تسرق حتى تلك النافذة المردودة لتعانق الشمس نهارا وفى لياليها تحرسها الأقمار ونجوم ونيازك.. هى تدرك أن كل ما يسمى تطورا فى وضع المرأة لم يرق بعد لدرجة احترام آدميتها.. تبتسم طويلا نساؤنا من شواطئ المغرب عند المحيط حتى آخر موجة عند بحر العرب، ويحتفلن ببعض من نسمة تمر عبر قانون من هنا أو أخرى بعد ضغط من منظمات دولية وهيئات مجتمع مدنى.
***
اعتادت هى أن تسير خلفه رغم أنه هو الآخر قد وضع فى دائرة ضيقة وقيل له إنه حر فصدق الكذبة الكبرى فى أوطان احترف إعلامها المدجن الكذب حتى صدقه هو وأصبح مادة للسخرية والتهكم.. فى مجتمعات شطبت من قواميسها كلمة حرية وكرامة حتى تحول الجميع إلى مجرد أدوات.
هى اعتادت أن تحتفل بما يسمى انتصارات عبر قانون هنا أو توسيع المساحة التى تتحرك فيها هناك فيما بقيت غير قادرة على منح أبنائها الجنسية أو حتى أحيانا فتح حساب مصرفى لهم! عليها أن تفرح دوما بما يسمى إنجاز فى عرف أنظمة مغلقة ومنغمسة فى ثقافة الكبت، فمرة يردد ذاك صفقوا صفقوا فلقد منحن نساءنا الحق وقمنا بكذا وكذا، قائمة طويلة مما هو مسلم به فى المجتمعات الديمقراطية التى تحترم مواطنيها كلهم دون تمييز حسب الجنس أو العرق أو الطائفة! ولكن كيف لأنظمة بهذا الشكل أن تفقه وتفسر قلة الحماس الذى ينتاب الحضور عند الحديث عن مثل هذه الإنجازات المضحكة حد البكاء!
تأقلمت هى مع تناقضات مجتمعها فراحت تحتال عليه تارة وتمارس النفاق الاجتماعى أحيانا ورسم صور متعددة إحداها ما يريده المجتمع منها وأخرى يشبهها هى فقط.. هى التواقة للسير فوق الرمال حافية القدمين رافعة فستانها حتى الركبة أو ما فوقها دون أن تكون عرضة للأنظار الساخنة من ذكور يرون فيها فريسة، وشيوخ دين يرددون «ركبة بل قدم المرأة حرام حرام».
***
هى أيامها لا تشبه أيام البشر الآخرين؛ حيث تبدأ من صباحات الفجر لتمارس مهماتها كمسئولة عن الأسرة حتى لو لم تكن متزوجة وتنتهى عند ساعات الليل المتأخرة بعد أن تطمئن على آخر فرد فى الأسرة حتى ذاك الذى يقضى لياليه فى الأندية الليلية ويعود مع صياح الديكة فتصغى هى بإمعان لصوت مفتاح الباب لتغمض عينيها وتعرف بعض النوم إن استطاعت إليه سبيلا!
عندما يسوء الوضع الاقتصادى يطلب منها أن تساهم وتقتحم سوق عمل يرفضها أصلا ولا يقبل بوجودها إلا كمساعدة تجلس خلفه وتساعد مديرها فى العمل.. وتسعى يوما لنيل رضاه حتى لو كان ذلك على حساب كرامتها فهى ترى فى نظراته الكثير من القبح إن لم نقل النزق ومع ذلك تخفى ألمها بل غضبها خوفا من عقاب المجتمع أو من الفصل من العمل.. كم من امرأة ارتضت بالكثير من الغمز واللمز اليومى والنظرات الوقحة وأحيانا اللمس وغيره، كل ذلك خوفا من الفضيحة أو أن تلام هى، كما يحدث كثيرا عبر لومها على لبسها أو طريقة حديثها، ألا تلام الضحية بدلا من الجانى فى مجتمعاتنا؟
وفى نهاية يوم عمل شاق تعود إلى منزل تديره هى لتوفر الراحة لكل فرد وتسعى لتلبية كل الطلبات مهما كانت شاقة وصعبة وحين يحين موعد القرارات المصيرية فعليها أن تجلس فى الخلف تستمع إلى الرجال لأنهم ربما صدقوا أنها «ناقصة عقل ودين».
***
هى التى تتحمل الفشل لأى فرد فى العائلة فيما النجاحات هى من نصيب الأب الذى يورث أبناءه الذكاء والاجتهاد! فما النساء إلا أوعية للحمل والولادة والطبخ والنفخ والكوى والتنظيف.. انظروا الكم الهائل من الرجال المكتظين فى المقاهى الشعبية يحتسون القهوة والشاى والينسون ويلعبون الطاولة أو الورق برفقة الشيشة فيما النساء بالقرب منهم يقفن فى طوابير طويلة لتوفير وجبة اليوم وبعض «الستر» للعائلة.
هى نفسها التى تحافظ على ابتسامتها طوال اليوم وتبحث مع رفيقات مثلها، وهن كثر، عن بعض فسحة للهروب من واقع بعيد بعض الشيء عما تراه فى تلك الأفلام والمسلسلات العاطفية أو حتى فى روايات الأدب عن قصص العشق المعتق فى قلبين، وعن الحب المتجدد حتى بعد سنين الزواج.. تتذكر تلك اللحظة التى قال لها فيها «سأبقى أحبك واشتاق لك كما الآن حتى لو بلغتى الثمانين من العمر». كم كانت ساذجة ربما عندما صدقته وهو يقول سأحب كل تجعيدة على وجهك فهى إشارة لتجربة عشتيها وكل ما عشتيه جميل.. فما أن غزت التجاعيد الوجه الحسن كان هو أول من عايرها بها حتى وجدنا النساء أفواجا يزحفن إلى عيادات التجميل فأصبحن كلهن شكلا واحدا، وكأنهن دُمى خارجة من ماكينة باربى أو هيفاء وهبى لا يهم، كلهن فقدن بريقا كان فى أعينهن؛ سعيا للمحافظة على الحب الذى كان، وخوفًا من امرأة أخرى تخطف الزوج والحبيب فيتحول كل الماضى إلى محض سراب!
***
هى خديجة ومنة وفاطمة ومارلين وكوليت وزينب وزبيدة وأخريات.. إما أمهات وزوجات وأخوات أو فتيات يتعرضن إلى جانب كل هذا الكم من الانتهاك لحقوقهن إلى التحرش والاعتداء والتخويف.. لهن جميعا نحن بحاجة إلى حركة شعبية تتكاتف لتغيير هذا الواقع وإلا فلن نتطور كمجتمعات، ولن نتعلم كيف نكون مواطنين بحقوق وواجبات، ولن نعرف معنى أن تكون متساويا ليس فى الميراث والحقوق بل وفى الحب والعشق.