رفع الالتباس عن شعار الديموقراطية
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 2 نوفمبر 2022 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
يضطر صاحب الرأى أحيانا أن يقدم التوضيحات الضرورية لما يقوله أو يكتبه، خصوصا بعد أن أفسحت وسائل التواصل الاجتماعى المجال لآلاف القراء والمتابعين ليشاركوا فى مناقشة كل ما يقال ويكتب. وبالطبع فهذا حق للقراء والمستمعين يتوجب أن يدعم ويحترم ويتعامل مع ما يطرحه بجدية وإيجابية.
على ضوء تلك الخلفية دعنى أبين من جديد لشابات وشباب الأمة ما أعتبرها نقاطا مفصلية وجودية فى فهم الديموقراطية والتعامل مع تطبيقاتها فى الواقع العربى.
أولا، أن الديموقراطية فكر وتطبيق، هى سيرورة لها بداية وليس لها نهاية، لها أرضية وليس لها سقف. وحتى الآن لم يصل أى مجتمع فى العالم كله إلى الصورة المثلى المتكاملة للديموقراطية. وبالتالى فإن النضال من أجل تحقيق الديموقراطية الإنسانية العادلة سيبقى ضروريا عبر القرون القادمة على ما يبدو، لمنع تشوهها واستغلالها من قبل أقليات الوجاهة والمال والسلطة، وللارتقاء بها تدريجيا إلى الأعلى والأسمى والأشمل.
ثانيا، أن المجتمعات، بقواها وتنظيماتها المدنية كافة ومواطنيها، هى شريكة أساسية فى بناء صرح الديموقراطية وتطويرها وحمايتها. وهى مسئولة عن مواجهة كل من يحاول تشويهها أو استغلالها لمصالحه الخاصة أو إضعاف سلطتها. وإذن كل أدوات الديموقراطية، من أحزاب ونقابات وجمعيات وبرلمانات وتشريعات وحريات أساسية، يجب أن تعتبرها المجتمعات جزءا من تكوينها وملكا لها، ومن مسئولياتها الأخلاقية والحقوقية.
وعليه، فإذا وجدت أى نقائص فى تلك الأدوات لأى سبب كان فمن مسئولية المجتمعات أن تناضل لتصحيحها، لا مقاطعتها بأية صورة ولا إهمالها بأى مبرر.
ثالثا، وعليه فإن مقاطعة انتخابات البرلمانات، بسبب وجود مظالم من قبل أية سلطات، هو تخلِ عن أداة ديموقراطية، يملكها المجتمع وليس السلطة، وبالتالى فالمطلوب من المجتمع أن يحارب بكل الوسائل من أجل برلمانات تأتى عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وعادلة وشاملة وبعيدة عن تأثيرات أصحاب الوجاهة والمال والسلطة، حتى تصل المجتمعات إلى انتخاب برلمانات تحارب الظلم والتسلط بدلا من أن تكون أداة فى يدها.
الاعتقاد بأن سلطات الحكم ستتخلى طوعا عن تطويع البرلمانات والاستيلاء على كل قراراتها، دون صراع طويل فى داخل البرلمانات ونضال مرير فى كل ساحات المجتمع من قبل قوى المجتمعات المدنية، هو وهم لن يتحقق. وعلى المجتمعات أن لا تتخلى أبدا عن مسئولياتها بالنسبة لهذا الموضوع.
رابعا، هذا يقودنا إلى موضوع الأهمية القصوى لإدماج كل مواطن بالغ فى معارك الانتخابات ونقاشات البرامج الانتخابية ومحاسبة أعضاء البرلمانات المقصرين. ذلك أن التراجع المرعب فى نسب المشاركين فى انتخابات البرلمانات فى كل أرجاء العالم جعل الكثيرين من كتاب السياسة يقترحون جعل المشاركة فى انتخابات البرلمانات إجبارية بالقانون العادل غير المنحاز حتى تصبح نتائج الانتخابات ممثلة لكل الأطياف ولكل المواطنين، وليس لجزء منهم فقط. وإلا فلا معنى لوجود النظام البرلمانى برمته إذا كانت انتخاباته ومحاسبة أعضائه والإصرار على تدوير سلطات الحكم من خلاله دوريا وسلميا ستبقى فى يد جزء صغير نشط من أفراد المجتمعات، بينما تبقى غالبية المواطنين متفرجة ولا مبالية.
تلك قضية معقدة ستحسمها سنون المستقبل وتجاربه، ولكن تستأهل طرحها من الآن.
خامسا، من الضرورى أن تصاحب الديموقراطية السياسية ديموقراطية اقتصادية: توزيع عادل لثروة المجتمع، فرص حياتية متساوية، إنهاء لظاهرتى الفقر المدقع والغنى الفاحش، وجود دولة تؤمن بواجبها أن تكون مسئولة عن رعاية اجتماعية شاملة للمواطنين، خصوصا الفقراء منهم والمهمشون. القيم الأخلاقية التى يجب أن تحكم كل ذلك هى قيم العدالة والتضامن الإنسانى وحقوق الإنسان الكبرى، لا قيم منافسات السوق وأطماع الرأسمالية المتوحشة وصراعات الطوائف والقبائل والعساكر العبثية.
سادسا، كل نظام ديموقراطى فى كل مجتمع إنسانى يتأثر ويتفاعل مع تاريخ وتراث وثقافة وعقائد وتطلعات وظروف شعوب تلك المجتمعات. وهذا ينطبق على مجتمعات أمة العرب. التقليد والتلفيق لا يبنيان ديموقراطية عربية بعبقرية ذاتية قابلة للحياة والاستمرار، وكأداة نشطة من أدوات النهوض التاريخى الذى تنشده الأمة.
قد نتفق أو نختلف حول هذا التفصيل أو ذاك، لكن ضمن إطار فكر ديموقراطى وجودى إنسانى عادل شامل، آن أوان النضال من أجله فى كل بلاد العرب.
مفكر عربى من البحرين