انتخابات أفريقيا المضطربة.. دور الاتحاد الأفريقى
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 3 ديسمبر 2016 - 11:41 ص
بتوقيت القاهرة
نشر معهد الدراسات الأمنية تقريرا حول الانتخابات الرئاسية التى أجريت خلال هذا العام بعدد من دول القارة الأفريقية، والتى قد اتسمت بالاضطراب ما بين انتخابات نزيهة وانتخابات صاحبها التلاعب والتزييف أو القمع والترهيب للمعارضة وغيرها من الأمور التى صاحبت هذه الانتخابات ويتناولها التقرير.
يستهل التقرير بالإشارة إلى أنه كان من المقرر إجراء 18 انتخابات رئاسية بالقارة الأفريقية هذا العام، وقد ضمن 10 من الرؤساء إعادة انتخابهم، فيما وصل أربعة رؤساء جدد إلى المنصب، وقد تم تأجيل انتخابات واحدة وثلاثة انتخابات أخرى من المفترض أن يتم إجراؤها قبل نهاية العام. ولكن استعراض أحداث هذه الانتخابات وتسليط الضوء عليها يوضح التلاعب والترهيب الذى صاحبها والذى لا شك يفسد العملية الديمقراطية فى القارة ككل، ولكن على الرغم من هذه الانتكاسات التى صاحبت الانتخابات اعتبر عدد منها شفاف ونزيه.
من جهة أخرى فقد أرسل الاتحاد الأفريقى بعثات مراقبين للبلدان التى تم بها إجراء انتخابات، والذى يعمل على مساءلة الدول التى يجرى بها الانتخابات من خلال الميثاق الأفريقى للديمقراطية والانتخابات والحكم والذى قد دخل حيز التنفيذ عام 2012. وإذا كان إجراء الانتخابات وتحقيق الديمقراطية يتم من أجل تحسين الأوضاع بأفريقيا فإن الاتحاد الأفريقى يحتاج إلى أن يكون جريئا بما يكفى لانتقاد الأنظمة الانتخابية المعيبة بالدول الأعضاء لديه.
على صعيد آخر يتطرق التقرير إلى عدة أمور رئيسية صاحبت عدد من الانتخابات التى أجريت بالقارة الأفريقية وذلك على النحو التالى:
1ــ عدد من الانتخابات النزيهة:
لم تكن كل الأوضاع قاتمة بالقارة خلال عام 2016؛ فمثلا فى بنين ترك الرئيس الحالى «توماس بونى يايى» منصبه بعد فترة ولايته الثانية وذلك تماشيا مع الدستور، وتم انتخاب الرئيس «باتريس تالون» يوم 6 مارس من العام ذاته.
أما فى الرأس الأخضر فقد أعيد انتخاب «خورخى كارلوس فونسيكا» لولاية ثانية حاصلا على نسبة تقدر بنحو 74% من إجمالى الأصوات فى انتخابات اعتبرت حرة ونزيهة.
وفى ساو تومى وبرنسيبى هزم «إيفاريستو كارفاليو» الرئيس «مانويل بينتو دا كوستا» الذى كان قد شغل منصب الرئاسة فى البلاد فى الفترة من 1975 – 1991 ومن 2011 ــ 2016.
2ــ البقاء فى السلطة من خلال إجراء تعديلات دستورية:
شهدت بعض الدول الأفريقية طرقا للتحايل على الاتحاد الأفريقى الذى يرفض أى انتقال للسلطة غير دستورى وذلك من خلال قيام بعد الدول بتغيير دساتيرها وإلغاء المدد الزمنية المحددة لتولى الرئاسة. فى البلدان التى لا توجد بها مدد زمنية محددة لتولى الرئاسة كان التحدى يكمن فى مصداقية إجراء الانتخابات بها وكان هذا ينطبق بشكل خاص على الدول التى يمارس الرئيس وبعض القيادات البارزة سلطة تؤثر فى نتائج الانتخابات.
ومثال على ذلك ضمان رئيس جمهورية الكونغو «دينيس ساسو نغيسو» ــالذى تولى حكم البلاد لمدة 32 عاماــ إعادة انتخابه عقب قيامه بإدخال تعديلات على دستور البلاد. وفى تشاد قام الرئيس «إدريس ديبى إتنو» تأمين فترة رئاسية خامسة بمنصبه بعد أن قاد إصلاح دستورى أطاح بوجود مدد زمنية تحدد تولى رئاسة البلاد منذ عام 2005.
وفى غينيا الاستوائية أعيد انتخاب الرئيس «تيودورو أوبيانج نغيما» فى أبريل الماضى بنسبة 99.2% من الأصوات والذى كان فى السلطة منذ عام 1979. وقد ألغيت القيود على مدد رئاسية محددة عام 2011 وهو ما يعنى أن «أوبيانج» ذو الـ74 عاما يقضى من الناحية الدستورية الآن ولايته الأولى بمنصبه والتى تستمر لمدة 7 سنوات مع وجود احتمالات لإعادة انتخابه لولاية ثانية.
3ــ الانتخابات كأداة لتعزيز شرعية الأنظمة التى تبقى فى الحكم لفترات طويلة:
فى البلدان التى يريد حكامها البقاء لمدد طويلة فى السلطة يكون إجراء الانتخابات بها مجرد أداة لتعزيز شرعية وجود قاداتها، ومن أجل تهدئة الجهات الدولية والمحلية التى تطالب بتحقيق الديمقراطية، وبخاصة مع اشتراط القوى الغربية تبنى قيم الديمقراطية الليبرالية مقابل الحصول على مساعدات، فضلا عن ما تطلبه العولمة من وجود الحكم الديمقراطى.
ونتيجة لذلك فقد اختارت بعض الأنظمة التى تقضى فترات طويلة بالحكم إجراء انتخابات غير نزيهة لإضفاء شرعية على سلطتهم، فى حين قام البعض الآخر بإضعاف ممنهج لأحزاب المعارضة لديهم من خلال قمعهم سياسيا وتقليل القدرة المالية لهم، وفى المقابل استخدام موارد الدولة لتعزيز وجودهم.
فى جيبوتى حاولت المعارضة –الضعيفةــ محاولة الإطاحة بالرئيس «إسماعيل عمر جيلة» الذى كان فى السلطة منذ عام 1999 وقام بإلغاء وجود مدد رئاسية محددة عام 2010، وقد فاز «جيلة» بالانتخابات الرئاسية أبريل الماضى بنسبة 87% من الأصوات، وقد انتقدت أحزاب المعارضة والجماعات الحقوقية هذه العملية الانتخابية والتى رأت أنها تهدف إلى كبح الحريات الأساسية لهم. ورغم كل ذلك الهجوم على هذه الانتخابات فجاءت انطباعات بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأفريقى مغايرة تماما لكل ذلك؛ إذ هنأت جيبوتى على إجرائها انتخابات نزيهة وأنها قد جرت فى هدوء وسكينة وتمت وفقا للدستور والقوانين المنظمة لجمهورية جيبوتى.
4ــ ترهيب المعارضين خلال الانتخابات:
شهدت دول أفريقية قيام أجهزتها باعتقال بعض من رموز المعارضة أو ترهيبهم خلال الانتخابات؛ فمثلا فى أوغندا قامت الشرطة خلال العملية الانتخابية بفبراير الماضى، باعتقال زعيم المعارضة لديها «كيزا بيسيجى» وقائد منتدى التغيير الديمقراطى، والذى قد تم اتهامه بالخيانة لمخالفته قوانين النظام العام من خلال تنظيمه الاحتجاجات غير القانونية، وقد أكدت تقارير الاتحاد الأوروبى والمراقبين من قبل رابطة الكومنولث، بأن العملية الانتخابية قد شابها ترهيب الناخبين والمرشحين من قبل الجهات الحكومية، فضلا عن أن اللجنة العليا للانتخابات قد افتقرت إلى الاستقلالية والشفافية.
5 ــ مقاطعة المعارضة فى زنجبار والنيجر:
وفى زنجبار قاطعت المعارضة الانتخابات التى جرت فى مارس من هذا العام بدعوى تزويرها، وكانت انتخابات جولة الاعادة للانتخابات الرئاسية التى أجريت فى أكتوبر 2015 قد ألغيت لدعوى التزوير أيضا. وقد أكد حزب المعارضة الرئيسى «الجبهة المدنية المتحدة» بأن إلغاء نتائج التصويت بأكتوبر 2015 قد تم لمنع زعيمهم «سيف شريف محمد» من تحقيق الفوز. وقاطعت المعارضة الجولة الثانية من الانتخابات مما أدى إلى تحقيق فوز مريح للرئيس المنتهية ولايته «على محمد شين» بنسبة 91% من إجمالى الأصوات.
6 ــ الطعن على نتائج الانتخابات:
شهدت تشاد وجمهورية الكونغو وأوغندا والجابون عقب إعلان نتائج الانتخابات مظاهرات عنيفة طالبت بالطعن على النتائج؛ فمثلا فى الجابون اندلع العنف يوم 31 أغسطس بعد إعلان فوز الرئيس «على بونجو» على منافسه «جان بينغ». ونتيجة لهذه الأعمال العنيفة التى جرت فى الجابون فقد قام مجلس السلم والأمن بجانب مفوضية الاتحاد الأفريقى بحثَها على احتواء الأمر وتسوية جميع الخلافات باستغلال جميع السبل القانونية والدستورية.
7ــ قطع الإنترنت:
أصبح إغلاق وسائل التواصل الاجتماعى عن طريق قطع الإنترنت نهجا شائن تستخدمه عدد من الدول والذى يعد تعديا صارخا على حق المواطنين فى الحصول على المعلومات وبخاصة وقت الانتخابات. وعلى نحو يثير القلق دعم مجلس السلم والأمن، خلال اجتماعه أبريل الماضى بخصوص الانتخابات بأفريقيا، هذه الأنظمة ونهجها تجاه وسائل التواصل الاجتماعى، مؤكدا على ضرورة التأكد بأن هذه الوسائل لا يساء استخدامها لعرقلة أو تقويض مصداقية العملية الانتخابية. ونتيجة لذلك فقد قامت حكومات جمهورية الكونغو والجابون وتشاد وأوغندا بإغلاق جميع وسائل التواصل الاجتماعى خلال عملية الانتخابات، مما خلق حالة من القلق بشأن نتائج الانتخابات.
8ــ انتخابات صعبة ببلدان تمر بأزمة:
شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى انتخاب «فوستين أرشانج تواديرا» رئيسا للبلاد فى فبراير الماضى، وهو يواجه الآن مهمة صعبة تتمثل فى معالجة انعدام الأمن والانقسامات التى منيت بها البلاد منذ انتهاء عام 2013، جدير بالذكر أن هذه الانتخابات قد أنهت حكم الحكومة الانتقالية الذى دام لعامين تحت قيادة «كاثرين سامبا بانزا».
يختتم التقرير بأنه من أجل تعزيز الديمقراطية فى القارة الأفريقية، فعلى الاتحاد الأفريقى اتخاذ عدد من الإجراءات الحاسمة للتصدى للحكومات التى تقوم بتغييرات بالدستور أو ممارسات تعسفية أثناء إجراء الانتخابات. ولهذا فلابد من استقلال اللجان الانتخابية والمؤسسات القضائية وإمكانية مساءلة الحكومات أمام حكامها وتوفير فرص متكافئة للجميع حتى يحظوا بالمساواة والحرية من أجل الوصول إلى انتخابات تنافسية ونزيهة.