لكم أعداؤكم ولنا عدو لا شريك له !

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

كما الآلهة القديمة يخلقون العدو ثم؟ لن يستطيعوا أكله بل سيبقوا ينقشوا أعلامهم ويرسلوا الروايات عن ذاك العدو حتى يصدق الكذبة صانعوها، أليست تلك سمة الكاذبين أن تكذب وتكذب وتكذب حتى يصدقك الجميع بل وتصدق أنت نفسك؟!
***
تبحث عن عدو؟.. ستجده حتما أو هم سيخلقونه لك فلا تخف هناك الكثير منهم ينتظرون عند الناصية.. قال رئيس التحرير لتلك الصحيفة الأشهر منذ سنين طويلة سأخلق لكم الحرب وعليكم الذهاب لها حتى أغطيها فيزداد ربحى وربحكم.. مصانع للأسلحة وأخرى لمواجهتها وثالثة للسلاح الأكبر اليوم وهو سلاح التكنولوجيا والتنصت والجيوش لم تعد تغزو المدن التاريخية كبغداد بالدبابات والطائرات والصواريخ القادمة من المياه الصديقة إلى الأراضى الصديقة.. لا لم تعد هى كذلك فقط بل انظروا لتلك الصورة التى تداولتها الوسائل أخيرا للجيش الأكبر للعدو الإسرائيلى ولا عزاء للمطبعين فهو العدو نعم وسيبقى.. منذ تلك السنة أطلقوا ما شئتم عليها 1984 وقبلها عندما وعد ذاك الإنجليزى الذى لا يزال يعتقد بأن إمبراطوريته لا تغيب عنها الشمس، وعدهم بوطن فوق أرض لشعب.. اليوم وغدا لن تتغير تسميته أحب بعضكم الذى يكثر من تغريداته أو لم يحب.. تبقى فلسطين آخر دولة تحت الاحتلال فى العالم.. تبقى فلسطين وشعبها تحت أسوأ نظام للفصل العنصرى.
***
«الكفاح الفلسطينى المستمر منذ عقود فى سبيل تقرير المصير والاستقلال والعيش الكريم يواجه عراقيل عديدة من بينها استمرار الاحتلال العسكرى الإسرائيلى للأرض الفلسطينية وتواصل أعمال العنف والتحريض، واستمرار بناء المستوطنات والتوسع فيها، والغموض الشديد الذى يلف مصير عملية السلام، وتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، ولا سيما فى غزة».
ليست هذه عبارة مقتطفة من خطاب لمسئول عربى ولكنها جزء من كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى كلمته بمناسبة اليوم الدولى للتضامن مع الشعب الفلسطينى؛ حيث احتفل العالم بأجمعه بهذا اليوم (29 نوفمبر) إلا فى كثير من العواصم العربية المرتجفة المصغية بعناية لخطاب أفيخاى أدرعى وهو يلقن المسلمين دروسا فى الشريعة والإسلام والمبادئ والقيم والعلاقات والسياسة.. ذاك الذى لا يتوقف عن إعطاء العرب دروس فى معرفة عدوهم الحقيقى!
***
تلك الصورة كانت للجيش الإلكترونى الإسرائيلى وبما أننا نتحدث عن الجيوش فلا بد أن ننتبه لتسمية جيشهم «جيش الدفاع»؟ دفاع من؟ وعن ماذا؟ فيما جيوشنا أما انهيت تحت مبررات عدة أو انهكت فى حروب الطواحين والتدمير أو فتت أو أصبحت تابعة أو أفسدت بفعل الميزانيات الضخمة الداعمة من قبل الولايات المتحدة تحت ذريعة دعم الجيوش العربية لمواجهة الإرهاب أو العدو الجديد الذى خلقوه وأقنعوا الكثيرين بأنه العدو الأكبر كما معاركهم الكبرى أو أمهات المعارك التى كانت!
***
صورة جديدة كان من المفترض أن تثير غضبا قد يعيد للذاكرة بعضا مما تبقى من أثر لمرحلة كانت حيث يزحف العرب من أزقة وحوارى وأحياء عدة إلى الشوارع العريضة والميادين والجادات يهتفون بأعلى أصواتهم ضد المغتصب الوحيد.. كان العدو واحد والأصدقاء كثر من إفريقيا حتى آسيا وأمريكا اللاتينية.. كان من المهم أن تنتهى تلك المرحلة ليس فقط بهزائم مشينة بل وبانكسارات تصل أعمق أعماقنا وتنخر فى أصل المبادئ التى تربت عليها أجيال.. كان من المهم أن تهتز تلك الصورة بل الصور أو فى أفضل الأوضاع أن تبدو جزءا من رومانسية لم تدم طويلا.. وكان من المهم أن تفترق المسارات فى البدء نعود لنكون عربا فقط ولسنا جزء من حركة كونية ضد الاستعمار والاحتلال بكل أنواعهم.. ثم نفترق كعرب، ثم نفترق كخليجيين وشمال إفريقيين وشوام.. ثم نفترق عند حدود المدينة والحى والشارع ونفترق حتى نبدأ فى طرح التساؤلات ونسمح بأن توجه لنا أسئلة من قال إن «سكان» شمال إفريقيا عرب؟ من قال إنهم ليسوا أفارقة وعند الإجابة لماذا عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا عربا أو أمازيغا أو بربرا أو كردا أو.. وأيضا أفارقة أو آسيويين أو بشرا تجمعهم قيم ليست حكرا على جنس أو فصيل أو دين؟
***
لا شىء سوى الفراغ والأسئلة الموجعة فى المساءات التى تكثر فيها ضحكات الصاعدين الجدد متقنى اللغات كل اللغات إلا عربيتهم.. عارفى كل أصناف الأطعمة والماركات العالمية إلا تاريخهم العريق.. فى مساءات هؤلاء أو العرب الجدد لا تسلية سوى المسخرة من القوميين والمناهضين للتطبيع والمتابعين لا أفيخاى أذرعى وتغريداته المسلية جدا !
فمرحى لهم هو وأعداؤهم الجدد الأقرب لهم من الوريد ومرحى لنا قضيتنا التى تكبر خارج أوطانها لأنه لا كرامة لنبى فى وطنه!

خولة مطر
كاتبة بحرينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved