سيرك فضائى
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 3 يناير 2015 - 8:25 ص
بتوقيت القاهرة
لا يدعو أحد إلى التضييق على حرية التعبير، أو كبت الصحافة، أو خفض سقف الحريات أمام وسائل الإعلام، ولكن عندما تخرج حرية التعبير والإعلام عن الحدود المهنية فى الأخبار والإعلام والاستقصاء والتحليل والترفيه، فلا بد من وقفة لإعادة الاعتبار للحرية المسئولة.
فالحرية المطلقة خرافة، والحرية الفردية تنتهى عند حدود حرية الآخرين، وحرية الإعلام لا تنفصل بأى حال من الأحوال عن أيديولوجية الدولة أو المجتمع كما يقول فرانز فانون.
إذا كان البعض يفهم الحرية على الإطلاق من دون سقف يراعى حق الأفراد الآخرين والمجتمع، فهو من دعاة الفوضى. وإذا كان يستخدم هذه الحرية غير المسئولة فى الإساءة والتحريض الإجرامى، فهو يقع تحت طائلة المسئولية الجنائية، ويكون عرضة للملاحقة والمحاسبة.
تعتقد بعض الفضائيات العربية أنها فوق المحاسبة لأنها فوق الوطنية، ولا تخضع لقيود الأطر القانونية الأرضية، باعتبارها عابرة للحدود والقيود، والتقاليد والأعراف المرعية. وهذه الفرضية خاطئة أساسا لأن الإعلام يعمل أصلا فى إطار من جمهور مخاطب ومحتوى مادى وقيمى، وهو الأمر الذى يعرف الرسالة الإعلامية، وإلا ستكون حرثا فى البحر ولغوا فى الأثير.
الشىء الجديد الذى تدعى الفضائيات الموضوعية أنها أضافته هو كفالة الرأى والرأى الآخر، حتى إذا كان هذا الرأى الآخر هو العدو الصهيونى الغاصب. وثانى الإضافات البرامج الحوارية بين الأطراف المختلفة من أجل إثراء الصورة وإضاءة الجوانب الخفية، وتنوير المشاهدين بالحقائق كافة.
لكن هذا الحوار فى إطار غياب أى أفق سياسى واجتماعى يراعى المصالح العربية العليا، والقيم المهنية، تحولت معه الفضائيات المعنية إلى سيرك استعراضى للفوضوية واللامسئولية. وتحول الحوار إلى خوار، والجدل المنضبط بقواعد الحجة والدليل إلى صراخ وزعيق وربما تدافع بالأيدى واشتباك بالمقاعد وقذف بقنانى الماء أو كدسة الأوراق.
حوار الصم الذى تديره الفضائيات الهادفة إلى الإثارة بزعم الرأى والرأى الآخر هى كما قال الشاعر: «حجة تهافت كالزجاج تخالها «حقا وكل كاسر مكسور». والحوار الذى يفترض أن يكشف جوانب الرأى، لم يعد إلا صراخا وعنتريات وإسفافا وتخوينا ومصادرة للرأى بغير دليل. وما يفترض أن يكون حوارا سلميا تحول بفضل البهلوانيات الفضائية إلى معارك كلامية مملوءة بقذائف الفاحش من القول والتنابذ بالألقاب والقذف والقدح العلنى فى الأعراض والأنساب، فضلا عن البذاءات التى لا توفر شرفا أو معروفا.
آن الأوان أن تعرف الفضائيات أنها تعمل فى إطار المحتوى العربى، ولا بد أن تحترم المنظومة القيمية للجمهور الذى تخاطبه، فلا إساءة إلى الأشخاص فى ذواتهم، أو مقدساتهم أو أديانهم ومذاهبهم، ولا للتحريض الطائفى والعنصرى، أو الشحن بين المجتمعات والدول.
لتكن الفضائيات عضدا للبناء والإصلاح والتقريب لا سيركا على الهواء مباشرة للكذب باسم المصداقية، والتشاحن والتباغض باسم الحوار، ودس السم فى العسل باسم الحرية، والعنف اللفظى والإرهاب الفكرى باسم الرأى والرأى الآخر.