المجرمون الثلاثة.. أمريكا وإيران وصدام
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الجمعة 3 يناير 2020 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
بعد العملية الأمريكية المفاجئة، فجر أمس الجمعة، بقتل قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى ومعه مجموعة من قادة الحشد الشعبى العراقى فى بغداد، يسأل البعض: من المخطئ فى العراق أمريكا أم إيران؟!
تقديرى أن الطرفين أجرما فى حق هذا البلد العربى الكبير، ولولا الاستبداد الذى تسلط على العراق، ما تمكن الطرفان من تعويق العراق ودماره.
طهران وواشنطن يسعى كل منهما إلى تحقيق مصالحهما، لكن المشكلة أنهما ــ وهما يفعلان ذلك ــ يحاربان بالوكالة على الأرض العراقية، وتحويلها إلى العشب الذى تتصارع عليه الأفيال.
المجرم الأول فى حق العراق كان صدام حسين، وسياساته التى قادت فى النهاية إلى هذا الوضع، حتى لو كان الأمر تم بحسن نية. هو تسلَّم بلدا لديه موارد نفطية ومائية وزراعية وصناعية كبيرة، والأهم لديه كوادر وكفاءات بشرية متميزة. صدام دخل فى مغامرات متنوعة من أول حرب الثمانى سنوات مع إيران «١٩٨٠ــ ١٩٨٨»، نهايةً بغزو الكويت فى أغسطس ١٩٩٠، مرورا بتصوراته الغريبة عن زعامة المنطقة بأكملها، وانتهى الأمر بإخراجه عنوةً من الكويت، وفرض حصار أمريكى دولى عليه منذ ذلك الوقت.
المجرم الثانى هو الولايات المتحدة الأمريكية، التى زيَّنت لصدام غزو الكويت، وعندما فعلها، حاصرت العراق منذ عام ١٩٩٠ وحتى غزوه بمساعدة بريطانية فى ١٩ مارس ٢٠٠٣، وربما لم يكن الغزو هو الجريمة الكبرى، أو حل حزب البعث، بل تفكيك الجيش العراقى، ما هيـَّأَ بيئة خصبة لتأسيس نظام سياسى يقوم على المحاصصة الطائفية بين السنة والشيعة، والعرقية بين العرب والأكراد، وتاليا نمو كل التنظيمات المتطرفة والإرهابية.
أمريكا، بقيادة جورج بوش الابن والمحافظين الجدد الموالين لإسرائيل، وعدت بتحقيق الحرية والديمقراطية، وتمخَّض وعدها بعد ١٧ سنة عن نظام طائفى بغيض، وطبقة سياسية فاسدة، ثار عليها الشعب العراقى خلال الشهور الماضية.
المجرم الثالث هو النظام الإيرانى الذى ظل يخدعنا بأنه يحارب الشيطان الأكبر «أمريكا»، والشيطان الأصغر «إسرائيل»، لكن على الأرض، فقد استورد الأسلحة منهما لمحاربة العراق، فيما سمى بفضيحة «إيران ــ كونترا جيت» عام ١٩٨٤، أو التواطؤ مع الاحتلال الأمريكى للعراق، حتى يتخلص أولا من صدام حسين ونظامه، ثم يزرع نظاما طائفيا مواليا له، وللأسف فقد نجح بصورة كبيرة.
لولا الغزو الأمريكى، ولولا الهيمنة الإيرانية، ما نشأت منظمات إرهابية مثل داعش أو أمثالها، وبالتالى، لا يحق للبلدين الزعم بأنهما ساعدا العراق فى محاربة الإرهاب. هما من «أخرجا الشيطان من القمقم»، وبالتالى كانا الأكثر استفادةً منه، ولولا بعبع داعش والإرهاب ما ظلت أمريكا فى العراق، وما هيمنت إيران عليه.
بعبع الإرهاب هو من جعل أمريكا تستمر فى إقامة قواعد عسكرية فى العراق، وهو الذى جعل لقاسم سليمانى دورا حيويا هناك، وكلنا يذكر أن أمريكا وإيران كانا حليفين على أرض الواقع فى العراق. سليمانى، كان يتحرك تحت سمع وبصر الاحتلال الأمريكى وطيرانه. كان يتنقل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، بعلم كامل من واشنطن. طوال السنوات السابقة، كانت المصالح تتلاقى. والطرفان كان يبتزان أموال الدول العربية الخليجية، كل بطريقته الخاصة. إيران بمحاولة استنزاف الأرصدة الخليجية فى حرب اليمن، وأمريكا بصفقات عسكرية واقتصادية كان يمارسها دونالد ترامب بمنتهى الفجاجة، وبشكل مهين للقادة العرب!!.
من الواضح أن إيران، قد اعتقدت أن أمريكا تريد الانسحاب بأية طريقة من المنطقة، وهكذا اخترقت عبر قاسم سليمانى مجموعة متنوعة من الخطوط الحمراء.. زادت من استهداف أهداف سعودية نوعية عبر الحوثيين، كان أهمها قلب صناعة النفط السعودية فى شركة أرامكو. ثم أوعزت لاتباعها فى الحشد الشعبى العراقى باستهداف الوجود الأمريكى هناك، وصولا إلى اقتحام السفارة الأمريكية فى بغداد، والإصرار على عدم فك الحصار إلا بصدور قانون من البرلمان يلزم القوات الأمريكية بالخروج من العراق.
ومن الواضح أن أمريكا زادت الضغط على إيران، حينما قررت توجيه ضربة قوية لميليشيا حزب الله العراقى فى مدينة القائم قبل أيام، وأغلب الظن أن ترامب حسبها بمنطق انتخابى وهربًا للأمام من محاكمة العزل فى الكونجرس، حتى لا يفسر تراجعه على أنه هزيمة، ثم أنه لا يمكننا استبعاد الدور الإسرائيلى المحرض لأمريكا دائما على استهداف إيران، وهو دور يتلاقى مع رغبات عربية فى الخليج العربى.
اغتيال أمريكا لسليمانى ومهدى المهندس وبعض كوادر الحشد الشعبى، ضربة نوعية، والمؤكد أن إيران سترد بصورة تحفظ ماء وجهها أمام شعبها وحلفائها، لكن المؤكد أن العراق هو من سيدفع الثمن، وقد تنفلت الأمور إلى مواجهة شاملة فى المنطقة بأكملها.. وهنا يثور تساؤل: لماذا لا يتوحد العراقيون كما فعلوا فى الأسابيع الأخيرة لطرد كل من الأمريكيين والإيرانيين معا؟.