‫حكاية جميل مطر مع الصحافة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 3 فبراير 2025 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

 دبلوماسى وسط الصحفيين، وصحفى وسط الدبلوماسيين، هذه خلاصة مسيرة طويلة تنقَّل خلالها الكاتب الكبير جميل مطر بين عالم الدبلوماسية، وبلاط صاحبة الجلالة التى عشق أحبارها منذ نعومة أظفاره، عبر سطور صحيفة يضعها البائع فوق «دواسة» باب شقة أسرته مع مطلع كل صباح، ليقع فى غرام «الأهرام» على مدى سنوات طفولته ومراهقته، قبل أن تدور الأيام ويجد نفسه جالسًا فى الدور السادس بالمؤسسة العريقة كاتبًا ومحللاً سياسيًا مرموقًا. 

‎اختار الأستاذ جميل مطر حكاية «الدواسة» مفتتحًا لحكايات عدة، يروى من خلالها محطات مهمة فى رحلة لا تخلو من لحظات صعود، وأخرى تحفل بالتحديات، فى عالم لا يعطى للحالمين فرصة التقاط الأنفاس، وهو الإحساس الذى لن يفارقك وأنت تتصفح كتابه «حكايتى مع الصحافة» الصادر قبل أيام عن الدار المصرية اللبنانية.

‎بلغة رشيقة أنيقة تعكس تجربة عريضة فى حقل الثقافة بمفهومها الواسع، اطلاعًا وممارسة لفعل الإبداع، وبأسلوب شائق، يقدم مطر شهادة صادقة لعلاقاته بالأماكن والبشر، منذ أن اصطحبه والده صباح الحادى عشر من شهر إبريل من عام 1957 إلى مقر وزارة الخارجية فى ميدان التحرير لإنهاء إجراءات التحاقه بالسلك الدبلوماسى الذى شاءت الأقدار أن يبدأه من «إدارة الصحافة» بالوزارة.

‎عقب فترة قصيرة بإدارة الصحافة، وعلى إيقاع الفورة التى كانت تعيشها مصر عقب ثورة 23 يوليو 1952، ورغبة رجال يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر فى إقامة علاقات دبلوماسية أكثر انفتاحًا على العالم الخارجى، وخاصة فى آسيا، انتقل مطر على عجل إلى السفارة المصرية فى الهند، ليلتقى توءم روحه، وحب حياته، السيدة رفيف، ابنة الدبلوماسى والشاعر السورى المخضرم عمر أبو ريشة، سفير بلاده لدى نيودلهى وقتها.

‎يروى جميل مطر جانبًا من قصة زواجه بالسيدة رفيف، ليسكب فى أرواحنا رحيقًا من المودة والرحمة التى يجب أن تكون عليها العلاقة بين الأزواج، ولا يتركنا إلا ونحن نحلق فى أجواء رومانسية احتضنتها «الست منيرة»، والدة رفيقة دربه، بمحبة فتحت قلب الأب لهذا الشاب الأنيق الذى جاء طالبًا يد ابنته، لتجتمع الدماء المصرية والسورية فى علاقة أبدية أثمرت ثلاثة من الأبناء وباقة من الأحفاد.

‎بعد تنقله بين السفارت المصرية فى الهند والصين وإيطاليا وتشيلى والأرجنتين، يحط مطر رحاله طالبًا للدراسات العليا فى جامعة ماكجيل، أعرق الجامعات الكندية، قبل أن تخطفه نداهة الصحافة وتلقى به فى دهاليزها، باحثًا وكاتبًا فى مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية، لتبدأ علاقة صداقة امتدت أكثر من خمسين عامًا مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى يتحدث مطر عنه بمحبة وتقدير عظيمين.

‎حكاية طريفة يرويها مطر عندما كان يعمل دبلوماسيًا فى الصين، يقول: أصعب أيام عملى فى السفارة فى بكين، يوما الخميس والجمعة. ففى مساء الخميس تصلنا برقية رمزية فريدة من نوعها، مخالفة لكل التعليمات الأمنية الخاصة بأعمال الرمز والتشفير.. برقية مطولة جدًا نعرف سلفًا مضمونها، ألا وهو المقال الأسبوعى الذى يكتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل فى عموده الشهير «بصراحة».

‎لكن لماذا التشفير لكلام منشور على الناس فى الأهرام؟ يقول مطر إن الرد السائد وقتها أن «التشفير» يعطى المقال «قوة وصدقية وأهمية»!

‎رافق مطر هيكل فى الرحلة الآسيوية الشهيرة، ضمن وفد الأهرام الذى زار الهند والصين وباكستان وبنجلادش واليابان، وشاهد عن قرب كيف كانت «الأهرام» قلعة لفرسان تُفتح لهم أبواب المدن الحصينة، ويحتفى بها كبار الحكام، تقديرًا لأقلام كتابها الذين جسدوا بجدارتهم المهنية ما يجب أن يكون عليه كل صحفى ينال شرف الانتماء لمهنة تعشق المبدعين.

‎يفرد جميل مطر مساحة كبيرة فى «حكايتى مع الصحافة» لعلاقته مع الأهرام، ويتحدث عن العلاقة الملتبسة بين الصحفى والسلطة، وحدود القرب والتباعد، والثمن الفادح الذى يدفعه الصحفى الذى يتجاوز الخطوط بألوانها الخطرة.

‎كما يكتب عن تجربة مجلة «الكتب وجهات نظر» التى صدرت عن دار الشروق، ومشاركته فى تأسيس صحيفة الشروق، وعلاقته بالناشر الكبير المهندس إبراهيم المعلم، وعدد من القامات السامقة، بينها محمود رياض، ونبيل العربى، وأحمد ماهر، وأحمد بهاء الدين، فى نسيج من حكايات تصب فى نهر سيرة ذاتية جديرة بالقراءة والتأمل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved