أحمد خالد توفيق.. قاطع الطريق
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 أبريل 2018 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
عكست لحظة وداع الكاتب أحمد خالد توفيق الذى غيبه الموت أول أمس مفارقة لافتة، فبينما نعته صفحات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى وأفرطت فى مديح نصوصه وشخوصه كعراب للكتابة التى مهدت الأرض لجيل كتاب المدونات بقيت صفحات أخرى على مسافة من الحدث، وانحصرت تعليقاتها فى عبارات الرحمة المعتادة أمام جلال الموت.
والمدهش والمؤسف فى نفس الوقت أن الجماهيرية التى تحققت لأدب أحمد خالد توفيق لم تكن موضوعا للدرس النقدى بين باحثى علم اجتماع الأدب أو علوم التلقى ولا بين الباحثين المعنيين برصد وتحليل اتجاهات القراءة فى أوساط الشباب تعاليا على هذه الظاهرة التى تصور البعض أن تجاهلها قد يؤدى إلى تغييبها وهو تصور ساذج بالطبع.
وبفضل القراء الشباب مواليد ثمانينيات القرن الماضى تحول خالد توفيق من كاتب هاو إلى «ظاهرة متكاملة» الاركان ولعله أول كاتب لا يسعى للنجومية بالمعنى الشائع لكنه يبلغها لحد أن توزيع أعماله كسر حاجز المليون نسخة، ولم يدفعه هذا النجاح لمغادرة مدينته الأثيرة طنطا والاستقرار فى القاهرة التى لم يجد فيها «نداهة» «تبرر غربته وظل منسجما مع هذا الاختيار تمام الانسجام دون أن يشعر بأى ضعف أو نقص فى صور تحققه.
وأظن أنه أيضا الكاتب الوحيد الذى صنع نجاحه الجماهيرى خارج دوائر الأدب التقليدى، فمن النادر أن تجد فى أرشيفه حوارات صحفية فى المطبوعات الأدبية المتخصصة أو دراسة نقدية تخص كتاباته التى أهملها النقاد وأقبل عليها القراء باستثناء رواية «يوتوبيا» التى بشرت بأدب «الديسوتوبيا» أو أدب المكان الخبيث الذى شاع بعد ثورة 25 يناير وفيه إلى جانب سمات الميتافيريقا والفانتازيا الكثير من ملامح أدب الخيال العلمى لذلك نالت اهتماما استثنائيا بالقياس لبقية أعماله التى أعيد طبعها عشرات المرات.
والأكيد أنه لا يمكن وضع كتابات الراحل فى السياق التراتبى المعتاد للأدب المصرى المعتمد على تقسيم الأجيال أو مواضعات الكتابة فهو قاطع طريق شق لنفسه مسارا خاصا يمكن تسميته بالمسار الموازى طور فيه تقنيات الكتابة البوليسية ذات المنحى الغرائبى التى بدأها الكاتب الرائد محمود سالم عبر سلسلة الألغاز وحلقات المغامرين الخمسة ثم جاء نبيل فارق الذى الذى سبق توفيق بعدة سنوات فى الكتابة مع سلسلة «رجل المستحيل» لكن توفيق زاد أكثر من جرعة التخييل الأدبى فى سلسلة «ما وراء الطبيعة» وبلغ مع ابتكار شخصية «رفعت إسماعيل» ذروة مشروعه الأدبى لأنها تمثل بحضورها أيقونة متكاملة المعانى وتشكل غابة من العلامات النصية لو استعملنا تعبير الناقد الفرنسى الشهير «رولان بارت».
ولعل المهتم بتقصى أثرها يذكر جيدا ما خلفه قرار الكاتب الراحل بالتخلى عنها وإعلان موتها الأمر الذى شكل صدمة فى أوساط القراء الذين ساهمت تلك الشخصية فى تشكيل رؤيتهم للعالم.
ومن المغرى فى سيرة أحمد خالد توفيق مع الكتابة أنه من بين قلة من الكتاب راهنوا على «التسلية» أكثر من أى شىء آخر ودخل عالم الكتابة وهو الطبيب راغبا فى «اللعب» وليس انطلاقا من تبنى قيم وشعارات وأفكار ويحسب له دوما أنه دل من جاءوا بعده إلى أبواب ومسارات لم تكن مطروقة فهو «فتاح سكك» كما كان يصف نفسه.
وربما كان السر وراء نجاحه الكبير كونه لم يضع نفسه أبدا فى صورة «المرشد الأمين» أو يرتدى عباءة الكاتب الداعية فقد انحاز لدور «المغامر» وابتكر وصفته الجاذبة للقراء قبل عالم ما بعد «عمارة يعقوبيان» وبفضلها استطاع أن يؤسس دولته الأدبية ووقف مع جمهورها تحت راية الخيال مبشرا بالثورة والعدل والحرية.