شىء من الثلج مع دفء صراخهم
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 3 أبريل 2022 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
يسرع المترو أو هكذا بدا لى فى تلك اللحظة واللحظة ليست بسرعته فضحكات الشباب والشابات تسرق اللحظة منه ومن زخات الثلج التى بدأت تزداد كثافة خلف نوافذه المحكمة الإغلاق. يقترب من تلك الساحة المعروفة بكرسيها ذى الثلاثة أرجل قالوا إنه رمز للعدالة أو لحقوق الإنسان أو لكليهما وركزوا أنه لا حكم دون الأرجل الأربعة وإلا يختل التوازن وليس للكرسى وحده بل للكثير من الأنظمة.
•••
يقترب المترو من تلك الساحة التى اجتمع فيها عدد ليس بالقليل فى يوم مثلج. إعلام إثيوبيا والصرخات بلغات الأمم المتحدة أو بأغلب اللغات الست تردد «فليسقط الدكتاتور» وتعيد «فليسقط سفاك الدماء».. لم يحتشد كثيرون حولهم غيرهم، ربما نتيجة لبرودة الطقس واشتداد تساقط الثلوج أو لأن المارين من موظفى الأمم المتحدة أو المارين قد اعتادوا المشهد بأسماء مختلفة لدول ولزعماء. ترتفع الهتافات كلما حاربها الطقس المثلج وكأنها تقف شامخة ليس فى وجه الدكتاتور القابع فى ذاك البلد الأفريقى بل وللإمبراطور القائم هنا والآن وهو الثلج.
•••
يبدو المبنى خاليا إلا من بعض العمال الملتزمين بعقود لترميم ذاك المبنى العريق ألا وهو قصر الأمم فى جنيف. قبل سنوات قالوا إن كثيرا من الدول الأوروبية عرضت استعدادها لاستضافة الأمم المتحدة تلك المنظمة متعددة الأقطاب والتى مثلت فصل الختام للحرب العالمية الثانية وأسدلت الستار على كثير من الحروب والدمار متصورة أنها بذلك تعيد السلام والسلم للبشرية فى كل مكان.. وما لبثت أن دخلت فى متاهات الحرب الباردة وكثير من حروب مخلفات الاستعمار القديم أو الجديد منه وكلها تحت شعارات لا تبعد عن السمو مثل الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان ودرء خطر السلاح النووى المدمر و.. و.. اسألوا أهل الإعلام المنغمسين فى هذه المنظومات والمنطوين تحت هذه الأنظمة وكله باسم حرية التعبير وتعدد الآراء والرأى والرأى الآخر!
•••
الواقفون تحت الثلج وهم القادمون من القارة الدافئة لم يوقفهم البرد ولا الكاميرات المندسة ولا الخوف من..!! هم رفعوا الصوت لساعات لما يعتقدون أنه قضيتهم العادلة فى مواجهة الطاغية الجالس هناك وهو أمر لا يخصهم وحدهم بل كثيرين وقفوا فى هذه الساحة ورفعوا الصوت منادين للأمم المتحدة أن تنصرهم على أعدائهم من الظالمين وهى أى المنظمة متعددة الأقطاب تعيش لحظات مصيرية تعجز فيها عن أن تنصر الكثير من البشر ليس فقط فى إثيوبيا بل ربما فى شرق الأرض وغربها.
•••
أمامهم تصطف أعلام بتلاوين مختلفة هى الأخرى تشكل نقطة خلاف قد تتحول إلى حروب أحيانا ويسقط كثير من الدم البرىء دفاعا عن نشيد أو علم فيما الأوطان هى هى لا تختلف بشحمها ودمها إذا رفع علم جديد أو تردد نشيد وطنى آخر.
•••
بقى المؤمنون بقضيتهم فى ذلك اليوم المثلج حتى ساعات ما بعد الظهيرة وهم فى كثير من الأحيان وحيدون فمعظم المارة يحملون إما وظيفة أو قضية ويختلف الامر بينهما حتى يتحول أحيانا إلى صراع. البعض حامل وظيفته وهذا حق فدونه لا عيش ولا ماء ولا سقف منزل. والبعض الآخر حمل القضية فى قلبه ورحل يجوب الكون بها حتى عندما يستسلم آخر المدافعين عنها تحت تأثير الدولار أو الظلمات أو الموت.
•••
يتساءل كثيرون ما الذى يدفع هؤلاء للبقاء تحت الثلج الذى لم يعتادوه ولم يعرفوه قبل رحلة اللجوء القاسية إلى سويسرا أو أى دولة شمالية بصقيعها؟ ربما هو الإيمان. يقول أحدهم وربما لأن كثيرين قبلهم قالوا لهم عندما تجعل قضيتك وحق ناسك ووطنك ملء عينيك وقلبك، حينها لن تسقط القضية ولن تموت وإلا فكيف قضى نيلسون مانديلا عشرين عاما فى تلك الجزيرة المعزولة التى هى سجنه ثم انتصر وهو خلف القضبان ونصر قضيته وبعدها علّم زعماء العالم درسا لم يعرفوه ألا وهو أن تتنازل عن الكرسى وأنت فى ذروة مجدك ومحبة ناسك بك بل هى محبة الكون لك ولما تمثله.
•••
هو الذى علمنا الدرس ومنها «التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضى بالكامل». «أن تكون حرا ليس مجرد التخلص من القيود بل هو أن نعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين». ومن أهم ما قال: «سنعمل معا لدعم الشجاعة حيث هناك خوف، لتشجيع التفاوض عندما يكون هناك صراع، وإعطاء الأمل حيث يوجد اليأس». وهو من قال أيضا عندما قرر أن يتنحى «لقد تقاعدت، ولكن إذا كان هناك أى شىء من شأنه أن يقتلنى فهو أن أستيقظ فى الصباح وأنا لا أدرى ماذا سأفعل».