الدمار والقتل والتجويع هزيمة لإسرائيل
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الإثنين 3 يونيو 2024 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
إسرائيل هُزمت وتُهزم، ليس فقط لأننا دخلنا فى الشهر التاسع من هذه الحرب، من دون أن تنهار «حماس». دلائل هذه الهزيمة ستبقى موجودة فى وعينا إلى الأبد. هُزمت إسرائيل لأن قادتها وجنودها قتلوا وجرحوا الآلاف من المدنيات والمدنيين الفلسطينيين، وخلفوا دمارًا وخرابًا غير مسبوقَين فى قطاع غزة، ولأن سلاح الجو الإسرائيلى ألقى، قصدًا، قنابل على منازل مليئة بالأطفال والنساء والشيوخ. ولأن إسرائيل مؤمنة بأنه لا توجد طريقة أُخرى. ولأن عائلات بأكملها أُبيدت.
انهزمت دولة اليهود لأن سَاستها وقادتها يجوّعون ويعطّشون مليونين و300 ألف إنسان، ولأن الأمراض المعدية تفشّت فى القطاع. «الدولة الديمقراطية الوحيدة فى هذه الغابة» هُزمت لأن جيشها عاد، مرة أخرى، إلى طرد وتجميع مئات الآلاف من الشعب الفلسطينى فى مناطق من الأرض تزداد ضيقًا، تُدعى مناطق إنسانية آمنة، ليعود ويقصفها من جديد. ولأن آلاف الأشخاص المعاقين والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم يتكدسون ويعانون فى هذه المناطق الإنسانية التى تُقصف.
إسرائيل هُزمت لأن تلال النفايات تتراكم والطريقة الوحيدة للتخلص منها هى إشعال النار فيها، مع كل التلوث الناتج من ذلك. لأن مياه الصرف الصحى تتدفق فى الشوارع وأسراب الذباب تحجب الرؤية. ولأنه مع انتهاء الحرب، سيعود الناس إلى مدن مدمرة مليئة بالذخائر غير المنفجرة، وستبقى الأرض مشبعة بالمواد السامة الخطِرة. ولأن الآلاف، إن لم يكن أكثر، سيصابون بأمراض مزمنة ومعيقة، لا شفاء منها، بسبب هذا التلوث والتسمم.
لأن العديد من الطواقم الصحية الشجاعة والمتفانية فى قطاع غزة، طبيبات وأطباء وممرضات وممرضون، وسائقو سيارات الإسعاف، والمسعفون، وأيضًا أنصار لـ«حماس»، والذين يتلقون رواتب منها، قُتلوا فى القصف. ولأن أولادًا وطلابًا سيخسرون عامهم الدراسى المهم، ولأن المكتبات والأرشيفات العامة والخاصة احترقت، ولأن المخطوطات والأبحاث ضاعت، والأعمال الفنية والمطرزات لفنانى غزة دُفنت وأُحرقت. ولأنه لا يمكن معرفة الضرر النفسى الذى سيلحق بهذه الملايين.
الهزيمة تكمن فى أن الدولة التى تعتبر نفسها وريثة ضحايا جريمة الإبادة الجماعية التى ارتكبتها النازية، قد خلقت هذا الجحيم فى أقل من 9 أشهر، ولا تزال مستمرة. ألا تقولوا إبادة جماعية، قولوا إنها إبادة جماعية. الفشل ليس فى حقيقة أن هذا التعريف أُلصق باسم إسرائيل فى الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى. الفشل هو فى إصرار أغلبية المواطنات والمواطنين الإسرائيليين اليهود على عدم سماع جرس الإنذار فى الدعوى، واستمرارهم فى تأييد الحرب.
النظرة الإسرائيلية الأحادية هى سبب ودليل آخر على الهزيمة: أغلبية الجمهور اليهودى - الإسرائيلى، بمن فيه المعسكر المعارض لنتنياهو، وقعت فى سحر الحرب الشاملة كردّ على مذبحة 7 أكتوبر، من دون أن تستخلص دروس الماضى من الحروب عمومًا، وضد الشعب الفلسطينى خصوصًا. صحيح أن «المذبحة» التى ارتكبتها «حماس» مريعة، وأن معاناة الرهائن وعائلاتهم تعجز الكلمات عن وصفها، كذلك تحويل قطاع غزة إلى خزان كبير من السلاح الجاهز للاستخدام، وفق النموذج الإسرائيلى، أمر مثير للغضب. لكن أغلبية الجمهور اليهودى تركت الرغبة فى الانتقام تعمى بصرها. عدم الرغبة فى الإصغاء ومعرفة ما يجرى لمنع الأخطاء، هما الحمض النووى للهزيمة. قادتنا كانوا يعلمون كل شىء، ولم يصغوا إلى المراقبات، وبصورة خاصة لم يصغوا إلى تحذيرات الجانب الفلسطينى، طوال عشرات السنوات، من أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، كما أن بذور الهزيمة موجودة فى جوهر تجاهل المتظاهرين والمتظاهرات ضد الانقلاب القضائى، لحقيقة أساسية هى أننا لا يمكن أن نكون دولة ديمقراطية، من دون التخلص من الاحتلال، ولأن الذين يقومون بالانقلاب هم الذين يتطلعون إلى «إخضاع» الشعب الفلسطينى.
لقد كان الفشل موجودًا هنا منذ الأيام الأولى، عندما اتُّهم كلّ مَن طالب بالانتباه إلى «السياق» بأنه خائن ومؤيد لـ«حماس». لقد تبين أن الخونة هم الوطنيون الحقيقيون، بيْد أن الهزيمة هى هزيمتنا جميعًا.
عميره هاس
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية