أجوبة أخرى مطلوبة لمواجهة الطائفية
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 3 يوليه 2014 - 6:20 ص
بتوقيت القاهرة
إذا كانت الانقسامات والصراعات المذهبية الطائفية، المغموسة بمخططات خارجية أمبريالية ـ صهيونية لتفتيت وإنهاك المجتمعات العربية وبانتهازية سياسية داخلية وتخلف فقهى لدى بعض علماء الدين وبعض منابر الإعلام الدينى، هى أخطر التحديات التى يواجهها المواطن العربى فى أيامنا الحالية، وهى من أكبر العوامل التى يمكن أن تحرف حراكات الربيع العربى وتشوهها، فإن مواجهة الموضوع تحتاج أن تكون شاملة وعلى كل المستويات.
فى مقالة الأسبوع الماضى ذكرنا بأن جسد تلك المذهبية الطائفية يجب أن تحصل تعريته، وذلك تمهيدا لإطفاء حريقه الهائل. ولقد ذكرنا بأن أحد المداخل لعملية التعرية تلك هو تحليل وبعد تاريخ الصراعات المذهبية فى ماضى الأمة العربية من أجل تبيان انغماس ذلك التاريخ فى السياسة وصراعات الملك والسلطان والغنائم. إن ذلك الجهد سيكون أول خطوة لإيجاد قطيعة معرفية فقهية، ولو جزئية، بين الماضى والحاضر من جهة، ولمحاولة تجاوز ذلك الماضى من خلال عملية النقد والتحليل التى بدورها ستسقط كل ما أفسد الفقه وكل من أفسد الفقه عبر العصور الماضية.
وبينا فى ذلك المقال أن من أفضل الجهات التى يمكن أن تقوم بتلك المهمة تجمع من علماء الفقه الذين ينتمون إلى جميع أو غالبية المذاهب الفقهية الإسلامية، ويمارسون مهمتهم باستقلالية وحرة عن جميع جهات الهيمنة السياسية والمذهبية.
لكن مدخل تحليل ونقد وتعرية التاريخ لن يكون كافيا. ستحتاج الجهة التى ستقوم بذلك إلى الإجابة عن العديد من الأسئلة وإلى مجابهة بعض الإشكاليات المعاصرة إن أرادت أن تخلص الجيل العربى الحالى من الدخول فى لعبة الصراعات المذهبية الطائفية العبثية التى يراد للأمة الدخول بها.
•••
هناك مثلا سؤال يلح على الكثيرين فى الصورة التالية: هل أنه من الضرورى أن ينتمى كل مسلم لمذهب معين، بحيث يلتزم باتباع مفاهيم ذلك المذهب وتفاسيره للقرآن الكريم والسنة النبوية، وبالتالى الالتزام بتوجيهاته ونواهيه، أم أن المسلم يستطيع أن يأخذ من كل المذاهب وكل المدارس الفقهية ما يراه مقبولا دينيا وعقليا وملائما للواقع الذى يعيشه؟ قد يبدو السؤال أكاديميا نظريا، ولكنه مطروح من قبل البعض كمدخل لتغليب صفقة الانتماء للدين بدلا من الانتماء لمذهب. وفى نفس الوقت فإنه تسهيل وتيسير لأتباع دين نادى باليسر بدلا من العسر.
هناك مثلا سؤال آخر : لماذا لا تقوم مدرسة فقهية تجمع أفضل وأيسر ما فى المذاهب كلها من جهة وتضيف إلى ذلك قراءات جديدة لمصادر الدين الأساسية، بحيث أن تأخذ تلك القراءة بعين الاعتبار حاجات العصر التى استجدت لاتباع الدين الإسلامى؟ فإذا كان عظماء علماء الدين فى الماضى قد أسسوا مدارس ومذاهب فقهية عديدة، اعتمادا على فهمهم وفهم عصرهم لمصدرى الدين الإسلامى الرئيسيين، الوحى والسنة النبوية، فلماذا لا يحق لأخيار علماء عصرنا أن يقوموا بنفس المحاولة، باجتهاد وتقوى وعقلانية صارمة، طالما أن كل دين يحتاج إلى تجديد قراءته عبر الأزمنة وعبر تغير الأحوال؟
•••
هناك مثلا سؤال ثالث: ألم يحن الوقت لحسم موضوع العلمانية، لغة ومفهوما وتطبيقات فى الواقع، بدلا من إبقاء الموضوع عائما وغامضا وورقة فى يد العابثين والمهرجين؟ فمن الناحية اللغوية هل نحن نرفض العلمانية (بفتح العين) أم العلمانية (بكسر العين) أم كليهما؟ وإذا كان الرفض لكليهما، فما البديل المقترح لغة ومضمونا؟ ذلك أن كلمة العلمانية قد أصبحت جزءا من ثقافة العصر العولمى، وتحتاج إلى اتخاذ موقف وتقديم شرح.
ثم إن كلمة العلمانية لها تعاريف كثيرة، اعتمادا على تجارب تاريخ المجتمعات، وعلى مدى تبنيها لأفكار الحداثة الغربية. وعليه فهل آن الأوان لمحاولة إيجاد تعريف خاص بنا وبظروفنا؟ تعريف يبين المحددات، أى ما هو مقبول وما هو مرفوض. إن تجمع علماء الفقه المستقل المشار إليه سابقا يستطيع أن يفتح أبواب مناقشات وحوارات مع بعض المفكرين وبعض علماء علوم الاجتماع المختلفة من أجل النظر بعمق وموضوعية وعقلانية لإيجاد التعريف المطلوب.
•••
إن هذا الموضوع بالغ التعقيد، ولكن لا تستطيع هذه الأمة أن تبقى كل شىء معلقا، كما فعلت مع الأسف مع كلمات أخرى كثيرة من مثل الحداثة والليبرالية والديموقراطية والحرية وغيرها، لكنه موضوع مرتبط أشد الارتباط بحل إشكالية المذهبية الطائفية التى نتحدث عنها.
هذه بعض من أسئلة كثيرة، وهذا جانب من بين جوانب كثيرة، لكن خطورة المشهد الطائفى الحالى طرح الأسئلة والتفتيش عن مداخل لمواجهة هذا المشهد البغيض.