متلازمة الغرفة المظلمة
محمد بصل
آخر تحديث:
الخميس 3 يوليه 2025 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
خلال جلسة الموافقة النهائية على مشروع قانون الإيجار القديم الأربعاء الماضى، قال اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إن الجهاز «جاهز لتنفيذ مسح فورا لتحديث البيانات الخاصة بالأسر المؤجرة إيجارا قديما وعددها مليون و600 ألف أسرة أو للوحدات المؤجرة إيجارا قديما بهدف مساعدة القرار التنفيذى للقانون بعد إصداره». ومن المنطقى أن نسأل: ما الذى منع طوال الشهور السبعة الماضية – منذ صدور حكم المحكمة الدستورية العليا - من إجراء هذا المسح أو أى بحث ميدانى بمعايير إحصائية واضحة لتحديث آخر بيانات رُفعت فى عام 2017.
أقر مجلس النواب المشروع قبل أيام معدودة من نهاية دور الانعقاد، وبات من الخطير وقف إصدار القانون باعتراض رئيس الجمهورية عليه. فهذا يعنى ببساطة بدء تطبيق حكم «الدستورية» بنهاية دور الانعقاد فى ظل فراغ تشريعى سيدفع بالملاك والمستأجرين إلى ساحات المحاكم. أى أن إصدار القانون الآن ضرورى لبدء الفترة الانتقالية المقدرة بخمس سنوات للإيجار غير السكنى وسبع سنوات للإيجار السكنى.
وتبقى الحقيقة أن قانونا بهذه الحساسية ينظم حقين متقابلين يكفلهما الدستور؛ الملكية والسكن، سيصدر بناء على تصورات تشكلت فى غرفة مظلمة معلوماتيًا. لا بيانات محدّثة، ولا إحصائيات دقيقة أو قريبة، كانت ستضمن إلى حد كبير الوقوف على حجم المشكلة ووضع جميع العوامل فى سياقها الحقيقى، وتخفيف «التشويش» الناشئ عن معارك «البوستات والريلز والتوك شو» بين الملّاك والمستأجرين، وبين النواب المؤيدين لمشروع الحكومة ومعارضيه.
تدرك الحكومة خطورة نقص البيانات، وانعكس ذلك فى مشروع القانون بخطوة إيجابية بإلزام المحافظين بإنشاء لجان حصر فى كل محافظة تختص بتقسيم المناطق إلى متميزة ومتوسطة واقتصادية بناء على معايير وضوابط معينة لتحديد معدلات زيادة الأجرة الشهرية.
ولو كنا نملك بيانات محدّثة عن أعداد المستأجرين الأصليين ودرجات قرابة الحائزين للوحدات وتوزيع الظاهرة على المحافظات، لأصبحت الحكومة والنواب أقدر على اتخاذ القرار السليم، سواء فى تحديد الفترة الانتقالية أو تعداد أسباب الإخلاء المباشر (غلق الوحدة لأكثر من سنة أو امتلاك وحدة أخرى للغرض ذاته) أو حتى للتعامل مع بعض المقترحات الجادة التى قُدمت لاستثناء المستأجر الأصلى وورثته المباشرين، أو توزيع الوحدات على شرائح تبعا للظروف الاقتصادية للمستأجر وموقع الوحدة وفترة سكنه المستقرة بها وأملاكه الأخرى. وكانت البيانات ستفيد أيضا عند عرض الرصيد الحكومى للوحدات البديلة للتأكد من توافرها فى جميع المحافظات بما يتناسب مع أعداد المستأجرين المتضررين من الإخلاء.
لو كنا نملك بيانات محدّثة لخرجنا من هذا المأزق بقدر أقل من الاضطراب والغضب، وربما بحلول أقرب إلى تحقيق «السَّكينة الاجتماعية».. أحد الأهداف الأوليّة لدولة القانون، إلى حد تقديمها - فى رأى كثير من الفقهاء - على متطلبات العدالة النظرية.
«لو» هنا لا تفتح عمل الشيطان، بل ضرورة لتلافى تكرار متلازمة الغرفة المظلمة. بيانات أساسية غائبة تؤدى إلى عجز عن تحديد حجم المشكلة ثم افتراضات غير دقيقة تؤدى إلى حلول ناقصة أو منفصلة عن الواقع ومن ثم مشاكل فى التطبيق.
والإيجار القديم قضية واحدة من عشرات لا نعرف كيف نتعامل معها بنجاعة، ولا يدرى النواب أو الإعلام عنها ما يمكّن من فتح نقاشات مفيدة تنتج حلولًا حقيقية.
على سبيل المثال: ما عدد تلك «التريلات والقلابات» الماضية كـ«الزومبى» وكثير منها لا تحمل أرقامًا، تحصد الأرواح وتدمر الممتلكات؟ وما عدد الطرق الخاضعة للإصلاحات بعد فترة قصيرة من افتتاحها كالطريق الإقليمى الذى شهد حادث المنوفية البشع؟ ولماذا ظهرت تلك المشاكل من الأساس؟ وما نسبة النجاح التى حققتها منظومة التصالح فى مخالفات البناء؟ وما عدد الكيانات والمنشآت المستهدفة بالحوافز الضريبية الجديدة الصادرة فى فبراير الماضى؟ وما حجم وتوزيع العمالة المستهدفة بأنماط العمل الجديدة فى قانون العمل؟
يتصوُّر البعض أن تقييم الأثر التشريعى للقوانين ذات البعد الاجتماعى بعد تطبيقها وسيلة كافية لعلاج السلبيات. والحقيقة المجرّبة أن غياب البيانات الدقيقة من البداية يجعل من التعديل اللاحق عملية ترميم صعبة لبناء هشّ الأساس.