المربعات المرسومة للنساء
خولة مطر
آخر تحديث:
الإثنين 3 أغسطس 2015 - 6:55 ص
بتوقيت القاهرة
أخبروا نساء العرب وكرروا أن سبى النساء واغتصابهن وقتلهن ضمن النزاعات المتلونة فى المنطقة العربية والتى حملت تسميات مختلفة، أخبروهن جميعا أن ما يحدث يبدو مستهجنا وغريبا عن مجتمعاتنا.. كرروا على نسائنا المعنفات تحت مسميات وتبريرات منها بعض المؤسسات التى غلفها العيب والعار والعادات المتخلفة.. قولوا لنساء العراق وسوريا واليمن ومصر والمغرب ودول الخليج ان ما يحدث اليوم امام أعين العالم المتفتحة لنساء هذه الدول هو أمر دخيل أو غريب على هذه المجتمعات التى تعطى كثيرا من التسميات وأكثرها سخرية هى أنها مجتمعات «متدينة»، وكأن الدين قد اختزل فى المظهر الخارجى المقزز أحيانا!!!
***
قولوا لتلك التى ولسنوات مضت هى حبيسة المربعات المرسومة إما المنزل أو الشارع بصحبة «محرم» أو التعليم مع «محرم» أيضا وهكذا.. أو تلك التى حين قررت أن تساير الجميع وترتدى كما يشاءون هم رجال وذكور متحفزون للانقضاض عليها تحت ذرائع مختلفة هى فى مجملها أيضا لا تبتعد عن العار والعرض، كما رسمته أدمغتهم هم.. استعرضوا الدراسات الخجولة التى لم يسمح لها وبها إلا أخيرا والتى نبشت فى المحضور وهو كم عدد المغتصبات والمعنفات ضمن إطار المؤسسة الزوجية. وابحثوا عن تلك الدراسة التى عرفت التحرش وسألت العديد من النساء فى ذلك البلد الذى اشتهرت أعيادها أخيرا بأنها احتفاليات للتحرش بالنساء كجزء من فلكلور هذه الأعياد؟؟ ربما.. واستمعوا للإجابات التى لا تكشف إلا جزءا من الحقيقة وليس كلها، لأن نساءنا مازلن حصيرات الأدوار التقليدية والخوف أيضا من نفس العار والعيب وشرف العائلة أو شرف البنت!!! وعن فتيات يسقن إلى بيوت الدعارة استغلالا لفقر الأسرة أو عوزها أو؟؟؟!! ولأخريات يعملن فى مهن شديدة الصعوبة والإهانة.
***
هى المرأة فى مجتمعاتنا الحديثة والقديمة التى تقدم التضحية الأولى من أجل الأسرة، ففى المنعطف الأول للانحدار للفقر تخرج الفتيات من فصول الدراسة لأن الأهم هو أن يتعلم الولد ويقام ذلك بحجج، منها أن الرجال هم من يعولون الأسر رغم أن كل الدراسات تثبت أن الكثير من الأسر فى العديد من المجتمعات، خاصة الفقيرة منها، تعتمد اعتمادا كليا على المرأة أو النساء فى الأسرة حتى فى المجتمعات التى تبدو أنها مرفهة بعض الشىء.. تلك التى يتصور كثيرون من العرب أن كل نسائها لا يعرفن سوى التسوق فى المجمعات التجارية الضخمة والاعتماد على اليد العاملة فى المنزل لتقوم بدور الأم !!! نفس تلك المجتمعات التى تحولت الآن ومع النمط الاستهلاكى المنتشر كالوباء إلى مجتمعات تفرخ نساء قد يكن متعلمات ولكن بهدف صيد الرجل الأكثر ثراء حتى تحفظ الشهادة لتكون جزءا من الديكور العام للزوجة العصرية الجميلة المتكاملة وفى ذلك لا تختلف مجتمعاتنا عن الكثير من المجتمعات الأخرى حتى الأوروبية منها التى بقيت لسنوات تخصص مدارس لتعليم الفتاة كل أمور الحياة والتعليم ولكن كل ذلك ليس بهدف استقلاليتها وكرامتها ودورها فى المجتمع وإنما بهدف أن تكون الأكثر قبولا فى أسواق الزواج المتلونة..
***
انبشوا تاريخنا الذى لطالما تغنينا به ورددنا أنه تاريخ حافل بالإنجازات وهذا قد يكون به كثير من الحقيقة على الصعد الفردية وليس على الصعيد الجماعى، ومع ذلك ففى المقابل، فى مقابل كل تلك الحضارات والتطورات التى قام بها أفراد من هذه المنطقة كانت هناك مناطق شديدة العتمة هى التى كانت تسكن فيها النساء حيث العالم الاخر لحضارة لم تشمل المرأة إلا فى المظهر فقط وليس فى الحقوق العامة ولا المعاملة الانسانية..
ما يجرى اليوم من صور مؤلمة لنساء المنطقة عرب وغير عرب ليس على يد داعش، والتى تجاهر بما يقوم به الآخرون، ولكن بشكل مبطن وتحت تسميات مختلفة حتى فى المجتمعات التى تسمى نفسها متحضرة وتتحدث عن حقوق الانسان والنساء وتتماهى مع دول العالم فى تعيين المسئولات فى المناصب التى تكون أحيانا عالية ولكنها لا تصنع القرار ورغم ذلك تبقى النساء الأخريات الضعيفات، الفقيرات، قليلات التعليم تبقين حبيسات نفس تلك المربعات المرسومة والتى لا يمكن إلا أن تؤدى لنظرة دونية تستمر فتكبر فتتحول إلى كل أنواع العنف والاحتقار والإهانة لكرامة النساء فى هذا الوطن الرابض فوق نار حارقة..