على الرغم من تهديدات نصر الله: ممنوع أن توقف إسرائيل خطة استخراج الغاز من «كاريش»

تقف دولة إسرائيل أمام فترة حساسة فى الشمال. فى السيناريو المتطرف، يدور الحديث عن وضع من الممكن أن يتدهور إلى حرب شاملة، لكنها ليست قدرا، وهناك آليات لدى الطرفين يمكنها بالتأكيد الحئول دون وقوعها.
صحيح أن الحدث مرتبط بالخلاف على الحدود الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان، لكن لا يجب الوقوع فى الخطأ: الحديث يدور، أولا وآخرا، عن حدث يرتبط بالوضع الداخلى اللبنانى المتغير.
نبدأ من الخلاف التقنى أولا، النزاع على الحدود ما بين إسرائيل ولبنان. هناك حقلان كبيران للغاز فى منطقة الشمال ــ الأول «قانا»، والثانى «كاريش». وفى الوقت الذى يتواجد «كاريش» برمته داخل المياه الاقتصادية الإسرائيلية، فإن «قانا»، فى أغلبيته، داخل المياه الاقتصادية اللبنانية، والجزء الجنوبى منه هو الموجود فى منطقة النزاع. وبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ولبنان، فإن كل دولة رسمت حدودها البحرية منفردة، وهذا ما ولّد منطقة نزاع ملاصقة.
بعد التوجه إلى الوساطة الدولية بخصوص ترسيم الحدود البحرية، تقرر أن يحصل لبنان على جزء أكبر من المنطقة المتنازع عليها. وبشكل غير مفاجئ، قبلت إسرائيل التسوية فى وقت رفضها لبنان. حتى أنه بعد الانتخابات الأخيرة فى لبنان، ذهب اللبنانيون إلى أبعد من ذلك ووضعوا خطا جديدا للحدود بصورة أحادية، ومن دون أى منطق، تجاوز حقل «كاريش». ومن الواضح أن هذا الخط غير مقبول من الجهات الدولية أيضا. ويبدو أن الحكومة اللبنانية فهمت أنها تسلقت شجرة عالية وأرادت النزول عنها، إلا إن حسن نصر الله استغل الفرصة وانقض عليها. وهو ما يقودنا إلى السبب الحقيقى الكامن وراء الأزمة التى يفتعلها «حزب الله» هنا.
• • •
الوضع الداخلى فى لبنان هو المسبّب الرئيسى لهذا التصعيد. فلبنان يعانى جرّاء عدم استقرار سياسى، وأزمة اقتصادية خانقة، وساعات قليلة من الكهرباء فى اليوم، أزمة طاقة حرجة، بالإضافة إلى استقطاب طائفى عميق يستند إلى ذاكرة تاريخية مؤلمة (الحرب الأهلية). هذا بالإضافة إلى أنه بعد الانتخابات الأخيرة، وعلى الرغم من أن «حزب الله» لم يضعف، فإن هناك أعضاء مستقلين دخلوا البرلمان حديثا ويطرحون موقفا معارضا لوجود ميليشيات شيعية مسلحة فى لبنان (حزب الله). هؤلاء طبعا ليسوا أحباء صهيون، لكنهم وطنيون لبنانيون يوجّهون النقد إلى سلاح المقاومة. هم مع لبنان ضد إسرائيل. ومطلوب من نصر الله تبرير وجود سلاح مقاومة أصلا ــ وإن كنت لا تقاوم، فما حاجتك إلى هذا السلاح؟ نصر الله يستغل الوضع الحالى: المواطنون اللبنانيون يعرفون أزمة الطاقة ويعانون جرّاءها، ويرون كيف تقوم إسرائيل باستخراج الغاز ولبنان لا.
قائمة نجاحات نصر الله واضحة، وحقق جزءا منها. فى تقدير نصر الله أن إسرائيل لن ترد على إطلاق المسيّرات التى كان الهدف منها جمع المعلومات الاستخباراتية، وحتى إن ردت فسيكون بشكل لا يؤدى إلى حرب شاملة. من جانبه، كل نتيجة هى إنجاز. إن وُقِّع الاتفاق ــ فسيدّعى أنه تم بفضل التهديد بسلاح المقاومة. وإن قامت إسرائيل بتأجيل استخراج الغاز فى سبتمبر، فسيطرح الموضوع كأنه خضوع لتهديداته. وإن دفع استمرار الأزمة لبنان إلى طلب النفط من إيران، فسيدّعى أيضا أن هذا بفضله. ومن المهم الانتباه إلى أنه وفى جميع خطاباته، يهتم نصر الله بالتشديد على أن إطلاق المسيّرات هو عملية لبنانية وليست إيرانية، والدافع هو وطنيته اللبنانية. وبالمناسبة، أعتقد أنه صادق فى الموضوع الإيرانى ــ الحديث يدور بشأن عملية خاصة بحزب الله من دون توجيه إيرانى، حتى ولو كانوا يفركون أياديهم بسعادة.
ما بدأ قبل أسابيع بإطلاق مسيّرة واحدة، تم إسقاطها بواسطة أدوات ناعمة، استمر فى إطلاق ثلاث مسيّرات أُسقطت على يد سلاح البحرية وسلاح الجو ــ عملية أدت إلى شعور بالفخر. بتقديرى، إن نصر الله لا يريد التوقف الآن، ومن المتوقع أن يستمر حزب الله فى عمليات شبيهة. وأيضا، يجب التجهّز لسيناريوهات متطرفة، ومن غير المرجح أن يختار حزب الله استعمال الصواريخ الموجهة، أو المسيّرات التى تحمل المتفجرات ــ نصر الله أيضا لا شكوك لديه فى أن عملية كهذه ستؤدى إلى رد إسرائيلى قاس، وتبادُل إطلاق النار الذى سيحدث من شأنه أن يؤدى إلى حرب ــ تطوُّر من شأنه أن يكون ضربة قاضية للبنان المنهار أصلا. وعلى الرغم من ذلك، فإن تجربة الماضى، وضمنها حرب لبنان الثانية، علّمتنا أنه حتى ولو لم يكن لدى الطرفين الرغبة فى الحرب، فيمكنهما الانجرار إليها.
• • •
فى حال استمر حزب الله فى تحدى إسرائيل فى الصيغة الحالية، وواصل إطلاق مسيّرات إضافية باتجاه منصة التنقيب، أمام إسرائيل عدة إمكانات:
الاحتواء ــ إسقاط المسيّرات، وليس أكثر من ذلك. الإيجابية ــ لن يكون هناك انجرار إلى معركة واسعة. أما السلبية الأساسية ــ تعزيز الشهية باستمرار المعركة، وتوسيعها حتى إلى مناطق النزاع على الحدود البرية. سلبية إضافية ستكون ــ تعاظُم قوة حزب الله فى الداخل اللبنانى، وتبرير وجود سلاح المقاومة الذى بفضله صمد لبنان لتحقيق حقوقه وفخره، ولم يخسر بسبب الردع الذى يقوم به هذا السلاح.
رد يفوق توقعات العدو ــ فى هذا السيناريو، لا تكتفى إسرائيل بالرد، إنما تفعل ذلك بشكل حاد جدا. الإيجابية ــ الردع: عندما يكون الرد فوق التوقعات، تتم زعزعة الثقة بالنفس لدى الخصم الذى يعتقد أنه يعرف خطواتك المتوقعة، وبذلك تتم زعزعة الثقة إلى جانب الردع من عملية مستقبلية. السلبية المركزية ــ من شأن هذا أن يدفع حزب الله إلى الرد بحسب معادلات الرد الخاصة به. كلما كانت الأهداف مؤلمة أكثر من طرفه، فسيرد بقوة أكبر. الذهاب إلى هذا الخيار بالضرورة سيصعّد الردود المتبادلة التى ستؤدى إلى معركة.
ردود متساوية ــ عمليات ذات تأثير فى الوعى. عمليات خاصة سرية، ردود غير دراماتيكية ولا تنزع عن العدو قدراته. ويمكن فى هذا السيناريو أن يكون الرد خارج لبنان، مثلا فى سورية. الإيجابية ــ إسرائيل ردت ولم تحتوِ. السلبية ــ حتى على هذا من الممكن أن يرد حزب الله، ومن الممكن أن ننجر إلى ديناميكية تصعيد.
• • •
الفرضية تقوم على أن نصر الله سيستمر فى تحدى إسرائيل فى الوقت القريب. ومن المهم التشديد على أن التصعيد حتى الحرب الشاملة يتعلق بالشكل الذى تقرر فيه إسرائيل الرد، كيف ترد على الرد على ردها. لذلك، هذا ما يجب القيام به الآن:
تعزيز الجهوزية لمعركة واسعة ــ نحن فى مرحلة حساسة، يمكن أن تتصعد. لذلك يجب تعزيز الجهوزية والاستعداد للانتقال السريع إلى حالة طوارئ.
فتح معركة مضادة على الوعى ــ نصر الله يضع لبنان تحت خطر الحرب الشاملة. يقوم بذلك بهدف تبرير وجوده، وإعادة توجيه الانتقادات الشعبية ضده، كالمسئول، إلى حد ما، عن وضع لبنان، وليس لإنقاذ الدولة. يجب نشر هذا، وفى المقابل، إرسال رسائل عن طريق دول كفرنسا وألمانيا، مفادها أنه يجب على نصر الله ألا يخطئ مرة ثانية بقراءة نيات إسرائيل (كما حدث له فى سنة 2006).
الاستمرار بإصرار شديد فى سياسة استخراج الغاز ــ ولا يجب التأجيل بأى شكل من الأشكال بسبب التهديدات. يجب على التهديدات أن تعزز تصميم إسرائيل واستمرارها فى الاستخراج فى الموعد المحدد. وفى المقابل، الالتزام بالمفاوضات والاستمرار فيها.

تامير هايمن
مدير معهد أبحاث الأمن القومى
موقع N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية