ما بين ميكى ماوس وجونى ماوس

محمد عبدالمنعم الشاذلي
محمد عبدالمنعم الشاذلي

آخر تحديث: الخميس 3 أغسطس 2023 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

تنص المادة العاشرة من الدستور المصرى على أن «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها».
وإذا كانت حلقات الحمض النووى DNA مسئولة عن انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأولاد والأحفاد، فإن الأسرة هى المسئولة عن نقل قيم المجتمع وسماته من جيل إلى جيل عن طريق الآباء والأمهات الذين يربون أولادهم طبقا لقيم وتقاليد متوارثة، والأسرة، كما فطر الله الإنسانية منذ آدم وحواء هى أب وأم.. رجل وامرأة يتزوجان وينجبان ويعمران الأرض.
• • •
طلع علينا اليوم من يريدون هدم فطرة الخلق ويدعون إلى إلغاء تصنيف المولود عند الولادة وتركه يختار جنسه عند الرشد، وتقويض الأسرة المكونة من الأب والأم والاستعاضة عنها بأسرة من نفس الجنس.
فى الولايات المتحدة أصدرت المحكمة العليا حكمها فى سنة 2015 بجواز الزواج المثلى، وأصبح مباحا قانونا فى جميع ولاياتها الخمسين، كما أباحته معظم دول الاتحاد الأوروبى.
لعل موضوع الجندرة موضوع قديم أثار الجدل والنقاش بسبب تمرد البعض على هويتهم الجنسية، ولعل من الأمثلة البارزة فى القرن التاسع عشر الأديبة الفرنسية Amantine Dupin التى تمردت على طبيعتها وارتدت ملابس الرجال وسمت نفسها George Sand، والغريب فى الأمر أنها أقامت علاقات مع عديد من العشاق من الأدباء والنبلاء بينهم الموسيقار البولندى الشهير، شوبان. وشغل الشذوذ أيضا المجتمعات منذ القدم وشاع لدى الإغريق والرومان، وما زالت آثار مدينة بومبى فى إيطاليا شاهدة على الفجور الذى ساد فيها عندما فاجأها بركان فيزوف بثورته فى عام 79 ميلادية وتجمد العديد من سكانها تحت ركام الحمم البركانية فى أوضاعهم الشائنة. ورغم هذا التاريخ ظل الشذوذ مُجرما فى الغرب كما تشهد على ذلك محاكمة الأديب البريطانى الشهير أوسكار وايلد فى عام 1895، والحكم عليه بالسجن بسبب شذوذه. ولعل تغيير الجنس يعود أصله إلى الخصيان الذين انتشروا فى الحضارات الشرقية والغربية فى التاريخ. وعلى عكس الاعتقاد السائد أن الخصيان كانوا مخنثين يعملون لخدمة الحريم فى القصور، فقد وصل عدد منهم إلى مناصب إدارية وقيادية وعسكرية رفيعة، منهم Ganymedes الذى قاد جيش أشقاء كليوباترا أرسينوى وبطليموس الثالث عشر الذى حارب الجيش الرومانى بقيادة يوليوس قيصر وكاد يهزمه. ويذكر التاريخ أيضا كافور الإخشيدى الوزير القوى الذى تحكم فى أمور مصر فى أيام الدولة الفاطمية وكان من الخصيان.
وفى الصين كان فى عصر إمبراطورية منج المزدهرة القائد البحرى والمستكشف الجغرافى العظيم الذى جاب بأساطيله البحار والمحيطات، ويرجح أنه وصل أمريكا قبل كولومبوس الخصى Zheng He، إلا أن ظاهرة الخصى لم تكن ظاهرة شرقية بل عرفتها أوروبا وكانت جوقات الإنشاد الدينى فى الكنائس الكاثوليكية تخصى الصبيان حتى لا يخشوشن صوتهم عند البلوغ ويؤثر على جمال إنشادهم، واستمر ذلك حتى حرم البابا ليو الثالث عشر ذلك فى عام 1878.
ومع التقدم فى العلوم الطبية وفى الجراحة بدأت مرحلة تغيير الجنس التى بدأت باكتشاف الطبيبين البريطانيين Ernest Starling و William Bayliss الهرمونات فى عام 1952، وبتطور الأبحاث تمكنت المعامل من عزل هرمون Estrogen فى عام 1929 وهرمون testosterone فى عام 1935. وشاع استخدامهما أو بمعنى أصح سوء استخدامهما لتحويل المظاهر الجنسية والنوعية لمتعاطيها.
تطور آخر ظهر أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان استخدامه فى البداية حميدا وتحول إلى استخدام خبيث، فقد قام الطبيب الأمريكى Elmar Bent بسلسلة من الجراحات التعويضية لجرحى من الجنود الذين فقدوا أعضاءهم، وتحول الأمر بعد الحرب ــ فى خمسينيات القرن الماضى ــ إلى إجراء جراحات لنساء لتحويلهن إلى رجال بزرع أعضاء ذكورية، إلا أن الجامعات رفضت قيامه بهذه الجراحات فى المستشفيات التابعة لها أو نشرها فى دورياتهم الطبية، واضطر إلى التوقف بعد ضغوط اجتماعية وكنائسية. وفى عام 1959 قام الدكتور S. Waudestra بأول جراحة معتمدة طبيا فى هولندا لإضافة أعضاء ذكورية لامرأة لتحويلها جنسيا، وسُجلت الجراحة فى المجلة الطبية الهولندية.
• • •
تزامنت هذه التطورات الطبية والعلمية مع تطورات اجتماعية عميقة تمثلت فى تراجع الحشمة، فظهرت المايوهات البكينى فى بداية الستينيات، وأصدر بابا روما، بيوس الثانى عشر فتوى بتحريمها عام 1951 بعد أن ارتدته ملكة جمال العالم فى مسابقة عام 1951، ثم انتشر انتشار النار فى الهشيم بعد أن ارتدته ملكة الإغراء، بريجيت باردو على شاطئ كان عام 1952، بعد أن حضرت المهرجان السينمائى. وفى عام 1964، قدمت مصممة الأزياء البريطانية مارى كوانت المينى جيب. ومن المفارقات أن هذه المرحلة التى شاهدت تأكيد النساء على إبراز أنوثتهم والكشف عن مفاتنهم تزامنت مع موجة من التركيز على الجانب العنيف والخشن للرجال بسلسلة من أفلام الحرب ورعاة البقر وسلاسل أفلام رامبو وروكى، ثم كانت حرب فيتنام وما تم فيها من فظائع هلع منها جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية نفس عن مشاعره فى تجمع Woodstock عندما تجمع قرابة نصف مليون من الشباب فى الولايات المتحدة فى شهر أغسطس 1969، وانتشر بينهم الفجور والشذوذ وظهرت المخدرات المخلقة وعقاقير الهلوسة LSD... وغيرها. وسادت بعد ذلك موجات الإلحاد مع ظهور حبوب منع الحمل التى سهلت العلاقات المحرمة دون عواقب. ويظل السؤال المطروح كيف استطاعت جماعات أقلية أن تنشر الشذوذ والفجر والدعوة إلى تحطيم الأسرة بشكلها التقليدى، وليس فقط تقنين وضعها وإباحة ممارستها فى مناطق مثل حزام الإنجيل Bible belt الذى يضم الولايات المتحدة الجنوبية المحافظة دينيا، وفى الدول الأوروبية الكاثوليكية مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا بل إنها باتت تفرض معتقداتها بعسف يشبه عسف محاكم التفتيش، فويلا لمن يقترح على شاذ أن يلجأ للعلاج يُتهم بأنه عنصرى وأنه لا يقبل خيار الآخر، ويرغمون المكتبات العامة ومكتبات المدارس على وضع كتب تمثل الأسر المثلية وفرض شعار قوس قزح للمثليين على الفرق الرياضية، وكان موقف الوزيرة الألمانية أثناء مباريات كأس العالم فى قطر مثالا فجا على ذلك.
لعل أكثر الأمور إزعاجا إعلان شركة ديزنى سياستها بادماج المثليين فى برامجها وما يمثله ذلك من خطر على أطفالنا لتغلغل شخصياتها نفوسهم، وأخشى أن نشهد قريبا ميكى ماوس يتخلى عن حبيبته مينى ويقع فى غرام جونى ماوس، وتتخلى البطة ديدى عن حبيبها دونالد لتقع فى غرام البطة لوسى.
إن وراء هذا التغيير لوبيهات وجماعات ضغط تعمل فى مناخ استهلاكى هدفها الوحيد التسويق والربح المادى دون النظر إلى القيم والأخلاق، وتستعين بشبكة عنكبوتية من شركات الدعاية والإعلان تروج بأن كل شىء شرعى ومباح ما دام يحقق أرباحا ومبيعات دون النظر إلى الأخلاق والقيم.
لقد أقمنا فى عام 1970 حائط الصواريخ لحماية سمائنا وأرضنا وشعبنا من هجمات طائرات الفانتوم الإسرائيلية. ولعلنا اليوم فى حاجة إلى حائط جديد لصد الهجمات على أخلاقنا وقيمنا وديننا، إذ أننا نواجه حربا لاستنزاف شبابنا وأطفالنا فى الشذوذ والفجور، والحرب تحتاج لهيئة أركان ونحن فى حاجة إلى نخبة من خبراء علوم الإعلام والاجتماع والنفس والأخلاق والتربية والتعليم ورجال الدين لنكون بمثابة هيئة الأركان التى تقود حائط دفاعنا فى هذه الحرب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved