من دولة المافيا إلى دولة الإخوان

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 3 سبتمبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بعد أن ثبت أنه لا يوجد مشروع نهضة ولا يحزنون، وأنه كما قال مرشح الجماعة الأصلى خيرت الشاطر «مجرد خطوط عامة مطروحة للنقاش العام»، وبعد أن تبخرت المائتى مليار دولار التى وعدنا بها الرئيس مرسى فور انتخابه فى الهواء، واستبدل بها قرض صندوق النقد الدولى (4.8 مليار دولار)، الذى كان حراما وربا ومذلة وخضوعا للإمبريالية العالمية مع الجنزورى، ثم صار حلالا بلالا و«ضرورات تبيح المحظورات» مع قنديل، وبعد أن تحولت الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات وأحيانا قطع الطرق، من وسائل سلمية للتعبير عن الرأى، إلى فوضى وتخريب ومؤامرة لإفشال خطة المائة يوم، وبعد أن وضع وزير العدل قانون طوارئ بديلا عن ذلك الذى انتفضت الملايين لإسقاطه وإسقاط من حكموا به ثلاثين عاما، وبعد أن تكشفت محاولات تيار الإسلام السياسى لكتابة دستور على هواها، يحصّن رئيس الجمهورية «الإخوانى» من المساءلة إلا بموافقة ثلثى أعضاء البرلمان «الإخوانى»، وبعد أن أحكمت الجماعة قبضتها على الصحافة القومية وتليفزيون الدولة، الذى يموله دافعو الضرائب من المواطنين المصريين، الذين لا ينتمى أغلبهم إلى جماعة الإخوان، وبعد أن أسقط رئيس الجمهورية هيبة القانون وانتهك الدستور الذى أقسم على احترامه، وبعد أن شرعت الجماعة فى تنفيذ مخططها فى السيطرة على مفاصل الدولة وأجهزتها، بإفساح المجال للأعضاء المباشرين وللموالين، وبعد أن تحدّت الدولة وقوانينها ورفضت الانصياع لقانون الجمعيات الأهلية لتبقى على حالتها الاستثنائية تلك: مقرات وجريدة وحزب سياسى ونواب فى البرلمان ورئيس جمهورية، لكن لا أحد يعلم عدد أعضائها ولا من أين تأتى مواردها ولا كيف تدير أنشطتها.

 

بعد هذا كله يؤسفنى أن أقول لكم إننا انتقلنا من دولة المافيا بزعامة مبارك، إلى دولة الإخوان بزعامة بديع.

 

فى دولة الإخوان ستتراجع شرعية القانون لحساب شرعية الحشد، فقد أدرك الإخوان أن حشد أنصارهم فى الميادين الكبرى، وهى لعبة يجيدونها أكثر من غيرهم، وربما لم يثبت أنهم يجيدون غيرها حتى الآن، قادر على إخراس ألسنة معارضيهم وتمرير مخططاتهم «بوضع اليد» مهما كانت مخالفة للقوانين والأعراف، فعلوا ذلك قبل أن تؤول لهم الأمور، فما بالك وهم يسابقون الزمن لأخونة الدولة بجميع أجهزتها.

 

مثل كثيرين دافعت عن وجود الإخوان كجماعة شرعية، وانتقدت من يطلقون على أنفسهم ليبراليين حين لم يعترفوا بفوز مرشحى الإسلام السياسى بالأغلبية فى مجلس الشعب (وبينى وبينهم أرشيف لا يكذب ولا يتجمل)، وأكدت مرارا تقديرى لتضحياتهم فى سبيل ما يؤمنون به، فى ظل التضييق عليهم وحظر نشاطهم.

 

لكننى الآن أخشى على وطنى من أن يتفتت، أخشى من حروب أهلية ألمح بوادرها فى الأفق، أخشى أن تضيع مصر التى عرفناها بحدودها وتنوعها وجغرافيتها، أخشى أن يزج بنا فى أتون حرب إقليمية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، أخشى أن نساق إلى مخطط أمريكى يرسم شرق أوسط جديد، بينما نحن نصدح بشعاراتنا إياها عن استقلالية القرار واستعادة الدور.

 

كنا نطمح فى استعادة مؤسسات الدولة لعافيتها بعد أن غلب عليها الفساد والترهل والنفاق فى زمن مبارك.

 

كنا نطمح أن ننتقل من دولة المافيا إلى دولة القانون.

 

لكننا كما قال البرادعى: انتقلنا من فوضى إلى فوضى أكبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved