بين الاستنزاف والترقب والدعاء
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 4 سبتمبر 2016 - 11:37 ص
بتوقيت القاهرة
لو أردنا أن نضع عنوانا كبيرا للمشهد السياسى المصرى، فلابد أن العنوان سيشمل كلمتى «الاستنزاف» و«الترقب»! الجميع يشعر باستنزاف شديد ولا يملك سوى ترقب المستقبل الغامض والذى تزداد صعوبة التوقع به يوما بعد الآخر، بحيث لا يتبقى سوى الدعاء والابتهال لله تعالى أن تأتى العواقب سلمية!
تراجع ملحوظ فى العمليات الإرهابية وإن كان لا يخلو بين لحظة وأخرى من ضربة هنا أو تفجير هناك، غياب مؤقت لأخبار التعذيب فى أقسام الشرطة ثم حوادث مفجعة متتالية لا تجد من يحقق فيها بشكل مستقل! تأجيل لبعض القضايا الحقوقية المنظورة أمام القضاء لا يمنع من التربص بالحقوقيين بين الحين والآخر! صياغة بعض القوانين المؤثرة فى حق المواطنين مثل قانونى القيمة المضافة وبناء وترميم الكنائس على عجلة شديدة وبدون أى نقاش مجتمعى أو حتى سياسى!
كان من الطبيعى فى ظل هذه الأجواء أن تعلن بعض التيارات «المدنية» عن نيتها فى تأسيس بديل يكون جاهزا بحلول موعد الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٨.
فيما يلى أعرض بعض المقتطفات من المشهد العام لمصر خلال الشهور القليلة الماضية والتى جاءت جميعا لتعبر عن حالة الاستنزاف والقلق والترقب والحذر فى هذا المشهد المرتبك علما بأن هذه المقتطفات ليست حصرية ولكن تم اختيارها بشكل يعبر عن انحيازاتى السياسية، ولا ضرر من إعلان ذلك صراحة.
***
تيران وصنافير: مازالت القضية لم تنته ففصولها تتوالى، ومازال القضاء منحازا لمصريتهما. هناك ما يبدو لى أنه «عِندٌ» من السلطة الحاكمة وبعض مؤيديها، السلطة تورطت بقرار خاطئ، متسرع، لم يحترم الدستور ولا مبادئ السيادة ولا الرأى العام. من دخل السجون بسبب دفاعه عن مصرية الجزيرتين، كسب تعاطفا وتأييدا، ومن زج بهم فى السجون وضع نفسه فى موقف حرج شعبيا وأصبحت علامات الاستفهام تطارده! هل هناك حرج بسبب العلاقة المميزة بين مصر والمملكة السعودية؟ وهل قررت السلطة عدم دفع ثمن الحرج السياسى مع المملكة، فقررت دفع ثمن حرج أكبر أمام الشعب؟ أسئلة مهمة تنتظر الإجابة والحسم.
العنف والإرهاب: ببعض المتابعة والحسابات البسيطة، فإن العمليات الإرهابية قد تراجعت نسبيا عن العامين الماضيين، وهو مؤشر إيجابى نحمد الله عليه، لكن قلة العدد ليست بالضرورة تعبير عن انتهاء المشكلة، فمن وقت لآخر تحدث عمليات نوعية ونكتشف وجود جماعات إرهابية تعمل على مستوى جزئى وبشكل بدائى ولكنها لا تقل خطورة عن الجماعات الإرهابية المنظمة فى تقديرى، لأنها تعبر عن مساحة غضب مختزن وجاهز للانفجار كلما أتيحت له الفرصة. مازالت بعض وسائل الإعلام تستخدم لفظ «التصفية» فى وصف بعض عمليات الجيش أو الشرطة بين الحين والآخر دون اعتراض رسمى من المتحدثين باسم هذه المؤسسات، ومازالت أوضاع سيناء وأهلها موضع قلق.
المعارضة: تحركت بعض المياه الراكدة أخيرا بإعلان بعض الشخصيات العامة انخراطها فى تجهيز «بديل سياسى»، وهو ما تسبب فى ردود فعل متباينة، رد البعض بمطالبة الشعب بتوقيع تفويضات لإعادة ترشيح الرئيس! وتحدث البعض الآخر عن اشتراطات للرئيس قبل أن يتخذ قراره بإعادة الترشح لانتخابات ٢٠١٨! من ناحية المعارضة فلا نعرف بعد هل نحن أمام مشروع تأسيسى بمحتوى بدائل للسياسات العامة، أم مجرد نية طيبة وأمنيات حالمة؟ لا أريد الحكم على بعض المداخلات الإعلامية والبيانات التى خرجت من البعض بخصوص «البديل»، لأنها فى أكثر العبارات دبلوماسية مجرد رؤى رومانسية حالمة نتمنى ألا تكون هى كل ما فى الجعبة. من ناحية السلطة فلا نعرف إلى أى مدى ستتصرف بأسلوب عاقل ورشيد تجاه فكرة البديل المؤسسى الرئاسى الذى هو حق دستورى وقانونى للجميع! المؤشرات الأولية لردود الفعل غير مبشرة كثيرا بكل أسف!
***
الملف الحقوقى: مازال التربص هو سيد الموقف بالمنظمات الحقوقية سواء على مستوى مؤسسى أو على مستوى فردى. مازالت التهديدات هنا وهناك، رغم أن أكثر من منظمة حقوقية أبدت حسن نيتها ورغبتها فى التأسيس والحوار مع السلطة حول شروط هذا التأسيس إلا أن الأخيرة تعطى إشارات متتالية أن المشكلة لديها أعمق من تفاصيل الحديث حول التمويل أو طبيعة ونطاق النشاط أو حتى طرق وآليات الرقابة، لكن تبدو المشكلة أن السلطة لا تثق ولا تؤمن بمجال النشاط الحقوقى برمته وترى أنه تهديدا للأمن القومى رغم أن العكس هو الصحيح! بالإضافة إلى ذلك فمازالت حوادث الوفاة تحدث فى الأقسام للمحتجزين على ذمة قضايا دون تحقيق مستقل لتبين حقيقة وظروف هذه الوفيات المتكررة، كما أن ظروف المحبوسين فى السجون مازالت متباينة، تحدث البعض عن تحسن نسبى بالفعل لبعض المحتجزين، ومازال البعض يشتكى من ظروف الزيارة والاحتجاز والخدمات الطبية ومازلنا ننادى بتحسين ظروف المساجين المعيشية ومراجعة ملف المحبوسين احتياطيا ولا أعلم إن كان هذا النداء سيجد استجابة أو صدى فى يوم قريب!
حقوق المواطنة: هتف الجميع تحت قبة مجلس النواب «يحيا الهلال مع الصليب» و«تحيا مصر»، لكنها عادة سياسية قديمة وتقليد نخبوى أصيل، هتافات وشعارات دون محتوى، صورة دون مضمون! وجود قانون لتنظيم عملية بناء الكنائس خطوة تبدو إيجابية للغاية، إلزام المحافظ تقديم رد على طلب بناء الكنائس خلال فترة محددة مع إلزامه أيضا بتقديم الأسباب لو قرر الرفض خطوة للأمام، لكن كالعادة يأتى القانون مفخخا بالعبارات العامة الفضفاضة والتى لا تؤدى سوى إلى إعادة إنتاج الواقع كما عبر عن ذلك برنامج الحريات المدنية التابع للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى بيانه الأخير. فى البيان اشتباك ثرى مع محتوى القانون وعملية تشريعه، أدعو القارئ والسلطة قبل المعارضة الاطلاع عليه (
هـــنـــا). المؤسف أيضا أن الجدال المجتمعى والحزبى ــ على محدوديته ــ حول القانون لم يخل من بعض التعليقات والأفكار المثيرة للدهشة، مثل القول إن «مصر بلد إسلامى لا يسمح بتوغل الأقباط» أو التساؤل السطحى «كيف نساوى بين المساجد التى ترفع لا إله إلا الله مع الكنائس التى ترفع الصليب؟»، لا يلتفت هؤلاء لبعض الأمور الواضحة، فمصر دولة قومية وليست دولة خلافة إسلامية، هى إذن لكل المصريين دون تمييز على أساس العرق أو الدين، هذا هو ما كُتب فى الدستور، والمساواة ليست فى العقائد، فمن البديهى أن كل إنسان يرى صحة عقيدته وخطأ أو نقص العقائد الأخرى، لكن المساواة هنا قانونية، تعنى أن الإجراءات التى تنظم دور العبادة واحدة على الجميع إعمالا بمبادئ حرية العقيدة والممارسة والدمج السياسى والسلام المجتمعى التى لا سبيل للتقدم بدونها! المثير فى الأمر أنه حتى تلك المساواة القانونية لم تحدث حتى الآن!
***
سيادة القانون والتوازن والفصل بين السلطات: حكم نافذ من محكمة النقض يتم التسويف فى تطبيقه من مجلس تشريعى هو أصلا معنى بتشريع القوانين ومتابعة تنفيذها! سباب واتهامات متبادلة بين الأعضاء بعضها يحتوى على سب وقذف صريح ولا يحال أحد إلى لجنة القيم! الحقيقة أن آخرين استخدموا حقهم فى الاعتراض على بعض مشاريع القوانين فتم تحويلهم إلى اللجنة المذكورة قبل أن «يصالحهم» رئيس المجلس أخيرا! أحد النواب تقدم باستقالته من رئاسة لجنة حقوق الإنسان بعد ضغوط تعرض لها لأنه استخدم أبسط أدواته النيابية! تصريحات مؤسفة من رئيس المجلس لدرجة أن الدول البرلمانية والتى تتداخل فيها السلطتان التشريعية والتنفيذية بحيث تعبر الأخيرة عن تيار الأغلبية فى الأولى لا يحدث فيها أبدا مثل ما يحدث فى برلمان مصر من انحياز تام للسلطة التنفيذية بحيث لا نعرف من يراقب على من حقا؟! ثم يعترض البعض حينما نقول إن البرلمان فى مصر وُلد ليكون حاملا لأختام السلطة التنفيذية! أليست هذه هى الحقيقة؟!
***
مصر مازالت أمامها الكثير والكثير لا أقول حتى تتقدم، ولكن حتى تخرج من كبوتها، والسطور الفائتة للأسف لا تقول كثيرا عن احتمال الخروج من هذه الكبوة قريبا، لكن مادمنا نتنفس فلابد أن نتمسك بالأمل، ليس رهاننا على هذه السلطة أو تلك المعارضة، ولكن يقيننا بأن فى هذا الشعب أناسا يحبون أرضهم وتاريخهم وشعبهم ويتمسكون بأفكار السيادة والحدود والقانون والمواطنة والمؤسسية والتعددية والديمقراطية باعتبارها المعبر الوحيد لمصر من عثرتها، أثق أن هؤلاء موجودون وسيتمكنون من حماية هذا البلد من الانهيار والأخذ بيده إلى التقدم فى وقت ما، نسأل الله عز وجل الأمن والسلامة.