هل يتدخل الجيش الأمريكى فى أزمة الانتخابات
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 3 سبتمبر 2020 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
عرفت الانتخابات الرئاسية على مدى تاريخها الحديث ظاهرة تسمر المواطنين الأمريكيين أمام شاشات التليفزيونات انتظارا لخبر تلقى المرشح الفائز مكالمة هاتفية من المرشح الخاسر يهنئه فيها بالانتصار ويتمنى له ولأمريكا كل الخير والتقدم.
وعلى الرغم من سخونة الحملات الانتخابية وما تشهده من هجمات موضوعية وشخصية من كل فريق على الآخر، تطوى ليلة التصويت وإعلان نتائج الانتخابات ووضوح هوية الطرف الفائز التنافس السياسى بين الفريقين، وتبدأ مرحلة انتقالية تمتد لأسابيع لنقل السلطة للطرف الفائز.
تتضاعف أهمية هذه العملية الإجرائية إذا كان الطرف الخاسر هو الرئيس الحالى للولايات المتحدة، وحدث ذلك على سبيل المثال عام 1980 عندما خسر الرئيس الديمقراطى جيمى كارتر، وتكرر عام 1992 عندما خسر الرئيس الجمهورى جورج بوش الأب.
نعم عرفت أمريكا مشكلات إجرائية على مدى تاريخها فيما يتعلق بالانتخابات من حيث منع البعض من الوصول إلى صناديق الاقتراع، والتشكيك فى شرعية النتائج، وطرح الطعون القانونية، وإجبار الناخبين على الوقوف فى طوابير طويلة، لكن لم يسبب أى منها أزمة بالمعنى الحقيقى إلا فى انتخابات عام 2000 عندما حسمت المحكمة الدستورية العليا نتيجة انتخابات ولاية فلوريدا وأعادت فرز الأصوات، وهو ما أدى لفوز المرشح الجمهورى جورج بوش بالرئاسة.
وزادت مخاوف الأمريكيين أخيرا مع تأكيد الرئيس دونالد ترامب لعدم اتباعه التقاليد الراسخة، إذ لم يتعهد بقبول نتائج الانتخابات وتهنئة المرشح جو بايدن حال خسارته كما جرت العادة على مدى التاريخ الأمريكى.
***
دفعت دعوات الرئيس ترامب لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى الثالث من نوفمبر القادم، وما سبقها من الاعتراض على آلية التصويت بالبريد وترك الباب مفتوحا أمام عدم الاعتراف بنتائجها، الكثيرين لتوقيع أزمة دستورية غير مسبوقة خاصة مع توقع عدم الإعلان عن هوية المرشح المنتظر قبل نهاية يوم الانتخابات، ويعتقد بعض الخبراء أن هوية المرشح الفائز قد تُعرف بعد أسابيع من انتهاء التصويت.
وللمرة الأولى يشكك رئيس حالى فى نتائج انتخابات مستقبلية وهو ما يدفع لتقويض أسس الديمقراطية الأمريكية والتسبب فى أزمة ثقة فى نظامها وإجراءاتها السياسية، وهو ما أدى لطرح أسئلة عن موقف الجيش من أزمة مستقبلية.
وتدخل الجيش على خط النقاش السياسى بعدما وجهت إليسا سلوتكين وميكى شيريل، نائبتان ديمقراطيتان من مجلس النواب، أسئلة مكتوبة إلى كل من وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلى، حول القلق من رفض ترامب ترك منصبه طواعية أو قد يحاول استخدام الجيش للتشبث فى السلطة فى حال فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن بانتخابات نوفمبر المقبل.
ورد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلى، ونأى بالجيش بعيدا عن السجالات السياسية، ورد الجنرال ميللى بخطاب رسمى جاء فيه أنه «فى حال وقوع خلاف على جوانب من الانتخابات، حسب القانون، فإن المحاكم الأمريكية والكونجرس هما المطالبان بحل أى خلاف، لا القوات العسكرية الأمريكية».
وتاريخيا خشى الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية من تدخل الجيش فى الحياة السياسة، وضبط الدستور وحد من أى احتمال سيطرة ضباط عسكريين غير منتخبين على الحكم.
من هنا حدد الدستور وبدقة مسئوليات الرئيس المنتخب والتى على رأسها أنه قائد أعلى عام للقوات المسلحة.
من ناحية أخرى، يثق الأمريكيون فى أن جيشهم لا تحركه الأهواء السياسية الداخلية أو الحزبية أو الطمع فى السلطة والحكم.
من هنا لا يوجد دور للجيش فى عملية الانتقال السياسى الأمريكى. وحدد القانون الرجوع للمحاكم الأمريكية وصولا للمحكمة الدستورية العليا لحل أى خلاف حول هوية المرشح الفائز حال وقوع أزمة فى عد أو فرز الأصوات أو عدم اعتراف مرشح بالهزيمة.
ولم يعط الدستور أى دور للجيش فى عملية الانتقال السياسى، بل حدد الدستور وزير الدفاع بضرورة أن يكون شخصا مدنيا، كما جرد رئيس الأركان من أى سلطات سياسية وجعل المنصب ضعيفا يستطيع معه الرئيس أن يقيله بتغريدة أو مكالمة تليفونية.
ولا يعنى ما سبق أنه لا يحق للعسكريين التقدم والعمل فى المجال السياسى، بل والوصول لمنصب الرئيس. فأول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن قاد حرب التحرير الأمريكية ضد القوات البريطانية، وبعد انتقاله للحياة المدنية تم انتخابه رئيسا. فى حين شارك الرئيس دوايت إيزنهاور فى معارك الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب بدأ إيزنهاور حياته المدنية، وعمل رئيسا لجامعة كولومبيا العريقة بمدينة نيويورك لسنوات قبل أن ينضم للحزب الجمهورى ويفوز بترشيحه بعد منافسة ضارية.
كما أن هناك فئة من الرؤساء الذين جمعوا بين المشاركة فى الحروب وانتظموا فى الحياة الحزبية والسياسية بعد سنوات من انتهاء المعارك وسلكوا طريقا طويلا من انتخابهم فى مناصب بالكونجرس أو الولايات قبل أن يتم انتخابهم كرؤساء للولايات المتحدة. من هؤلاء الرؤساء جورج بوش الأب وجيمي كارتر، الأول شارك فى الحرب العالمية الثانية وانتخب لاحقا فى مجلس النواب عن ولاية تكساس، والثانى شارك فى الحرب الكورية، ثم انتخب حاكما لولاية جورجيا، وذلك قبل أن ينتخب رئيسا للولايات المتحدة.
***
خلال المناظرة الرئاسية الثانية التى جمعت الرئيس دونالد ترامب بهيلارى كلينتون فى انتخابات 2016، رفض المرشح ترامب التعهد بقبول نتائج الانتخابات ومباركة فوز خصمته إذا خسر السباق ورد على سؤال من المذيع المخضرم كريس والاس إذا كان مستعدا لقبول الهزيمة حال خسارته، رد ترامب بالقول «سنرى ما يمكن فعله فى هذه اللحظة، لا أستطيع أن أجزم لك الآن بالرد».
ولم تعرف انتخابات 2016 تصويتا واسعا بالبريد، ولم يكن هناك أى مخاوف من نتائج تزوير الانتخابات.
من هنا لا يرتبط موقف ترامب بالضرورة بالتصويت بالبريد، لكنه لا يقبل الهزيمة بسهولة كما ذكر.