الحروب الأمنية.. والذكاء الاصطناعى
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
طورت أساليب الحروب وأنواعها وأشكالها، بحيث تغيرت تغيرا جذريا، ولم تعد تحمل حتى أى صفة من صفات الحروب التقليدية التى سادت عبر العصور السابقة، كما أن التطورات التى نشهدها حاليا باتت متسارعة جدا، ومن الصعب ملاحقة تفاصيلها وسبل التعامل معها.
والأمر يزداد تعقيدا عندما يتعلق أساسا بالحروب الاستخبارية والأمنية، حيث يصعب تحديد محتواها وصورها ونوعية تداعياتها، والمعنيين بها مباشرة، أو المتأثرين بها كطرف ثانٍ، وعليه يبدو الأمر أشد تعقيدا.
من ميزة الحروب الأمنية والاستخبارية المدمجة بالتطور التكنولوجى، وبخاصة الذكاء الاصطناعى، سرعة الاستفادة من الفرص المتاحة، علاوة على دقة النتائج المتناهية، وسرعة التنفيذ، والعمل على ملايين الملفات فى أوقات متوازية من دون أخطاء تذكر، وبالتالى تغيير المعادلات وكسر التوازنات، ثم إرغام الخصم على سرعة التسليم بالنتائج الحاصلة والاستسلام ودفع الأثمان المطلوبة، والأغرب من ذلك كله، إنجاز النصر الحاسم دون إطلاق رصاصة واحدة فى بعض الحالات.
إن مراجعة تاريخ هذه الحروب ونتائجها وتداعياتها، تبرز خصائص مشتركة فى ما بينها، منها سرعة إخضاع الخصم، وترك آثار سلبية شاملة من السياسى إلى الاقتصادى والاجتماعى والسلوكى، مع تسجيل ميزة الإطالة الزمنية لهذه الآثار وعدم القدرة على تخطيها وتجاوزها بسهولة، والأهم من ذلك عدم القدرة على اكتشاف سبل المواجهة بشكل يسير وبطرق مضمونة النتائج، فى وقت يكون فيه الوضع شديد الحساسية، ويتطلب قرارات وآليات تنفيذية عالية الفاعلية.
إن آخر ما جرى من حروب استخبارية أمنية مدمجة باستعمال الذكاء الاصطناعى والتطور التكنولوجى ما جرى فى لبنان مؤخرا، بعد تفجير (البيجر) و(اللاسلكى) الذى ذهب ضحيته ما يقارب أربعة آلاف بين جريح ومفقود، والتى اعتبرت سابقة لجهة الأسلوب والنوع والكم المستهدف فى الأساس والذى يبلغ نحو سبعة آلاف.
لقد بات هذا النوع من الحروب، من أشد الحروب خطورة، بخاصة ما يشاع عن إمكانية ابتداع أنواع جديدة من الوسائل القابلة للاستعمال كوسائل اغتيال وقتل جماعى. فما المانع من أن يشمل ذلك أجهزة الهواتف الذكية، وحتى أى جهاز إلكترونى يستعمل فى البيوت، وبالتالى امتداد وتوسع الوسائل القابلة للاستعمال، الأمر الذى سيشكل سوابق توصف بالإبادة الجماعية، وذلك يؤدى إلى إشاعة الفوضى العالمية.
إن سيناريوهات كتلك ستؤدى بالتأكيد إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين، وهو وضع يستلزم التحرك دوليا لترتيب التعامل مع أى وضع مستجد، وهو أمر يوصف أقله بأزمة دولية ذات مخاطر رفيعة، يستدعى سبل المواجهة، قانونيا وعمليا من قبل المجتمع الدولى.
بداية نقترح، البدء فى تشكيل بيئة قانونية عبر مجلس الأمن الدولى، بهدف التوصل إلى اتفاقيات شارعة على المستوى الدولى، يحرّم بشكل قاطع استعمال التكنولوجيا وتحديدا الذكاء الاصطناعى فى الوسائل القتالية الأمنية والاستخبارية، والقيام بعمليات اغتيال جماعى.
إن مخاطر استغلال التكنولوجيات المتطورة فى القيام بعمليات اغتيال وقتل جماعى، هى كثيرة وغير محددة التداعيات، وهو أمر لا يقل خطورة عن الأعمال الإرهابية التى نظمت الأمم المتحدة العديد من الآليات التنفيذية لعمليات المواجهة والقضاء عليه، كما لا يقل هذا الموضوع خطرا عن الفيروسات القاتلة التى انتشرت مؤخرا مثل فيروس كورونا ومشتقاته، وجميعها مخاطر ذات طبيعة ممتدة تستدعى جهودا استثنائية.
خليل حسين
جريدة الخليج الإماراتية