الفساتين والأفلام
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 نوفمبر 2020 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
هناك من هم اقدر منى على تحليل الأفلام التى عرضت فى مهرجان الجونة السينمائى خلال دورته الرابعة التى اختتمت اعمالها الجمعة الماضية بعد نقاشات واسعة احيطت بتلك الدورة، وستبقى الاسئلة التى طرحتها تلك النقاشات عالقة، لأن الاجابات تتطلب مناخا مختلفا وفهما للأدوار والوظائف، فلا احد بإمكانه ان يطلب من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى التوقف عن الاهتمام بفساتين الفنانات واطلالة الفنانين على السجادة الحمراء التى تعتبر فى معظم مهرجانات العالم جزءا لا يتجزأ من طقوس أى مهرجان، شأنها شأن الأفلام والندوات وورش العمل، لكن ما يحتاج إلى تفكير هو طريقة توزيع التغطية وحجمها داخل المطبوعة او الموقع الالكترونى أو البرنامج التلفزيونى المهتم بالمتابعة، فما يمكن نشره فى صفحة المنوعات ليس هو ما ينشر داخل صفحات الثقافة والفنون أو على الصفحة الأولى او الاخيرة لأن مهمة الصفحة المتخصصة تبقى مهمة نقدية وتحليلية فى الاساس إلى جانب ما تقدمه من خدمة اخبارية.
وفى السياق فإن ما تعرضه برامج «توك شو» التى تقدمها لميس الحديدى تختلف عما تقدمه بوسى شلبى او ما تقدمه ريا ابى راشد فى برنامجها (سكوب)، او أى برنامج سينمائى متخصص مثل البرامج التى تظهر على شاشات BBC أو قناة فرنسا 24 وتستضيف صناع الافلام وتعلق على محتواها بطريقة تذكر بالدور الذى لعبه فى الماضى برنامج ( زووم ) لسلمى الشماع او البرامج التى اعدها وقدمها الناقد الراحل يوسف شريف رزق الله ومثلت مصدرا ثقافيا ملهما لابناء جيلى.
وقد تعلمنا ان لكل محتوى اعلامى (هوية جاذبة) وجانبا من مشكلة التعامل مع المهرجان، متعلقا بغياب الصفحات المتخصصة التى لم يعد لها وجود فى اعلامنا بعد ان تم اختصار مفهوم الفن فى متابعة اخبار النجوم دون تناول وتحليل ما يقدمونه من إنتاج بعد ان كادت المقالات النقدية تختفى من الصحف والمجلات العامة، على الرغم من ظهور أسماء جديدة من نقاد الأفلام جديرة بالمتابعة ولا تزيد أعمار أصحابها عن ٣٥ عاما ومن بين هؤلاء مروة عبدالله السيد ومحمد سيد عبدالرحيم واندرو محسن ورشا حسنى ورامى المتولى وضحى الوردانى ووفاء السعيد ويبذل هؤلاء جهدا خلاقا لبناء معرفة نقدية عميقة وفى الغالب يقتصر حضورهم على ما يساهمون به فى برامج قناة النيل للسينما التى يغزل الزملاء العاملون فيها بـ( رجل حمار) ويعملون دون أية إمكانيات لتقديم خدمة نوعية، فقد كانوا يطوفون القاعات ويلاحقون المشاركين للحصول على تغطية حية وحيوية لم تجد طريقها للمشاهد العام وتلك مشكلة أخرى تخص أحوال قنوات النيل المتخصصة وهى لا تسر العدو او الحبيب.
ولا اعتقد ان لوم جمهور مواقع التواصل الاجتماعى وانتقاد تلهف بعض أفراده على صور النجوم سيؤدى فى المستقبل إلى تغيير طريقة العمل او التفكير، لأن وصفة صناعة (الترند) معروفة وتسهل مهمة البعض فى اختزال الحدث حين تستبعد من النقاش الجانب الحيوى والأهم، والمتعلق بالقيمة الفنية للأفلام ذاتها باعتبارها الجسم الرئيس للمهرجان.
وينسى البعض ان هذا المهرجان بالذات انطلق من تصور واضح ومن (بيزنس موديل) غرضه التسويق السياحى والعقارى لمنتجع الجونة، وبالتالى فإن مهمته واهدافه تختلف تماما عن أهداف مهرجان اخر تقيمه الدولة بمؤسساتها وميزانيتها.
وبعيدا عن هذا الجدل يبقى القول ان اكثر الامور التى لفتت نظرى خلال ما تابعت تتعلق بالحاجة إلى تأمل تحولات خريطة الإنتاج السينمائى فى العالم العربى حيث نمت خلال السنوات الأخيرة فرص السينما السودانية والفلسطينية وتبلور محتواها الجديد إلى جانب النمو المعتاد لأفلام المغرب العربى وعلينا فى مصر تأمل هذه التحولات على أمل إعادة النظر فى السياسات الثقافية القائمة، فالانتاج السينمائى العربى فى أغلبه يعتمد على صناديق الدعم ومنح تطوير المشروعات داخل المهرجانات إلى جانب المساهمات البسيطة التى يقدمها بعض المنتجين المستقلين الذين يتحركون لبناء شبكات وشراكات تمويل توفر بعض الدعم من بعض المؤسسات الاجنبية وفى ظل هذه المنظومة يختفى تماما او يتضاءل دور التمويل الحكومى وباستثناء النموذج التونسى الفريد فى قدرته على بناء شراكات جادة بين الفنانين المستقلين ومنظومة الدعم الحكومى فإن الفنانين العرب سيبقون فى قلب المعاناة
وقد أبرزت المخرجة التونسية كوثر بن هنية بفخر مساهمة المركز الوطنى فى بلادها فى عملية انتاج فيلمها الذى مثل بلادها فى كبريات مهرجانات العالم، فى حين غابت صور الدعم الرسمى عن معظم الأفلام العربية المشاركة ومن بينها الأفلام المصرية التى أصبحت تحظى بجوائز عالمية مهمة وآخرها (السعفة الذهبية) التى نالها المخرج سامح علاء من مهرجان كان، يحدث ذلك فى وقت تنعدم فيه تماما فرص الحصول على منح انتاجية تقدمها الدولة التى لا تزال تتجاهل نداءات صناع الافلام بتأسيس صناديق دعم إنتاجى تعمل بمعايير واضحة وشفافة.