ليلة كأى ليلة.. لا.. بل هى ليلتهن
خولة مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 4 يناير 2012 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
كانت الليلة لم تبدأ بعد. الكل مشغول بكيف سيقضيها أو يقضى عليها؟؟ ما هى إلا ليلة أخرى تسقط ورقة عام وتبدأ ورقة عام آخر.. ما هى إلا ليلة ربما؟!
هى ليلة ككل ليلة أو ربما أقل من بعضها، ولكنها هذا العام فقط قد سجلت احداث اكتظت بها ايام 2011 حتى لم نعد نستطيع اللحاق بها أو الوقوف على تفاصيلها سواء هنا فى القاهرة أو مدن مصر المتفرقة المرصوصة بين البحر والنهر، أو حتى فى العواصم والمدن العربية الاخرى. حتى لا نتوغل أكثر فى التعداد فنرحل إلى نيويورك وفرانكفورت لنعيد مشاهد «احتلو وول ستريت» أو احتلوا فرانكفورت...
زحمة أحداث العام لم تبدد فرحتنا بأنه كان عام الشعوب دون منازع رغم الكثير من الألم المرافق لانتفاضة الشعوب لكرامتها ولحقها فى المواطنة و حريتها. إلا أنه كان عاما مطرزا بلحظات السعادة البكر أو السعادة الاولى.. جيل بأكمله لم ير سوى أنظمة بحالها، نفس الرئيس أو رئيس الوزارة لسنوات عمره كلها.. جيل لم يعرف سوى الحاكم وطبقته وشريحة حملة الاختام التى يتساوى فيها الجهلة بالمثقفين، اليساريون بالإسلاميين، القوميون بالعلمانيين.. كلهم أو بعضهم سقط فى مستنقع أسود بلون نفطهم أو بعدمية قلوبهم! جيل بقى فى اللحظات الاولى من اكتظاظ الآلاف بل الملايين بميادين المدن وساحاتها، مشدوها كيف استطاع الشباب القيام بهذا؟؟ كيف حطموا حاجز الخوف الذى غرسوه على مر عقود من التعذيب والسجن والاعتقالات التعسفية والإهانات على أبواب زنازينهم أو حتى مكاتبهم.. فالإهانة هى ذاتها تتساوى اينما كانت.. اذا فعام 2011 هو عام كسر حاجز الخوف حتى تنافس البعض فى الوقوف بجسد عار إلا من العزة والكرامة والصمود أمام دبابة أو جيش من رجال الأمن المسلحين بكل أسلحة الدمار!
إذا فهى ليست بليلة رأس سنة اخرى تكتظ بها الشوارع احتفالا بإنهاء عام واستقبال آخر، بل إنها ليلة للتعبد فى محراب الحرية وإطلاق العهد بالاستمرار فيها والدفاع عنها فلا يزال الطريق طويلا جدا جدا.. هى ليست بليلة تضرب بها الكئوس وتطفئ الأنوار على صوت قبلات ناعمة تنقل الدفء فى برد ليلة قارس... هى ليلة الحرية بطعم الياسمين والريحان و«مشموم» بلادى، تلك الواقفة بين البين بين تترقب القادم بصبر، تمسح دمع أطفالها وتغسل أرضها بدماء لا تزال زكية.. تسقى تلك الأرض العطشى وتدعو ألا تودع القادم بتكبيرات المساء ومسيرات المشارح والمقابر!
ليلة طرزها قمر الحرية القادم من ميادينها.. بعضهم أشعل الشموع على الأرواح حزنا وابتهاجا بانتصارات طال انتظارها.. راحت الأيدى تتوحد والحناجر تنادى لنغنى معا أنشودة الحرية أو المطر.. صبركم ما زال هناك الكثيرون هناك فى تلك المدن المضرجة بالدم تصرخ بالعزة والكرامة.. كلما صرخت أكثر كلما تناثرت الجثث الصغيرة والندية هنا وهناك وتلاشت اخرى فى المجهول.. أرقام تضاف إلى قائمة طويلة من المفقودين!! دوى رصاص وصوت قاذفات ثم صمت طويل طويل وبعده جثث مخرمة بالرصاص.. شىء ما يقول من أين جاءوا بكل تلك الكراهية؟ أحدهم يصرخ «كيف يكره الحاكم شعبه» وآخر يكرر «هل ستستوردون الشعوب كما تستوردون الكافيار والسمون المدخن والسيجار؟؟؟» ويبقى سؤال الكره والمحبة والالتصاق بالكرسى والسلطة حتى آخر قطرة دم!!!
ليلة أخرى.. اكتظت الساحات عندما اتسع لها سبيل فهناك ساحات قد أعدمت على مقاصل اغتيال الصرخة والفرحة ووئد الثورة فى أيامها الأولى.. واشتد ضجيج الليل فى المدن المتناثرة بعضها يغنى للحرية واخرى يحتفل بولادتها.. هنا الأعلام والشموع وهناك أيضا أعلام وشموع ودموع كثيرة تسقى تلك الأرض العطشى.. كم من الدمع سيذرفه الرجال والنساء.. نساء بلدى القابضات على الحرية بشدة تزداد كلما اشتدت قبضتهم الحديدة.. الواقفات كالنخيل، الصامدات الصارخات بالحرية المقبلات على الحياة القادمة بكل عزة لا يعرفها سجانوهم!
كلما سحلنا فى الشوارع والميادين كلما انتفضن أكثر لكرامة بلدهم وعزتها.. لا شىء يوقفهن.. لا شىء يخيفهن.. هن حقيقة صانعات النصر القادم.. هن حقيقة من يستحقن ان نحتفل بهن هذه الليلة.. هن كل القادم الجميل الذى ننتظره بشدة حرارة صيف بلدى.. هى ليلتهن حتما.. زرعوها بكثير من العرق والدم والمحبة أيضا.