فخامة الرئيس

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 5 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

سيدى الرئيس القادم، أنا مواطن مصرى بسيط لا أفهم فى الاستراتيجيات والتكتيكات، ولا أعرف ما الذى تعنيه معدلات النمو وتحرير سعر الصرف وعجز الميزان التجارى، ولا يعنينى أبدا أن ترتفع أو تنخفض أسهم البورصة، لكننى لسبب ما، أشعر أن كل هذا «الهرى» يؤثر على حياتى، وأنه السبب فيما آل إليه حالى، الذى لم يكن حسنا بالتأكيد، لكنه ــ بالتأكيد أيضا ــ صار أسوأ.

 

بسبب ما تقدم، وبناء عليه، أتوجه إليك بكتابى هذا، وجميعه مما أراه وأعيشه لا أكثر ولا أقل، عسى أن تجد فيه ما يفيد.

 

اعلم حفظك الله أن الزحام صار خانقا، وأن ملايين البشر والسيارات العابرة يوميا فى المحروسة، جاوزت قدرة الشوارع على الاحتمال، حتى تحولت قاهرة المعز إلى جراج كبير، وصار الخروج من المنازل مغامرة لا يقدر عليها إلا ذوو الصبر والجلد، والمضطرون وذوو الحاجات، والنتيجة: هدر هائل للطاقات وساعات العمل، فضلا عن ضيق الخلق وسرعة الغضب، التى هى من أخلاق الزحام، فإذا سلّمك الله وأسلمتك إشارة للتى تليها، وطاردك المتسولون وبائعو اللاشىء، فاعلم أنهم صاروا بالملايين، بعد أن انضم إليهم عمال وموظفون تم تسريحهم ضمن برنامج المصمصة، الذى كانت صحف الحكومة تسميه خصخصة، وأنهم ينتشرون بطول البلاد وعرضها، وبينهم أطفال شوارع تقول الحكومة إنهم ثلاثة ملايين طفل، وأزعم أنهم أكثر.

 

لو قدر لك أن تجلس على مقهى، سيمر عليك أولاد وبنات فى عمر الزهور، يستجدونك أن تشترى منهم مفكات أو أمواس حلاقة أو ولاعات، بعض هؤلاء من خريجى الجامعات العاطلين عن العمل، تقول الحكومة إنهم لا يزيدون على ثلاثة ملايين ونصف المليون، وأزعم أن الرقم الصحيح مضروب فى أربعة، وأكثر هؤلاء يجيدون القراءة والكتابة بالكاد، فهم ضحايا تعليم جامعى فاشل، ومدارس أكثر فشلا، وإن لم تكن تصدقنى، فأرجوك أن تخطف رجلك لأقرب مدرسة حكومية، وأن تمضى يوما فى أى جامعة «عريقة»، لتسمع وترى.

 

أدعوك أيضا ــ شفاك الله وعافاك ــ لزيارة أى مستشفى أميرى، أو أن تصطحب أحد أقاربك إلى هناك، وسترى بنفسك، أن المستشفى خالٍ من الأطباء والممرضات والأدوية، وأن المرضى يتناوبون النوم على الأسرّة، بعد أن صارت النسبة 9:1، فإذا خرجت منها على قدميك، فواصل السير إلى أقرب منطقة من تلك التى يسمونها عشوائية، والتى صار لدينا منها أكثر من 1500منطقة، يعيش بها أكثر من 15 مليون مواطن، تقول الحكومة إنهم يمثلون أحزمة فقر وجريمة قابلة للانفجار فى أى وقت.

 

واعلم أيدك الله بنصره، أن حال الناس فى الأقاليم والقرى والنجوع أكثر بؤسا، وأن هؤلاء البعيدين عن أضواء العاصمة أولى برعايتك، فحالهم يصعب على الكافر.

 

هذه بعض تركتك الثقيلة أعانك الله عليها، ومعها شعب طيب، لكنه ــ أصدقك القول ــ ثرثار، لا يحب العمل، وقد لا يكون هذا ذنبه، فقد أفهموه أن الحداقة والفهلوة وتفتيح المخ هى وسائله للصعود، وليس الإجادة والإتقان والإخلاص فى العمل، كما غرسوه بداخله أنه «عشان ما نعلى ونعلى ونعلى.. لازم نطاطى نطاطى نطاطى».

 

هذه هى تركتك الثقيلة التى تصارع للفوز بها.. فماذا أنت فاعل؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved